استئناف التجارة مع ليبيا ينعش الاقتصاد التونسي

انعكست التسوية السياسية في ليبيا بشكل إيجابي على الحركة التجارية مع تونس عبر المعبر الحدودي رأس الجدير حيث تكثف تبادل السلع مما أنعش مصادر الرزق للآلاف من الأسر التي تعيش في المحافظات الحدودية في وقت تطالب فيه الأوساط الاقتصادية بدعم هذا الزخم بإعادة نشاط الخطوط الجوية التونسية إلى ليبيا، وفتح خطوط تمويل بين البنكين المركزيين وتعزيز شبكة النقل البحري وربط الموانئ.
تونس– استعادت الحركة التجارية بالجنوب التونسي نشاطها، مع بروز بوادر استقرار سياسي وأمني في ليبيا مع تسلم الحكومة الجديدة مهامها، حيث سجّلت محافظة بنقردان الحدودية نشاطا تجاريا غير مسبوق تجلى في حركة دؤوبة في سوق الصرف الموازية التي تشكل على مساوئها مصدر رزق لشريحة كبيرة من الأسر.
وأكّد رئيس المجلس البلدي بمدينة بنقردان فتحي العبعاب عودة النشاط التجاري بين تونس وليبيا إلى مستويات عالية، قال “إنها لم تسجّل منذ ثورتي البلدين”. وأضاف العبعاب في تصريحات صحافية “تعيش المدينة الحدودية وبقيّة مدن الجنوب على وقع المصالحة الليبية، ونسق تدفق السلع ما بين البلدين سريع ومتواتر”.
وأشار إلى أنّه تعبر يوميا ما بين 300 و400 شاحنة سلع من الجانب التونسي نحو السوق الليبية، معتبرا أنّ كلّ المؤشرات إيجابية وأنّها تُنبئ بعودة قوية للعلاقات التجارية بين البلدين في ظرف وجيز.
وقال العبعاب “أثّر نشاط التجارة سريعا على سعر الصرف في المناطق الحدودية وذلك بتسجيل زيادة في الطلب على الدولار وأيضا الدينار الليبي”، مضيفا “يتم تداول الـ100 دينار تونسية مقابل 180 دينارا ليبية”، مرجحا أن يتواصل النسق التصاعدي للطلب على العملة نتيجة الحاجة المؤكدة لتوريد السلع من ليبيا، خصوصا السلع الإلكترونية التي تجد رواجا كبيرا في تونس.
وتعد ليبيا ثاني شريك اقتصادي لتونس بعد الاتحاد الأوروبي، كما كانت تحويلات قرابة 150 ألف تونسي، كانوا يشتغلون في ليبيا قبل سنة 2010، تبلغ نحو 60 مليون دينار (21.93 مليون دولار) تونسي في الشهر.
وأكد وزير التجارة التونسي السابق محسن حسن، أن “ليبيا هي الشريك العربي الأول لتونس قبل 2011، ورقم المبادلات التجارية بينهما يبلغ 3.5 مليون دولار”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “ليبيا تمثل العمق الاستراتيجي لتونس باعتبار العلاقات الاقتصادية المتطورة، ومن المؤكد أن الصادرات التونسية ستستعيد مكانتها في الأسواق الليبية نظرا لقصر المسافة بينهما (في إشارة إلى الطريق السيارة تونس- بن قردان)”.
وتابع حسن “لا بد من عودة نشاط الخطوط التونسية إلى ليبيا، وفتح خطوط تمويل بين البنك المركزي الليبي والتونسي، علاوة عن دعم شبكة النقل البحري وربط الموانئ التونسية بالتجارة الليبية”.
ودعا الخبير الاقتصادي إلى “دعم منطقة التجارة الحرة ببنقردان التي من شأنها أن تشكل تحولا كبيرا في التعامل التجاري بين الطرفين، وخصوصا إقليم الجنوب الشرقي لتونس الذي يمثل بوابة لأفريقيا ككل”.
وأشار إلى “ضرورة تفعيل الاستثمارات بين البلدين في مجالات الطاقة من فوسفات ونفط ومحروقات، وهذا يتطلب إرادة سياسية جدية بين الحكومتين، بالإضافة إلى الجانب التسويقي المهم في الاهتمام بالتظاهرات التجارية والاقتصادية”.
ورحبت شخصيات سياسية وحقوقية تونسية باستئناف النشاط التجاري بين البلدين تدريجيا، وسط دعوات إلى المزيد من دعم هذه الخطوة باتفاقات رسمية تعزز الشراكة الاقتصادية بين الجارتين لتجاوز الأزمات المتتالية.
وأكد رئيس المرصد التونسي لحقوق الإنسان مصطفى عبدالكبير، على “وجود بوادر إيجابية على مستوى المعابر وانسياب السلع والسيولة (سوق الصرف) بين الجانبين التونسي والليبي”.
وأضاف في تصريح لـ”العرب”، “هناك اجتماع مهم بين وفد ممثل عن الجمارك الليبية مع نظرائه من تونس لمراجعة بعض القوانين والإجراءات التي من شأنها أن تعزز الحركة التجارية في الأيام القادمة”.
وأشار عبدالكبير إلى أن “نسق الحركة إيجابي بالمقارنة مع الوضع الاقتصادي الراهن في تونس تبعا لتداعيات وباء كورونا المستجد”.
وفي نوفمبر الماضي، تمت إعادة فتح التجارة عبر المعابر التونسية الحدودية مع ليبيا، بعد 8 أشهر من إغلاقها وتعثّر عمليات التصدير بين البلدين بسبب الاضطرابات الأمنية والسياسية، غير أنها اصطدمت بجائحة كورونا وتواصل القيود التي فرضتها سلطات البلدين على المسافرين، فضلا عن تزايد المخاوف من عدم استكمال مسار المصالحة بين الفرقاء الليبيين.
وتنعكس عودة النشاط في المدن الحدودية على باقي الأسواق التونسية الداخلية التي تتزود من السوق الرئيسية لمدينة بنقردان.
ويعتبر سوق الصرف الموازي في مدينة بنقردان أكبر سوق عملة مواز في تونس، حيث يقدر حجم التحويلات اليومية من العملة الصعبة إلى الخارج، انطلاقا من مدينة بنقردان، بأكثر من مليوني دينار.