التغيرات الدولية تنشط الحرب الإعلامية ضد التيارات المتطرفة في مصر

المنابر المتخصصة في شؤون الحركات الإسلامية مرجع للجمهور النخبوي.
الاثنين 2021/03/08
غلق منافذ التنظيمات المتطرفة لاستقطاب الشباب

تراجع نشاط حركات الإسلام السياسي في مصر، لكن المواقع الإلكترونية الخاصة بمعالجة هذه القضايا استمرت بنفس قوتها وتأثيرها ما يعني أن الصحافة الحقيقية تستطيع مواجهة عواصف المهنة وتقلباتها، ويمكن أن تخلق لنفسها دورا مهما.

القاهرة - زادت المواقع الإخبارية المصرية من تركيزها على القضايا والموضوعات التي تسلط الضوء على التنظيمات المتطرفة والتيارات المنبثقة عنها، وأطلقت مؤسسات صحافية عدة منصات متخصصة في نشاط حركات الإسلام السياسي.

وتجد هذه المواقع حاليا تشجيعا رسميا في مصر لفضح منهج التيار الديني المتطرف وقطع الطريق أمام عودته مرة أخرى، وتنوير الناس، ومساعدة الحكومة في حربها الإعلامية ضدهم والتي لم تهدأ على الرغم من هدوء الأوضاع الأمنية، ناهيك عن التقليل من الاهتمام بالأزمات الداخلية أو الحديث عن المشكلات السياسية.

وارتفع نشاط هذه المواقع في الأيام الماضية وسوف يزيد في الأيام المقبلة، وهو ما يربطه البعض من الخبراء بوصول الحزب الديمقراطي إلى السلطة في واشنطن، وعدم استبعاد ظهور تعاطف من الرئيس جو بايدن مع جماعة الإخوان، ما يدفع عناصرها إلى رفع وتيرة النشاط الإعلامي الأمر الذي يستدعي نشاطا مضادا وكشف ألاعيبهم السياسية.

أحمد عاطف: هناك عدة أهداف للصحافة المتخصصة في الإسلام السياسي
أحمد عاطف: هناك عدة أهداف للصحافة المتخصصة في الإسلام السياسي

وتتنوع المنابر الصحافية المعنية بهذا الشأن بين مواقع مستقلة كل محتواها يركز على الإسلام السياسي على غرار “أمان” الذي يتبع مؤسسة وصحيفة الدستور، و”المرجع” التابع لصحيفة البوابة نيوز، وبوابة الحركات الإسلامية المنبثقة عن نفس الصحيفة، وهناك منصات تابعة لمواقع حيوية مثل “المراقب” الذي يتبع مؤسسة “ذات مصر”.

وتقدم الصحافة المتخصصة في شؤون الحركات المتطرفة نوعا جديدا من الإعلام يقوم على قراءة ما وراء الأخبار، ويستهدف نشر خبايا وأسرار التنظيمات المتشددة بدراسات وتحليلات يصعب على الكثير من المؤسسات الصحافية في مصر التعاطي معها بنفس القدر من التدقيق والتحليل.

وتنأى هذه المواقع بنفسها عن مناقشة قضايا الإسلام السياسي من زاوية دينية وتتناولها برؤية فكرية نقدية، فلا تهتم كثيرا بما تسوق له المؤسسات الدينية ولا خطابها الذي يفند ادعاءات المتطرفين، وتتمسك بأن تكون سياستها التحريرية بطريقة بعيدة تماما عن اللغة النمطية التي يمتعض منها الجمهور، ولا يتأثر بها ويشعر بأنها صادرة عن جهات أمنية وليست إعلامية.

وقال أحمد سلطان المسؤول عن التحرير في موقع “المراقب” في تصريحات لـ”العرب” إن “صحف الإسلام السياسي أغلب جمهورها من النخبة والشخصيات العامة، لأن هذه الجهات تسعى لفهم ما يدور في عقول عناصر التنظيمات والحركات المتشددة، وما يخططون له، لأن المادة التحريرية موثقة وعميقة ويكتبها باحثون مخضرمون وبناء على شهادات شخصية من أناس انشقوا عن هذه الجماعات”.

ويرى مهتمون بهذا المجال الصحافي أن العقلية الأمنية مهما كانت محترفة في تتبع تحركات وخطط العناصر المتطرفة هي بحاجة إلى باحثين في شؤون الحركات المتشددة لإنارة الطريق أمام الجهات الرسمية لمعرفة خبايا ما يدور في العقول وما يتم التخطيط له، وبأي طريقة يمكن أن يتم استقطاب العناصر الشابة، والتشابك بين الجماعات الإسلامية المختلفة من حيث التلاقي والاختلاف في الرؤى والتوجه.

Thumbnail

ومهما كانت هناك تدخلات من جهات حكومية في شؤون العمل الصحافي بمصر، بحكم طبيعة الملكية أو ضبط هامش الحرية المحدود، تظل المواقع الإخبارية المتخصصة في الإسلام السياسي بعيدة عن ذلك لسياستها التحريرية التي يصعب فرض أمور بعينها عليها بشأن ما يمكن أن يكتب، حتى لو كانت قواعد النشر فيها ترتبط بنواح أمنية بالمقام الأول، فالكتابة هنا تعتمد على البحث والتحليل وقراءة ما وراء الخبر.

وهناك مصلحة مشتركة بين الطرفين، أي الحكومة ومواقع الإسلام السياسي، لكن ذلك لا يعني تمييزها بمعلومات وأسرار خاصة من جهات أمنية، والأمر يتوقف على اجتهادات وهيئة تحرير كل منصة.

وأكد أحمد سلطان لـ”العرب” أن معظم المواقع المهتمة بهذا المجال تعاني شحا في المعلومات ما يدفعها إلى التركيز بشكل أكبر على فكرة التحليل، وهذا مجهود لا يجيده كثيرا البعض من الصحافيين.

ورغم أن مهنة الصحافة تعج بالآلاف من العاطلين عن العمل، لكن السمات الشخصية التي تحتاجها المنابر المتخصصة في شؤون الحركات الإسلامية تحول دون نجاح الكثير منهم في إثبات أنفسهم، فمن يكتب عن الجهاديين عليه أن يقرأ العشرات من الكتب والمراجع، ويجلس مع بعض المنشقين عنهم ليفهم ويكون على دراية وتعمق بكل ما يخصها.

ويرتبط الإقبال على مطالعة هذه النوعية من المواقع بوقوع حوادث إرهابية محلية وإقليمية ودولية أو تقديم أعمال فنية تتناول قضايا التنظيمات المتطرفة، وهنا يلجأ القارئ إلى هذه المنابر ليعرف أكثر عن التنظيم وأفكاره وطبيعة الانضمام إليه وعقيدته التي يغري بها الناس وأهدافه التي يسعى إليها.

ميزة هذه المواقع أنها تجري حوارات مع شخصيات كان لها دور قيادي داخل هذه التنظيمات وتبرأت منها، وتقدم شهادات تضفي مصداقية على المحتوى الإعلامي.

وإذا كانت شعبية هذه المواقع لا تزال مترنحة، غير أنها أصبحت مصدر الكثير من وسائل الإعلام التقليدية، حيث تتم قراءة أجزاء منها في برامج كبرى، وإعادة نشرها في صحف يومية، بمعنى أن محتواها أحيانا لا يصل إلى الناس بشكل مباشر، بل عبر منابر وسيطة.

منابر لمواجهة الفكر المتطرف
منابر لمواجهة الفكر المتطرف

وأوضح أحمد عاطف المشرف على موقع “أمان” التابع لصحيفة الدستور، أن مصداقية المواقع المتخصصة في الإسلام السياسي تأسست على التحري وراء كل معلومة، وتوثيق التحليل والبحث بشكل يحول دون الطعن في محتواه من أي جهة، حتى لو كان التنظيم المتطرف نفسه، لذلك صارت هذه المنابر بالنسبة إلى المتشددين غصة في حلوقهم، لأنها تعري أفكارهم وتوجهاتهم بأسلوب علمي عبر صحافيين متخصصين.

وأشار إلى أن هناك عدة أهداف تقف وراء إصدار صحافة متخصصة في الإسلام السياسي، في مقدمتها رفع منسوب الوعي عند الجمهور، وتثقيفه وتصحيح مفاهيمه وتعريفه بالفارق الجوهري بين المتطرف والمتشدد والإرهابي والإخواني والسلفي والجهادي، والرابط المشترك بين هؤلاء، وماذا يدور في عقل كل منهم.

ويتم التركيز على استهداف شرائح بعينها من الجمهور مثل الشباب والمراهقين المتواجدين بكثرة على شبكات التواصل الاجتماعي كي لا يقعوا فريسة سهلة للتنظيمات المتطرفة.

ولفت عاطف إلى أنهم يتجنبون القول لهؤلاء إن الإخوان كاذبون ومنافقون ويتاجرون بالدين، بل يقدمون أدلة موثقة على ذلك من خلال معلومات ووقائع محددة وروايات عناصر انشقوا عنهم يكشفون كيف تأثروا بخطابهم وانضموا إليهم وصاروا مدمنين على التخريب والفوضى والتكفير وسفك الدماء، عبر قصص إعلامية تعزز المصداقية.

وهناك العديد من الصحف التي غردت خارج السرب بالاتجاه إلى فكرة التخصص وتعرضت للاندثار سريعا لصعوبة التعايش مع شح المعلومات وغياب الابتكار والتنوع، لكن استمرار بقاء المواقع الإلكترونية الخاصة بمعالجة قضايا الإسلام السياسي بنفس قوتها وتأثيرها يعني أن الصحافة الحقيقية تستطيع مواجهة عواصف المهنة وتقلباتها، ويمكن أن تخلق لنفسها دورا مهما.

18