هل يساوم قلب تونس الغنوشي بلائحة سحب الثقة مقابل إطلاق سراح القروي

يواجه رئيس حركة النهضة والبرلمان التونسي راشد الغنوشي من جديد عريضة لسحب الثقة منه في رئاسة البرلمان. ويبدو أن دائرة المعارضين للغنوشي تتّسع، حيث لم تعد تقتصر على الأحزاب المعارضة، بل شملت نوابا من حزب قلب تونس (حليف النهضة) الذين عبّروا عن دعمهم لمسألة سحب الثقة، ما لم يتم إطلاق سراح زعيم الحزب نبيل القروي.
تونس - تتسارع التطورات السياسية في تونس بسبب فشل التعديل الوزاري وبروز معطيات أخرى على السطح، قد تخلق معادلة سياسية جديدة في البلاد بعد أن ترددت أنباء عن إمهال حزب قلب تونس أحد أبرز حلفاء حركة النهضة التي تقود الائتلاف الحكومي لرئيس البرلمان ورئيس النهضة راشد الغنوشي، 48 ساعة من أجل إطلاق سراح رئيس حزبهم نبيل القروي أو الانضمام إلى الجهود الرامية لسحب الثقة منه، وهي أنباء نفتها قيادات من الحزب.
وقال النائب والقيادي بقلب تونس عياض اللومي، “إن ما يجري تداوله عن مساومة تتم مع راشد الغنوشي رئيس البرلمان التونسي للإفراج عن نبيل القروي، هو محض كذب وافتراء”.
ونفى اللومي على صفحته الرسمية بفيسبوك، ما يشاع بخصوص إمهال رئيس البرلمان راشد الغنوشي 48 ساعة لإطلاق سراح القروي، وإلاّ سيتم إمضاء لائحة اللوم لسحب الثقة منه.
ويأتي ذلك في وقت قالت فيه مصادر مقربة من حزب قلب تونس (29 نائبا) إن عددا من النواب يتبنون مشروع سحب الثقة من الغنوشي.
كما أشارت إلى أن 10 نواب على الأقل عبروا عن رفضهم مواصلة التحالف مع النهضة، وأن المكان الطبيعي للحزب هو في شق الأحزاب العلمانية.
وأفاد المحلل السياسي باسل الترجمان، أن “ما يتم تسريبه هي محاولة من أطراف داخل حزب قلب تونس لدفع الغنوشي نحو حلّ ملف القروي، والكل يعلم اليوم أن هذا الملف حارق شأنه شأن بقية الملفات بين النهضة وقلب تونس، على غرار التعديل الوزاري وملف الولاة (المحافظين) والمعتمدين”.

منجي الرحوي: حظوظ نجاح سحب الثقة جدية أكثر من أي وقت مضى
وأضاف الترجمان في تصريح لـ”العرب”، أن “الحزب يرى أنه قدم تنازلات وخسر الكثير من مصداقيته في الشارع جرّاء التحالف مع النهضة، والتي في النهاية لم تقدّم له إلا نفس النتائج التي نالتها نفس الأحزاب التي تحالفت مع الحركة في السابق”.
وتابع “لم يعد خافيا على أحد وجود خلافات برلمانية بخصوص التحالف مع النهضة والبقاء في الحزام السياسي الداعم للحكومة، وعريضة سحب الثقة من الغنوشي تتطلب توقيع 73 نائبا عليها، وهذا العدد من السهل الحصول عليه مقارنة بـ109 نائب اللازمة يوم جلسة سحب الثقة.. هناك أطراف من الحزب تريد ممارسة نوع من الضغط على الغنوشي لتحقيق مطلب وحيد للحزب، يستطيع أن يغطي به جملة من الخسائر واستغفال ناخبيه على التحالف مع النهضة وهو إطلاق سراح القروي”.
وتعد هذه المحاولة البرلمانية الثانية التي يودع فيها نواب تونسيون عريضة لسحب الثقة من الغنوشي الذي نجا من المحاولة الأولى في الصائفة الماضية.
وأفادت مصادر مطلعة أن نواب الحزب الدستوري الحر (16 مقعدا) والكتلة الديمقراطية (38 مقعدا)، وحزب تحيا تونس (11 مقعدا) تمكنوا من جمع 73 توقيعا لسحب الثقة وهو النصاب القانوني الذي يمكّن من طرحه مجددا على الثقة البرلمانية.
وترى شخصيات سياسية معارضة للنهضة، أن العريضة الجديدة لها حظوظ أوفر في النجاح في إسقاطه من رئاسة البرلمان، الذي يشهد أزمات متواصلة منذ انتخابات 2019 التي أفرزت مشهدا سياسيا منقسما.
وقال النائب بالبرلمان المنجي الرحوي في تصريح لـ”العرب”، “حظوظ نجاح العريضة الجديدة جدية أكثر من أي وقت مضى، وسنعمل على أن تمرّ هذه العريضة”.
وعلى الرغم من نفيه لما يروّج من أخبار حول مساومة قلب تونس للغنوشي بسحب الثقة من رئاسة البرلمان مقابل إطلاق سراح القروي، قال القيادي بقلب تونس فؤاد ثامر “نحن لا نتعامل مع المسائل بنرجسية، وهذه المغالطات والإشاعات هي للضغط على القضاء لإبقاء القروي في السجن”.
وبخصوص علاقة قلب تونس بالنهضة التي أصبحت محلّ جدل سياسي واسع، علّلها ثامر في تصريح لـ”العرب”، بالقول “إن التحالف بين الطرفين يأتي في إطار الحزام السياسي لحكومة المشيشي، والتوافقات مبنية مع رئيس الحكومة، ولا يمكن أن نتحدث عن تقييم لهذا التحالف إلا بعد مرور مدّة معينة، لأن حكومة المشيشي ما زالت في بداية الطريق”.

فؤاد ثامر: التحالف بين قلب تونس والنهضة مبني مع رئيس الحكومة
ويبدو أن تصريحات بعض قيادات قلب تونس تحمل في طيّاتها رسائل سياسية لمن يشاركونهم الحكم (النهضة)، كما تتعارض في جوهرها مع مصالح الحركة الإسلامية، ما ينذر بتصدّع العلاقة بينهما مستقبلا.
وقال ثامر “مستعدّون لنزع فتيل الأزمة بين الحكومة ورئاسة الجمهورية، ومستعدون لتقديم تنازلات مع من يستعدّ لذلك”. كما نفى القيادي بقلب تونس طرح مسألة سحب الثقة من الغنوشي في رئاسة البرلمان من عدمها، قائلا “ما زلنا لم نطرح هذا الموضوع بعد”.
في المقابل، عبّر عن استعداد حزبه للتنازل عن الوزراء المقترحين المحسوبين عليه في التحوير الوزاري، الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي ونال ثقة البرلمان مؤخرا.
ويرى سياسيون أن ما يقوم به المشيشي ومن ورائه حزامه السياسي، ستكون له تداعيات مباشرة في الفترة القادمة، وهذه الأزمة ستغير الكثير.
وأفاد المحلل السياسي عبدالعزيز القطي في تصريح لـ”العرب”، أن “أزمة التعديل الحكومي وموقف الرئيس سعيّد منه ستكون له تداعيات على الحزام السياسي، وما قام به المشيشي تحت الابتزاز مؤكد أنه سيؤدي إلى خلق جوّ من عدم الثقة وإعادة ترتيب الحسابات من جديد”.
وأضاف “من المؤكّد أنه سيكون هناك حديث حول مسألة سحب الثقة ولعب كل الأوراق للضغط على الغنوشي، ولكن المسألة بيد القضاء ونأمل أن تكون محاكمة عادلة دون تدخل أي طرف”.
واعتبر القطي أن “تصريح الغنوشي الأخير بخصوص إمكانية إطلاق سراح القروي (القروي سيخرج من السجن معزّزا مكرّما)، سيزيد من تمسّك القضاء بالقانون، وهو تصريح لتهدئة خواطر نواب قلب تونس لعدم سحب الثقة منه”.
وكان قاضي التحقيق في تونس، قد أصدر في الـ24 من ديسمبر الماضي، بطاقة إيداع بالسجن في حق القروي، على خلفية قضية تتعلق بشبهة الفساد وتبييض الأموال، والتي سبق للقروي أن أوقف بسببها تحفظيا، قبل أن يتم الإفراج عنه إلى حين صدور نتائج التحقيق.