إيداع الأبناء مؤسسات الرعاية في مصر حل مؤقت لأزمة معقدة

ضغوط المعيشة تدفع الأسر لإلحاق أبنائها بدور رعاية اجتماعية.
الثلاثاء 2021/05/11
دور الرعاية ملاذ آمن لعدد من أطفال الأسر الضعيفة

تدفع الظروف الاجتماعية القاسية التي يعيشها عدد من الأسر المصرية إلى التخلي عن أولادها لفائدة دور الرعاية الاجتماعية التي تتكفل بتربيتهم والإنفاق عليهم لحين تحسن ظروف الأسرة فتستعيدهم من جديد. ويرى خبراء علم الاجتماع أن العديد من الأسر أصبحت تستسهل هذا التصرف وهو ما من شأنه أن يساعد على تحوله إلى ظاهرة.

صارت مؤسسات الرعاية الاجتماعية في مصر الملاذ الآمن للكثير من الأطفال الذين تعجز أسرهم عن تربيتهم وتلبية احتياجاتهم اليومية وتعصف بهم الأزمات، حيث يقوم بعض الآباء بتسليم أولادهم إلى هذه المؤسسات ليكونوا تحت مسؤوليتها ورعايتها لحين تحسن ظروفهم العائلية التي قد تستغرق فترة طويلة.

وأمام الضغوط المعيشية التي تواجه الكثير من الأسر المصرية أصبحت هناك فئة لا تستطيع الوفاء بالتزاماتها تجاه الأبناء، فتقوم بدفعهم ليكونوا مشردين في الشوارع فيغادرون التعليم ويجبرون على العمل للمشاركة في تحمل النفقات.

وبدأت وزارة التضامن الاجتماعي تتعاطى بشكل جاد مع هذه المخاطر لانعكاساتها السلبية على حياة الأطفال، لأنهم يعيشون أجواء نفسية بالغة الصعوبة قد تفتح الطريق أمامهم لتكون لديهم أفكار عدائية تجاه المجتمع، ومع الوقت تصعب السيطرة عليهم.

وتقوم استراتيجية حماية الأبناء الذين يعجز الآباء عن تربيتهم وتلبية احتياجاتهم، على عدة مسارات، الأول منها أن تقوم وزارة التضامن الاجتماعي بنشر مجموعات فرق من أخصائيين نفسيين واجتماعيين ومتخصصين في شؤون الأسرة لجمع الأطفال الموجودين بالشوارع وإيداعهم في مؤسسات رعاية اجتماعية.

والمسار الثاني، أن المؤسسات الاجتماعية تتيح لولي الأمر غير القادر على تربية أولاده ماديا أو نفسيا أن يسلمهم لدور رعاية لفترة مؤقتة، تقوم فيها بدور الأسرة، لحين تحسن ظروف الأب والأم، وجمع شتاتهما إذا كانت بينهما خلافات تسببت في أن يترك أحدهما المنزل ويختفي أو يرفض استكمال الحياة الزوجية.

قرر ولي أمر خمسة أطفال قبل أيام تسليمهم لمؤسسة رعاية اجتماعية تابعة لوزارة التضامن الاجتماعي، بدعوى أنه عاجز عن الإنفاق عليهم، ولا يتحمل تكاليف تربيتهم، بعدما هجرته زوجته، وفي نفس الوقت لا يملك سكنا أو وظيفة تمكنه من الحصول على عائد شهري ثابت يلبي احتياجات أولاده الخمسة.

محمد هاني: ضرورة وضع قيود على مسألة إيداع الآباء للأبناء دور الرعاية الاجتماعية

تبدو مثل هذه الوقائع غريبة على المجتمع المصري، إذ لا يُعقل أن يقوم أب بتسليم أطفاله لمؤسسة اجتماعية لأي سبب، لكن وفق إحصائيات رسمية لوزارة التضامن الاجتماعي، فهذه الفئة من الآباء صارت موجودة وقد تتحول إلى ظاهرة.

وتعاملت وزارة التضامن مع الأطفال الخمسة بتقديم الدعم النفسي اللازم لكل منهم وفق مرحلته العمرية ومستوى فكره ووعيه، وإعادة تأهيلهم للعودة إلى المنزل والعيش مع الأب والأم مرة أخرى، وبحث مشكلات الأسرة ماديا واجتماعيا ونفسيا وعلاجها.

وكانت أزمة الأب في عدم وجود سكن أو وظيفة، فقامت وزارة التضامن بتوفير وحدة سكنية وفرصة عمل بأجر معقول، وبعدها ذهب لاستلام أولاده مرة أخرى وعادت زوجته إلى المنزل واستقرت الأسرة بعد زوال المشكلات التي أثرت على حياة الأبناء.

وقال حازم الملاح المسؤول الإعلامي عن برنامج حماية الأطفال والكبار بلا مأوى بوزارة التضامن الاجتماعي، إن إيداع الأبناء مؤسسات الرعاية لعجز الآباء عن تربيتهم حل مؤقت، لكنه يحمل أبعادا إنسانية ويحول دون تعقد حياة الأبناء وإصابتهم بأمراض نفسية، مثل الاكتئاب والانطوائية، مع تحصينهم من مغبات التشرد.

وأضاف لـ”العرب” أن فتح الباب أمام الأسر التي ليست لديها المقدرة على الوفاء باحتياجات أولادها على مستوى التربية والإنفاق لإيداعهم في دور رعاية، يشجع على الاستسهال في القيام بمثل هذه التصرفات، ويحمل في طياته وضع حلول عاجلة وواقعية لحماية الأبناء من الأزمات التي تعصف بأي أسرة.

ولفت إلى أن هناك شريحة ليست قليلة من أرباب الأسر ليسوا مؤهلين نفسيا للتعامل مع وجود أبناء في حياتهم، فيحدث الشقاق والخلاف ويتحمل الصغار الفاتورة وحدهم، وهنا يكون تدخل المؤسسات الاجتماعية ضرورة حتمية، حتى يتم تذليل المشكلات الموجودة ويعود الأطفال ليعيشوا حياة طبيعية.

وعندما يتم إيداع أطفال الأسر العاجزة عن تربيتهم في مؤسسات رعاية يتم التحري عن كل ما يخص حياتهم، وهل يتعرضون للأذى النفسي والجسدي وسط العائلة أم لا، وهل تم إلحاقهم في المدارس أم تسربوا من التعليم، ثم تكون هناك معالجات لأي أزمة تواجه الطفل، كانت أسرته سببا فيها.

ويتم الحصول على تعهد من الأب والأم بحسن معاملة الأطفال وتلبية احتياجاتهم بعد تذليل مشكلات الأسرة، المادية والاجتماعية، مثل السكن والوظيفة، وتجري متابعة الصغار بشكل دوري من خلال زيارات مفاجئة بالمنازل يقوم بها متخصصون للوقوف على رضاء الأبناء عن أحوالهم أم مازالوا يعيشون الحرمان.

ولا تمانع مؤسسات الرعاية الاجتماعية أيّ أب يرغب في زيارة أولاده بعد إيداعهم في الدار لفترة معينة لحين تحسن ظروفه المعيشية، بل يتم السماح له بالاطمئنان عليه والجلوس معه بشكل دوري، وفي بعض الأحيان يقوم الأخصائي الاجتماعي باصطحاب الطفل لزيارة أسرته والعودة به مرة أخرى إلى المؤسسة.

فتح الباب أمام الأسر غير القادرة على رعاية أولادها بإيداعهم دور رعاية يشجع على استسهال القيام بمثل هذه التصرفات

ويرى متخصصون في شؤون الأسرة أن المؤسسات الاجتماعية يصعب أن تحل مكان العائلة مهما بلغت الأزمات النفسية التي يتعرض لها الأبناء نتيجة ظروف الأسرة، لأن الطفل الذي يبتعد عن والديه قسرا تحت مبررات مادية أو اجتماعية لن يسهل عليه نسيان الموقف، بل سيترك بداخله آثارا سلبية تستمر معه طوال حياته.وهناك بعض الأبناء الذين يهربون من أسرهم للإقامة بمؤسسات رعاية أمام الضغوط التي يتعرضون لها، أو الأذى البدني واللفظي والمضايقات، وهنا يتم إيواء الطفل وتأهيله نفسيا، والتواصل مع عائلته لمعرفة الأسباب التي دفعته لهذا التصرف، والعمل على حلها في أقرب وقت ممكن، ليعود الطفل إلى أحضان والديه مجددا.

ويبرر مؤيدو الفكرة وجهة نظرهم بأن إيداع الأسرة غير المؤهلة نفسيا للتربية والإنفاق لأولادها في دار رعاية لحين تحسن الظروف، أفضل بكثير من تشريدهم، أو التخلص منهم كما يفعل بعض الآباء، وهناك الكثير من الوقائع التي تشير إلى مثل هذه التصرفات الإجرامية من فئة بعينها صارت تتعامل مع أطفالها باعتبارهم عبئا يجب الخلاص منه.

وقال محمد هاني استشاري الصحة النفسية بالقاهرة إن مؤسسات الرعاية هي الملاذ الآمن للأطفال من التشرد والبقاء بالشوارع، وطالما تتم معالجة أزمات الصغار من كل الجوانب النفسية والمادية والاجتماعية، فالفكرة مثالية من الناحية الإنسانية، فإذا ما تم التخيير بين الدار الاجتماعية والذل داخل الأسرة من الطبيعي اختيار المؤسسة.

وأوضح لـ”العرب” أن عدم وضع قيود على مسألة إيداع الآباء للأبناء في دور الرعاية الاجتماعية قد يدفع الكثيرين إلى استسهال الأمر والتنصل من التربية والإنفاق والرعاية، ومع الوقت تكتظ المؤسسات بالصغار وتعجز عن استضافة حالات أكثر احتياجا، وهنا يجب التحري بدقة عن ظروف الأسرة والدوافع الحقيقية التي أجبرتها على أن تصل ظروفها لتسليم أولادها مؤسسة اجتماعية.

21