داتاتون

العالم الجديد الآن في إحداثيات مختلفة غير ما تظهره لنا الصحافة ووسائل الإعلام وحتى الأبحاث والطروحات المتداولة. وما تراه أعيننا منه وما نمدّ أيدينا إليه ونتلمّسه هو فقط قشرة أولى بعيدة جداً عن العُمق.
ليس السيليكون، ولا الذهب، ولا الغاز، ولا الوقود الأحفوري ولا غيره. نفط المستقبل ومصدر ثروته الجديدة وسوق التنافس الكبرى القادمة هو “اقتصاد البيانات” وحسب.
في العام 2030 وحسبما تقول دراسات جامعة هارفرد سنواجه إنتاج ما يسمى بـ”اقتصاد البيانات” لقرابة 13 تريليون دولار متجاوزاً بذلك جميع وسائل الإنتاج التقليدية في التاريخ.
اقتصاد البيانات يرتكز نموّه على عوامل محددة مثل حجم المعلومات التي يتم تداولها، وهنا سنلحظ أهمية البُعد الثقافي الذي يعتقد كثيرون حتى الآن أنه يأتي في مرتبة ثانوية. فحجم تداول البيانات يرتبط بنسبة الأمية، وانتشار اللغة، وعدد مستخدمي اللغة. فعلى سبيل المثال تصبح الإنجليزية في هذه الحالة هي الأقوى بحكم كونها الأكثر استخداماً حول العالم. وفي هذا المضمار يخسر الفاشلون ثقافياً، والجهلة وقليلو الهمّة. وقد قرأت أن نسبة 55 في المئة من محتوى البيانات حول العالم هو باللغة الإنجليزية وحدها.
يلي ذلك موضوع نشاط المستخدمين ومتداولي البيانات، وأعدادهم، انظر مثلاً كيف تحتل الولايات المتحدة وسويسرا الموقع الأبرز بنسبة 89 في المئة من عدد السكان. وسهولة الوصول إلى تلك البيانات، وهذا يوجب تغييراً كبيراً يطرأ على البنية التحتية وكذلك حرية التعبير. وفي هذا المحور سيسقط من يعيشون في البنى المتخلفة علمياً وديمقراطياً.
ثم نقول يأتي دور قدرة الإنسان على تداول البيانات، كيف يمكن أن يتفرّغ الفقير المعدوم لمهمة كهذه، ونسبة تواجده في العالم الثالث هي الأكبر. بينما يتمكن ذوو القدرة المالية الأعلى من الاستثمار في البيانات بسهولة. وهذا يعود إلى متوسط الدخل والقدرات الاقتصادية الأولية للبلاد.
تفاجئك الدراسات بأن العدد ليس كل شيء، فالصين صاحبة أكبر تعداد سكاني، ليست هي الأولى في اقتصاد البيانات هذا. بل الولايات المتحدة تليها بريطانيا. للأسباب التي ذكرتها أعلاه.
في المنتدى الاقتصادي العالمي، بشّرت الرؤيوية الألمانية باولا شفارتس بـ”داتانوميك” الذي وصفته بأنه اقتصاد الجيل القادم، وقالت إنهم يفكّرون بإمكانية حل المشكلات الاجتماعية من خلال البيانات. على سبيل المثال طريقة نقل النظام الضريبي أو التعليمي الألماني إلى بلدان أخرى. عبر “داتاتون” أو بوصف آخر “مَجْمَع البيانات”.
لنسمع ما تقول شفارتس ”في اليونان الآن يتم بناء منطقة مجمع بيانات لتكون نقطة الاتصال الأولى للمنتدى. وعلى المدى البعيد أرى أن من المهم إطلاق المشروعات في أفريقيا”.
في اليونان وأفريقيا. يا عرب.