أزمة تنظيمية تلفّ الحزب الحاكم في الجزائر عشية الانتخابات التشريعية

الحزب الحاكم في الجزائر يعيش أزمة متجددة قد تعصف بحظوظه في الانتخابات التشريعية لاسيما في ظل بوادر استغناء السلطة الجديدة عن القوى السياسية التقليدية.
الخميس 2021/03/18
تفاقم الغضب إزاء قيادة جبهة التحرير الوطني

الجزائر- لاحت بوادر أزمة نظامية جديدة داخل حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم في الجزائر، بعد تعالي العديد من الأصوات للمطالبة بتنحي الأمين العام الحالي للحزب أبوالفضل بعجي، والذهاب إلى مؤتمر جامع بغية انتخاب قيادة جديدة، تستمد شرعيتها من إرادة القواعد النضالية.

ونظم العديد من المناضلين والكوادر تجمعا احتجاجيا أمام المبنى المركزي للمطالبة بتنحية الرجل الأول في جبهة التحرير الوطني، المنبثق عن المؤتمر المنعقد خلال الصائفة الماضية، وإزاحة القيادة المرافقة له المتمثلة في أعضاء المكتب السياسي.

وجاءت الأزمة الجديدة عشية استعداد الطبقة السياسية في الجزائر لخوض غمار الانتخابات التشريعية المبكرة المقررة في الثاني عشر من جوان القادم، لتضع الحزب أمام تحدّ حقيقي لخوض الاستحقاق المذكور بأجنحة متماسكة تكفل له البقاء في صدارة القوى السياسية الفاعلة في البلاد.

الحزب الحاكم سابقا على أبواب أزمة نظامية ترهن حظوظه في الانتخابات القادمة، بسبب تفكك أجنحته

ويبدو أن الحزب القوي في البلاد يعيش أزمة متجددة قد تعصف بحظوظه في الانتخابات التشريعية القادمة، لاسيما في ظل بوادر استغناء السلطة الجديدة عن القوى السياسية التقليدية لصالح تنظيمات أهلية وسياسية جديدة، الأمر الذي يعيد سيناريو الأزمات السابقة التي دأبت على تفريخ نفسها عشية كل استحقاق انتخابي.

وطفت إلى السطح تجاذبات بين الأمين العام أبوالفضل بعجي، وبين قطاع من المناضلين والكوادر المنتمين إلى هيئة اللجنة المركزية، المالكة لحصرية دعوة مؤتمر استثنائي أو تنظيم تجديد الثقة في شخص الأمين العام.

ورغم التزامه الصمت منذ انتخابه خلال الصائفة الماضية على رأس الحزب، في ظروف غامضة شابتها العديد من الشكوك، خاصة في ما يتعلق بتنظيم المؤتمر بينما كانت البلاد تعيش ذروة الإجراءات المتشددة لمواجهة وباء كورونا، بما فيها منع التجمعات السياسية والرياضية والثقافية، إلا أن خروج أبوالفضل بعجي، للأضواء مؤخرا عبر تصريحات أدلى بها لوسائل إعلام محلية لم يكن موفقا.

وأظهرت الاحتجاجات التي تم تنظيمها أمام مبنى الحزب في ضاحية حيدرة بأعالي العاصمة، أن تراكمات ترسبت خلال أشهر قليلة على سطح الحزب الحاكم سابقا في الجزائر، خاصة المواقف السياسية التي تبناها الحزب تجاه العديد من القضايا.

الأزمة الجديدة تزامنت مع استعداد الطبقة السياسية في الجزائر لخوض غمار الانتخابات التشريعية المبكرة

وتحول صمت الحزب على محتوى تقرير المؤرخ الفرنسي بنجامين ستورا، حول تسوية ملف الذاكرة بين الجزائريين والفرنسيين، وخذلان مشروع تجريم الاستعمار داخل البرلمان، فضلا عن استقبال السفير الفرنسي، إلى مادة دسمة يستثمر فيها خصوم أبوالفضل بعجي.

وكان النائب البرلماني السابق كمال بلعربي قد وجه اتهامات صريحة للأمين العام للحزب، لإجهاض مشروع قانون تجريم الاستعمار الذي تبناه العديد من برلمانيي الغرفة الأولى للبرلمان، ليكون ردا حاسما على قانون “تمجيد دور الجيش الفرنسي خارج حدوده” الصادر عن الجمعية الفرنسية العام 2005.

وصرح النائب بلعربي، في آخر تصريح له عبر تسجيل صوتي بثه في صفحته الرسمية، بأن “أبوالفضل بعجي هدده بنزع الغطاء الحزبي عنه، إن لم يتراجع عن الوقوف وراء مشروع قانون تمجيد الاستعمار”، بينما شدد محتجون على أن “الحزب تنازل عن رمزيته التاريخية في التعاطي مع الملفات المستجدة، لاسيما تلك ذات الصلة بالتاريخ والعلاقات مع المستعمر القديم”.

لكن في المقابل ذكر أبوالفضل بعجي، بأن “النائب كمال بلعربي، لا علاقة له بالحزب وليست له أي صفة تتصل بجبهة التحرير الوطني، وأن لجنة الانضباط هي التي عزلته، ومنه فإن تصريحاته لا تلزم الحزب في شيء”.

وأضاف “استقبلت 14 سفيرا لمختلف الدول التي تملك تمثيليات دبلوماسية في الجزائر، وكان من بينهم سفير فرنسا، ولا أدري أين تكمن المشكلة، فقد سبق لأمناء عامين أن قاموا بنفس الشيء”.

ولفت المتحدث إلى أنه لا علاقة للحزب بمصير مشروع القانون المذكور، ولا سلطة لجبهة التحرير الوطني على مكتب رئيس الغرفة البرلمانية الذي احتفظ به إلى غاية الآن دون عرضه على المناقشة، وأن المشروع ليس وليد اليوم لكي يأخذ حصريته بعض المتاجرين بالتاريخ، فقد كانت في 2007 مبادرة مماثلة ولم يكتب لها النجاح وفق قوله.

كوادر نظموا تجمعا احتجاجيا أمام المبنى المركزي للحزب للمطالبة بتنحية الرجل الأول في جبهة التحرير الوطني وإزاحة القيادة المرافقة له

ويبدو أن الحزب الحاكم سابقا على أبواب أزمة نظامية ترهن حظوظه في الانتخابات القادمة، بسبب تفكك أجنحته خاصة في ظل الضغوط التي تفرضها عملية فرز لوائح الترشيح داخل الحزب المذكور، فضلا عن إمكانية تسجيل تمردات للقواعد النضالية عن القيادة المركزية.

وذهب النائب في مجلس الأمة (الغرفة الثانية للبرلمان) محمود قيساري، إلى دعوة قيادة جبهة التحرير الوطني، إلى الإقرار بعدم المشاركة في الاستحقاق الانتخابي القادم، بغية التفرغ للمشكلات التنظيمية الداخلية، وامتصاص غضب الشارع الذي دعا إلى حل أحزاب السلطة.

4