طاش ما طاش

مجرد الإعلان عن الاتجاه نحو شراكة فنية جديدة بين النجمين السعوديين ناصر القصبي وعبدالله السدحان، بعد عشر سنوات من الانفصال، مثّل حدثا مهما في وسائل الإعلام وعلى مواقع التواصل الاجتماعي، تابعه الملايين من أهل المملكة والخليج ممن رحبوا بهذه الخطوة، وأعربوا عن استعدادهم لمتابعة أول ظهور مشترك بين أبوراكان وأبوتركي والذي سيكون بالتأكيد على شبكة أم.بي.سي التي شارك مالكها وليد الإبراهيم في جهود خيّرة قادها تركي آل الشيخ رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للترفيه بالمملكة العربية السعودية لإذابة الجليد بينهما.
القصبي والسدحان فنانان كبيران، وكان لهما تأثير بالغ في المجتمع السعودي والخليجي، وكانا سبّاقين في نقد الظواهر الاجتماعية التي طالتها الإصلاحات خلال السنوات الماضية، وكانت لهما الجرأة في وضع الأصبع على مكامن الداء بأسلوب ساخر وضاحك وأحيانا بكوميديا سوداء أثارت الكثير من الجدل، وحوّلت القضايا المطروحة إلى طاولة النقاش الإعلامي والاجتماعي، ودفعت إلى التفكير الجدي في حلها، لاسيما من خلال سلسلة “طاش ما طاش” التي استطاعت أن تتحول إلى فاكهة ظريفة لطيفة على مائدة رمضان وبدأ التلفزيون السعودي في عرضها لأول مرة في فبراير 1993، واستمر في عرض 13 جزءا منها حتى العام 2005، ثم انتقل عرضها إلى قناة أم.بي.سي من 2006 إلى 2011، ليصل مجمل الأجزاء إلى 18 جزءا، أعطت للجمهور فرصة اكتشاف العشرات من الفنانين الآخرين، وفرضت شكلا متطورا من الكوميديا الاجتماعية، حتى أن مكتبة الكونغرس طلبت عددا من تلك الأجزاء لوضعه في أرشيفها.
في ديسمبر الماضي، أعلن قسم الدراسات الاجتماعية بكلية الآداب في جامعة الملك سعود، عن مناقشة رسالة دكتوراه تقدم بها الباحث عبدالعزيز راشد الحمدان عن التغير الاجتماعي في المجتمع السعودي، كما تعكسه المسلسلات التلفزيونية، “طاش ما طاش” نموذجا، وخلص من خلالها إلى تعزيز تكامل الأهداف في المجتمع السعودي مع أهداف النسق الإعلامي والكلي لضمان توازن المجتمع في ظل التغيرات المجتمعية الطارئة، مع تعميق الوعي الاجتماعي، إضافة إلى ضرورة مبادرة المؤسسات الإعلامية بإحداث تغييرات توازي التغيرات المؤثرة والوافدة من الثقافات الأجنبية عبر وسائل الإعلام الجديدة.
شكّل أبوراكان وأبوتركي ثنائيا متميزا منذ ثمانينات القرن الماضي، وقدما عددا من الأعمال المشتركة، إلا أن اجتماعهما من جديد كان حلما يداعب نفوس الجماهير، نظرا لطبيعة الكيمياء التي كانت تربط بينهما، رغم أنهما يختلفان على أكثر من صعيد، فالقصبي اللبيرالي الذي يقول كلمته دون حسابات ليس هو السدحان المحافظ الذي يتحاشى الخوض في أي صراعات فكرية، رغم أنهما معا كانا أول من تجرأ على انتقاد رجال الدين، وتحديداً هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى أن فتوى صدرت في العام 2000 تحرم مشاهدة “طاش ما طاش”.
لم يكن “طاش ما طاش” مجرد عمل كوميدي رمضاني، وإنما كان حفرا في أعماق المجتمع، وقراءة جريئة للواقع، ومتنفسا للمتطلعين إلى الأفضل، كما كان ورشة ناجحة لتخريج عدد من الكتاب لعل أبرزهم خلف الحربي الذي ظهر بعد ذلك في عدد من الأعمال مع ناصر القصبي مثل “سلفي” و”أبوالملايين”.
وكان يمكن لذلك العمل الناجح أن يتواصل، لولا الخلاف الذي حصل بين القصبي والسدحان في العام 2012، والذي وعكس ما يقال، لم يصل إلى القضاء، وإنما توقف عند فك الشراكة بينهما، واليوم هناك قرار بالعودة إلى تلك الشراكة، إيمانا بأهميتها في تقديم أعمال فنية، ليست فقط للترفيه، وإنما لما يمكن أن يكون وراءها من خدمة للمجتمع. فمشهد فني قد يحقق ما يعجز عنه موقف سياسي أو إجراء قانوني أو خطاب إعلامي جافّ ومتحجر.
