أموال التونسيين في المهجر: ثروة تنتظر المستكشفين

قانون الصرف والتعقيدات الجمركية يقوّضان مساهمة المغتربين في إدارة الأزمة الاقتصادية.
الجمعة 2021/06/18
نحلم بوطن أكثر عدلا

تطرح مفارقة وجود شريحة كبيرة من المهاجرين التونسيين في الخارج مقابل أزمة اقتصادية خانقة في البلد تساؤلات حول غياب خطط حكومية فاعلة للاستفادة من تحويلات أموال هؤلاء المغتربين في ظل تعطل محركات النمو التقليدية وتضاؤل الاستثمارات الأجنبية.

تونس - تشير تقارير ووقائع إلى أن الدولة التونسية لم تستثمر في المغتربين بفعل عراقيل قانونية ومصرفية وجمركية قوضت فرص المهاجرين في إحداث قيمة مضافة في الاقتصاد والمساهمة في تخفيف الأزمة الاقتصادية في وقت تتشابك فيه المعايير السياسية والاجتماعية لتتحول هذه الشريحة إلى ثروة مهدورة في انتظار المستكشفين.

وقال الخبير المصرفي والمالي المقيم بباريس أشرف العيادي في حوار خاص مع “العرب” إن “تونس تشهد موجة هجرة بسبب النفور من الواقع التونسي الذي لا يشجع على الإنتاجية والبيئة التي تتسم بالعنف والإدارة المكبلة”.

وبيّن أن “المهاجرين ليسوا كتلة متجانسة، حيث أنهم شرائح مختلفة اجتماعيا وعمريا لذلك تتباين حاجيات التمويل في ما بينهم كما تختلف الفرص الاستثمارية التي تستهوي كل فئة منهم”.

ولفت إلى أن “المشكلة تكمن في الدولة التونسية التي لم توضح إستراتيجيتها نحو التونسيين في الخارج واقعيا، حيث لا توجد إجراءات أو منظمات موجهة لاستجلاب التونسيين بالخارج أو مؤسسات بنكية منخرطة في برنامج وطني لاستجلاب استثمارات من المهاجرين”.

ويؤكد خبراء الاقتصاد أن التحويلات المالية للمغتربين تشكل مصدرا رئيسيا للعملة الصعبة في تونس، حيث تمثل نحو 11 في المئة من مجموع القطاع الخارجي الذي يتشكل من عائدات القطاع السياحي وتحويلات التونسيين في المهجر وإيرادات التصدير والاستثمار الأجنبي المباشر.

أشرف العيادي: تحويلات المغتربين تصب في الاستهلاك المحلي لا الاستثمار

وقال العيادي إن “تونس لم تستثمر في تحويل كفاءات الوطن في بلدان المهجر إلى الدولة الأم ولم يتم إقرار حوافز من قبيل تعيين مهاجرين في مجالس إدارة لشركات عامة يجلبون معهم قيمة مضافة وخبرات جديدة وعملاء ومستثمرين”.

واعتبر أن “حالة عدم وضوح الرؤية السائدة في تونس أساسها اجتماعي وسياسي”، لافتا إلى “وجود مشاعر مزدوجة بين تونسيي الداخل والخارج حيث تقوم على الإعجاب والحقد في آن واحد، إذ في بعض المناطق يعتبرون المغترب أجنبيا أو دخيلا أو خائنا”.

وفي هذا الإطار فسر العيادي تأثير هذه المشاعر على السياسة العامة بقوله “خلال الانتخابات تعد الطبقة السياسية التونسيين في المهجر بالحوافز المالية والجبائية لتشجيعهم على الاستثمار في بلدهم، غير أنها عند وصولها إلى السلطة لا تغير شيئا وتخضع للمزاج الشعبي العام الذي يضغط ويرفض منح المهاجرين امتيازات وإعطاءهم الأولية مقارنة بالمستثمر الأجنبي”.

ويرى متابعون أن التجاذبات السياسية التي تشهدها تونس منذ ثورة يناير 2011 ألقت بظلال قاتمة على المهاجرين مع انهماك الحكومات في مواجهة استقرار هش وشراء السلم الاجتماعي، فيما لم يقع الاهتمام بمشاغل المهاجرين، كما ظل حضورهم السياسي ضعيفا ومنحصرا في عملية الاقتراع مع كل سباق انتخابي.

وأضاف العيادي أن “المهاجرين يحتاجون إلى الشعور بقيمتهم في بلدهم الأم”، موضحا أن “تحويلات المهاجرين يمكنها أن تتضاعف لو يتم إيجاد برنامج وطني لاستجلابهم”.

وفسر الخبير أن “هناك أنواعا من تحويلات المغتربين، حيث أن النوع الأول يهم تحويلات أموال المغتربين إلى أسرهم وهي تعد تحويلات معيشية بحتة تصب في الاستهلاك الداخلي. أما النوع الثاني فهو التحويلات التي تصب في قطاع العقارات وتهم المهاجرين الذين يبنون منازلهم في بلدهم”.

وأكد أن “النوع الثالث من التحويلات هو الأهم ولكنه ضعيف ويتعلق بتحويلات الاستثمار في مؤسسات الدولة التونسية نظرا لغياب خطة واضحة وامتيازات جبائية لجذب مهاجرين مستثمرين وتشجيعهم على الدخول في رأس المال الوطني”.

وشدد العيادي على أن “استثمار المهاجرين في تونس لا يعني فقط در أموال وإنما يعني الاستثمار في الكفاءة والمهارات”، مشددا على “أن الارتقاء بمستوى الاقتصاد يستوجب الارتقاء بأداء المؤسسات في ظل تغيرات سوق العمل الذي يفرض تطعيم الدولة بكفاءات جديدة لتحقيق إضافة كيفية في الاقتصاد المحلي”.

Thumbnail

وقال مهدي باهي وهو ناشط سياسي مقيم في بريطانيا في حوار خاص مع “العرب”، “كمواطن مقيم في الخارج تبين لي منذ سنوات أن الدولة التونسية لا تعطي نفس الأهمية للمستثمرين التونسيين بالخارج مقارنة بالأهمية التي تعطيها للمستثمر الأجنبي، وبالرغم من ذالك نرى أن عددا مهما من التونسيين المتواجدين بالخارج يسعون إلى إطلاق مشاريع صغيرة ومتوسطة في تونس ويعتبرون ذلك خطوة أولى للعودة والاستقرار فيها، ولكنه يبقى طريقا صعبا تملأه العقبات والإشكاليات والتعقيدات”.

وأشار باهي إلى أن “من بين هذه التعقيدات الفساد والمحسوبية والرشوة التي تسود الإدارة التونسية والتي تعد أكبر شبح يواجه المستثمر في تونس”، مشيرا إلى أن “بعض التراخيص لا تعطى إلا لأصحاب النفوذ ودافعي الرشوة”.

وتابع أن “هذا العائق الأول أمام المستثمرين فضلا على أن إطلاق المشاريع يتطلب جلب مواد وآلات من الخارج غير أن التعقيد الجمركي وعدم الشفافية وحجب المعلومة حول المعاملات والقواعد والضوابط الجمركية تحول دون إمكانية إدخال هذه الموارد الضرورية لمشروع ما”.

مهدي باهي: نواجه تعقيدات بسبب الفساد والمحسوبية والرشوة في الإدارات

وأضاف باهي أن “التحويلات البنكية من الخارج إلى تونس تعتبر الأبطأ في العالم” مشيرا إلى أنه “استغرق ثلاثة أشهر لصرف صك بريطاني في تونس وهي فترة طويلة جدا وغير معقولة”.

ولفت إلى أن “المصارف التونسية تقوم باقتطاع نسبة مالية على كل سحب مالي باستخدام بطاقات بنكية أجنبية علاوة على قانون الصرف البدائي الذي يقيد أرباح المستثمرين بحدود الجمهورية التونسية فلا يمكن استغلالها او إعادة استثمارها في الخارج”.

وشدد “كتونسي مقيم في الخارج أشعر بأن الدولة التونسية لا تعطي أي اهتمام للتونسيين المغتربين لاستجلابهم ومنحهم حوافز وتسهيلات للاستثمار، وإن تغيرت المعطيات فبإمكان التونسيين بالخارج القيام بثورة استثمارية واقتصادية في تونس ستعود عليها بالخير”.

وفيما يؤكد المتابعون الحاجة إلى توسيع مشاركة المغتربين في إدارة أزمات بلادهم عبر تهيئة كل الأرضيات الملائمة من تشريعات وحوافز اقتصادية، إلا أن المناخ السياسي المتوتر وتعطل مؤسسات الدولة بسبب التجاذبات الحزبية والاحتجاجات الشعبية يجعلان من مساهمات المغتربين بمثابة مغامرة غير محسوبة العواقب.

ويناهز عدد التونسيين المقيمين بالخارج 1.3 مليون تونسي، أغلبهم يقيمون في فرنسا تليها إيطاليا ثم ألمانيا فبلدان الخليج العربي، حسب إحصائيات محلية.

وتنشط العديد من الجمعيات التونسية في المهجر وتقوم بعمل هام ومتطور لمساعدة المغتربين في جميع المجالات الاجتماعية والثقافية والتربوية، كما تقوم بمعاضدة جهود الدولة عبر المشاركة في المد التضامني والاجتماعي أثناء الأزمات وهو ما كشفت عنه الجائحة.

وتعد الجالية التونسية بالخارج بمثابة جسر يربط تونس بالعالم وتحمل على عاتقها مهمة الترويج لصورة البلاد في الخارج. وتؤكد أوساط من المغتربين أنه بوسع هذه الجالية أن تكون شريكا هاما وأن تدعم النمو بالبلد، غير أن هناك صعوبات تحول دون ذلك مثل البيروقراطية وعدم تسهيل المعاملات المصرفية.

وفي خضم حالة الطوارئ الصحية بالتزامن مع ذروة جائحة كورونا العام الماضي تجاوزت تحويلات المغتربين الكثير من مصادر الإيرادات في تونس من العملة الصعبة.

وبلغت التحويلات وفق تقرير رسمي للبنك المركزي التونسي في يونيو الماضي، 1.78 مليار دينار (628 مليون دولار)، مقابل 1.9 مليار دينار (668 مليون دولار) في ذات الفترة من العام السابق.

وذكر مروان العباسي محافظ البنك المركزي في تصريحات صحافية سابقة أن “المغتربين وفروا عملة صعبة أكثر من السياح الأجانب”.

11