تغييرات الأمن والدفاع تهدف لاحتواء غضب الشارع ومعطوبي الجيش في الجزائر

الجزائر – أعطى توازي التغييرات التي أجراها الرئيس الجزائري في الأمانة العامة لوزارة الدفاع ورأس المديرية العامة للأمن الوطني الانطباع بأن السلطة بصدد توجيه رسائل للداخل والخارج، فالأول قد يكون من قبيل احتواء غضب فئة معطوبي ومشطوبي الجيش، والثاني لطمأنة جهات حقوقية دولية حول ما أشاعته المفوضية الأممية من عنف رسمي في حق احتجاجات الحراك الشعبي.
ولما سئل المكنّى “ماميدو” وهو أحد ناشطي ما يعرف بـ”تنسيقية معطوبي ومشطوبي الجيش” ببلدة سدراتة التابعة لولاية قالمة في شرق البلاد عن الجهات التي تحركهم للاحتجاج المستمر ضد السلطات المركزية، رد بالقول “أيتها الدولة أنا أكشف لك الأيادي التي تحركنا، هي أيادي أولادنا التي تطالب بالغذاء والملبس وأدوات المدرسة ونحن لا نستطيع توفيرها لهم لأن سلطاتنا لم تحفظ لنا الحياة الكريمة ولم تجازنا على تضحياتنا من أجل الوطن في أحلك الظروف التي عاشتها البلاد”.
وأضاف “نحن لم نطالب لا بـ40 ولا بـ60 ولا بـ100 مليون (…) طالبنا بحقوقنا فقط، ماذا يريد المتقاعد غير توفير شروط الحياة الكريمة له ولأفراد عائلته ورد الجميل له ولتضحياته خلال مشواره المهني؟ غير معقول أن يعيش أبناء الخونة حياة رغيدة، وأبناء الرجال يعيشون حياة ضنكا” في إشارة إلى المستفيدين من مزايا قانون المصالحة الوطنية من فئة المسلحين الإسلاميين الذين تمردوا بالسلاح خلال العشرية الدموية (1990 – 2000).
وكانت الفئة المذكورة التي اشتكت من القمع والملاحقات الأمنية والقضائية في حقها قد وقعت في صلب جدل سياسي خلال السنوات الأخيرة من حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة وخلال حقبة الحراك الشعبي، حيث وجهت لها تهم خدمة أجندات ضيقة وتوظيفها في إطار التجاذبات القائمة بين أركان السلطة، لاسيما الصراعات التي سادت في الأول بين الرئاسة وجهاز الاستخبارات، ثم بين جناح قائد الجيش الراحل أحمد قايد صالح وبين خصومه، وبعدها بين السلطة والحراك الشعبي، لاسيما بعد انخراط التنسيقية في المسار الانتخابي ودعمها للرئيس تبون في الانتخابات الرئاسية.
تعيين تبون للجنرال محمد الصالح بن بيشة أمينا عاما لوزارة الدفاع له علاقة برغبة السلطة في احتواء تصعيد معطوبي الجيش ومشطوبيه
وفضّت الثلاثاء قوات الدرك الوطني (فصيل أمني يقع تحت وصاية وزارة الدفاع) بالقوة تجمعا احتجاجيا نظمه منتسبو “تنسيقية معطوبي ومشطوبي الجيش الوطني” في ضاحية بن طلحة قرب العاصمة، ونقل شهود عيان استعمال الغاز المسيل للدموع من أجل تفريق المئات الذين قدموا من مختلف جهات البلاد.
وعمدت السلطات الأمنية في الجزائر إلى غلق شبه كلي لمداخل العاصمة للحيلولة دون تسلل هؤلاء إلى العاصمة وتنظيم تجمع احتجاجي قد ينضاف أو يؤوّل في إطار الاحتجاجات السياسية التي ينفذها الحراك الشعبي، لاسيما وأن طلبة الجامعات خرجوا الثلاثاء للأسبوع الثالث على التوالي لتجديد تمسكهم بالمطالب الأساسية التي رفعها الحراك الشعبي منذ فبراير 2019.
وقد يكون تعيين الرئيس عبدالمجيد تبون للجنرال محمد الصالح بن بيشة أمينا عاما لوزارة الدفاع الوطني خلفا لعبدالحميد غريس علاقة برغبة السلطة في احتواء التصعيد الاحتجاجي الذي تقوده فئة معطوبي ومشطوبي الجيش، ولو أن المسألة لا تخرج أيضا عن مسلسل التوازنات داخل مؤسسة الجيش، خاصة وأن الجنرال غريس محسوب على حقبة الرئيس السابق وقائد الجيش الراحل الجنرال أحمد قايد صالح، وهما الرجلان اللذان يعرفان اجتثاثا لتركتهما البشرية.
كما لا يستبعد أن يكون تعيين الرئيس تبون مديرا جديدا للأمن الوطني التابع لوزارة الداخلية في إطار رسالة ردم الهوة بين السلطة الجزائرية والمفوضية الأممية لحقوق الإنسان التي عبرت في تقريرها الأخير عن “قلقها العميق من قمع الاحتجاجات السلمية، ومن التضييق على الحريات السياسية والإعلامية واستهداف المعارضين والناشطين والمدونين والصحافيين بالسجن”.

وأعلن الاثنين في الجزائر عن تعيين الرئيس تبون مفتش الأمن الوطني وأستاذ علم الإجرام زين الدين بن شيخ في منصب المدير العام للأمن الوطني خلفا لخليفة أونيسي المحسوب هو الآخر على حقبة الرجل القوي سابقا في الجيش الجنرال الراحل أحمد قايد صالح.
وتزامن التعديل في هرم الأمن الجزائري مع تصاعد الانتقادات لأداء وحداته وتعاملها مع احتجاجات الحراك الشعبي، حيث شهدت العديد من المدن والولايات ممارسات وصفها محتجون بـ”القمعية” والمنافية لحق التظاهر السلمي التي يكفلها دستور البلاد وفق هؤلاء.
وكان بيان للتنسيقية المذكورة اطلعت عليه “العرب” قد وجه عتابا مبطنا للرئيس تبون بسبب ما قال عنه “عدم الالتزام بالتعهدات التي قطعها على نفسه خلال حملته الرئاسية بطيّ ملف المشطوبين والمعطوبين والمتقاعدين المحسوبين على الجيش”.
وذكر البيان “قد ذكرت (تبون) في خطاباتك ووعدت بصفتك رئيسا للجمهورية أنه أصبح من الضروري طيّ ملف متقاعدي الجيش نهائيا، وإنصاف هذه الفئة واسترجاعها لحقوقها، كما اعتبرته من أولويات برنامجك الرئاسي (…) يومها كان أملنا كبير أن الفرج قريب لمحاربي العشرية السوداء إيمانا منا أنه لا توجد أي كلمة تعلو على كلمة رئيس البلاد ووزير دفاعها”.
وأضاف “لكن ما لمسناه من اللقاءات التي جمعت التنسيقية بممثلي وزارة الدفاع الوطني أن الغرض ليس بحث كيفية إنهاء ما هو حاصل من ظلم في حق هذه الفئة، وإنما إرغامنا للعدول عن المطالبة بحقوقنا المنهوبة، وأنها مطالب مستحيلة في نظر الوزارة وفقا لقانون المعاشات العسكرية غير العادل وهو ما دفعنا للعودة إلى الشارع للاحتجاج مجددا “.