اتفاقات اقتصادية بين تونس وليبيا لا تخلو من عثرات

أصعب الرهانات مراجعة قانون الاستثمار وتحقيق الاستقرار السياسي.
الاثنين 2021/05/24
فرصة لتخفيف الأزمة الاقتصادية

حققت زيارة رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي إلى ليبيا العديد من الاتفاقيات الاقتصادية والتجارية، غير أنها لم تخلُ حسب خبراء من تحديات تتعلق بتفعيلها واقعيا لاسيما في ظل عدم ملاءمة بعض بنود القوانين لمتطلبات تحفيز الاستثمار فضلا عن تحدي تحقيق الاستقرار السياسي لتوحيد جهود إدارة دفة الاقتصاد.

تونس – كسبت زيارة رئيس الحكومة هشام المشيشي إلى ليبيا رهانات عقد اتفاقيات اقتصادية وتجارية، غير أن الرهان والتحدي الأكبر يظل تنفيذ هذه الاتفاقيات نظرا للعقبات المزمنة التي تكبل الاستثمار خصوصا في قانون الصرف والتملك.

ووقعت تونس وليبيا اتفاقيات في مجالات النقل البحري والجوي والبري، فيما اتفقت حكومتا البلدين على تعزيز العلاقات الاقتصادية بينهما. جاء ذلك خلال مؤتمر صحافي عقده رئيس الحكومة الليبية عبدالحميد الدبيبة مع نظيره التونسي هشام المشيشي السبت، في العاصمة طرابلس.

وأكد الدبيبة عزم حكومته على تسوية أوضاع العمالة التونسية في ليبيا ورفع القيود عن اعتمادات البضائع القادمة من تونس إلى ليبيا برا، مشيرا إلى سعيها لحل بعض القضايا العالقة كالمشكلات الأمنية والديون.

وقال محمد الصادق جبنون الخبير الاقتصادي والناطق الرسمي باسم حزب قلب تونس (عضو الائتلاف الحكومي) في تصريح لـ”العرب” إن “زيارة المشيشي كانت اقتصاديا ناجحة لأن الاتفاقيات أخذت مسارا تنفيذيا، وذلك لأن أطرها القانونية والمؤسساتية موجودة لكنها تعطلت بسبب ظروف خاصة مرت بها تونس وليبيا”.

وأوضح أن “من قبيل ذلك إعلان ليبيا رفع القيود عن اعتمادات البضائع التونسية المنقولة برا إلى ليبيا والذي كان مقتصرا في السابق على النقل الجوي والبحري مما سيعطي الأولوية وامتيازات للمصدرين التونسيين”.

باسل ترجمان: تعطل مراجعة قانون الصرف مرتبط بمصالح مضاربي العملة
باسل ترجمان: تعطل مراجعة قانون الصرف مرتبط بمصالح مضاربي العملة

وكشف جبنون أن “شركة تونسية حصلت على عقد مقاولات في ليبيا بقيمة 70 مليون دينار (25.7 مليون دولار)”، مشددا على أن “العمل الآن يرتكز على تشجيع مستثمرين تونسيين على التوجه إلى ليبيا”.

وأشار إلى أن “تونس تملك موارد بشرية وكفاءات كبيرة مؤهلة للعمل في ليبيا وبناء المطارات وتنفيذ مشاريع البنية التحتية بما يسمح بدر عوائد مهمة على الاقتصاد والخروج من الأزمة الاقتصادية”.

ولفت المتحدث إلى أن “حضور محافظ البنك المركزي التونسي مروان العباسي والتقاءه بمحافظ مصرف ليبيا أثمرا نتائج مهمة حيث تعهد الطرفان بتسيير نقل العملة ونقل الأموال وحل المشاكل العالقة بين المستثمرين لتمكينهم من نقل رؤوس الأموال والأرباح”.

وأكد المحلل السياسي باسل ترجمان في تصريح لـ”العرب” أن ” القوانين المنظمة للاستثمار والتملك في تونس صارت قديمة ولم تعد تناسب تحديات المرحلة الحالية ومتطلبات تشجيع الاستثمار مثل تحويل الأموال وحق الأجانب في شراء الشقق، وعطلت إنجاز العديد من المشاريع وسببت نفور المستثمرين في مجالات البناء وغيرها من المجالات”.

وكان رئيس الحكومة هشام المشيشي قد أعلن عن رفع قيود تملك الليبيين للعقارات السكنية في تونس والتوجه نحو رفع قيود تملكهم للعقارات التجارية. لكن ذلك أثار جدلا داخل الأوساط التونسية التي استنكرت القرار الذي اعتبرت أنه سيضر بمصالح المواطنين التونسيين بمنح حق تملك أراضيهم لأجانب.

وعزا باسل ترجمان “تعطل مراجعة هذه القوانين إلى ارتباطها بمصالح شبكات نافذة تمنع ذلك لأنها تستفيد من حالة الفوضى لتهريب الأموال ومضاربة أسعار العملات الأجنبية”.

وتتمثل هذه الإشكالية في خضوع حركة أموال المستثمرين إلى مراقبة صارمة مما تسبب في معاناة العشرات من الشركات، ما أثار جدلا في الأوساط الاقتصادية في البلاد طيلة السنوات الماضية.

وحتى الوقت الراهن يتعين على المستثمرين نيل موافقة البنك المركزي للحصول على العملة الصعبة لتمويل عمليات في الخارج أو الحصول على خطابات ائتمان لاستيراد البضائع.

ويصدر المركزي الموافقات لكل حالة على حدة، في عملية ترى بعض الشركات أنها لا تتسم بالشفافية الكافية وتنطوي على الكثير من العراقيل البيروقراطية.

ويرى مراقبون أن الاستقرار السياسي في تونس ضروري لتنفيذ الانتعاش الاقتصادي والاستفادة من استتباب الأمن في ليبيا واستعادة حضور المنتجات التونسية في هذه السوق الواعدة.

Thumbnail

ويثير تغيير الحكومات المتكرر في تونس، إلى جانب القطيعة الواضحة بين رؤوس السلطة التنفيذية، مخاوف المستثمرين من المخاطرة بضخ أموال طائلة في بلد يعيش تجاذبات سياسية ومطلبية نقابية كبيرة.

وتلعب الأوضاع السياسية المرتبكة التي تعيشها تونس دورا كبيرا في تفاقم مشكلات المؤسسات الصغرى والمتوسطة، إذ يرى ملاحظون أن انهماك الطبقة السياسية في صراعات مختلفة ومتواترة ساهم في عدم الاهتمام بتعديل التشريعات المشجعة على الاستثمار في البلاد،

وطيلة السنوات الماضية طالب أصحاب المؤسسات الصغرى والمتوسطة التي تنشط في مجال التصدير بتنفيذ إستراتيجية وطنية لتطوير التصدير، ودعوا إلى تطوير خدمات البنوك والمؤسسات المالية التي تستفيد منها الشركات المصدرة بتوفير التسهيلات المالية وتبسيط الإجراءات الإدارية.

ويتركز برنامج زيارة رئيس الحكومة على تدشين الخط الجوي بين تونس وليبيا، علما وأنّ الرحلات قد انطلقت فعليا الاثنين مع وصول طائرتين تابعتين للخطوط الجوية التونسية إلى طرابلس ومدينة بنغازي شرق البلاد، لتصير أول شركة طيران دولية تعود إلى ليبيا منذ أغسطس 2014.

محمد الصادق جبنون: مؤسسة تونسية حصلت على عقد مقاولات في ليبيا
محمد الصادق جبنون: مؤسسة تونسية حصلت على عقد مقاولات في ليبيا

وتولي السلطات التونسيةُ الجارةَ ليبيا اهتمامًا خاصا، لأن ما تشهده من أوضاع ينعكس على تونس مباشرة، وهي تتطلع إلى الحصول على حصة من مشاريع إعادة إعمار ليبيا وضمن سوق العمل.

وظلت ليبيا سوقا رئيسية ومتنامية للاقتصاد التونسي حتى عام 2011 قبل أن تنهار المبادلات منذ عام 2014. ثم صارت السلع التونسية تعاني منافسة حادة من نظيرتها التركية، لكن تونس تحاول استعادة حصة من السوق بالتزامن مع استتباب الهدوء في ليبيا.

وتراجعت المبادلات الاقتصادية بين البلدين الجارين خلال العام الماضي نتيجة الإغلاق المتكرر للحدود البرية لكبح تفشي فايروس كورونا، لكن أحدث المؤشرات الصادرة عن معهد الإحصاء بتونس تشير إلى أن الحركة التجاريّة على الطرقات استرجعت نسقها بين البلدين، وأن المبادلات مع ليبيا تطورت خلال مارس 2021 بنسبة 148.1 في المئة، مقارنة بشهر فبراير 2021.

وتواجه تونس أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة كورونا، وشهدت منحنى تصاعديا لديونها وانكماش اقتصادها بنحو 8.8 في المئة في 2020، مع بلوغ عجز الموازنة 11.4 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما شرعت الحكومة في محادثات مع صندوق النقد بشأن حزمة مساعدة مالية.

وبين تونس وليبيا علاقات اقتصادية وثيقة إضافة إلى ارتباطات عائلية بين جانبي الحدود، لكنها تضررت إثر سقوط نظام معمر القذافي عام 2011. رغم ذلك لا تزال تونس وجهة أساسية لليبيين للسياحة والعلاج، لاسيما لدى سكان غرب البلاد.

ويشار إلى أن هذه الزيارة هي الأولى لرئيس الحكومة التونسية وقد استمرت طيلة يومي السبت والأحد بدعوة من نظيره الليبي، حيث رافقه عدد من الوزراء ونحو مئة من أصحاب الشركات الذين سيشاركون في منتدى اقتصادي ومالي في طرابلس.

10