وساطة جديدة لحل الأزمة بين أقطاب السلطة في تونس

أمام تعمق الأزمة السلطات الثلاث في تونس تزايد الحديث عن الحلول التي قد تُخرج البلاد من مأزقها سواء من خلال ثغرات الدستور أو تنازل أحد أطراف.
الثلاثاء 2021/02/02
لا تراجع من المشيشي أو الرئيس سعيد

في محاولة لوضع حد للأزمة السياسية المتفاقمة في تونس، دفع الوزير علي الحفصي بمبادرة لتقريب وجهات النظر بين الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، حسب مصادر مقربة من الحزام السياسي للمشيشي، وذلك في وقت باءت فيه المحاولات الأخرى لحلحلة الأزمة بالفشل.

تونس- قالت مصادر سياسية مقربة من الحزام السياسي والبرلماني للحكومة التونسية لـ”العرب”، إن الوزير علي الحفصي يقود وساطة من أجل حلحلة الأزمة السياسية التي أخذت أبعادا دستورية واجتماعية بين الرئاسات الثلاث (رئاسة الجمهورية والبرلمان والحكومة).

وذكرت هذه المصادر، التي فضلت عدم الكشف عن هويتها، أن الحفصي المقرب من دولة قطر باشر اتصالاته مع الرئيس قيس سعيد ورئيس الحكومة هشام المشيشي ورئيس البرلمان راشد الغنوشي، نهاية الأسبوع الماضي، إثر بروز بوادر انسداد سياسي ينذر بالمزيد من التوتر بين السلطات الثلاث على خلفية التعديل الوزاري المثير للجدل الذي أجراه المشيشي وشمل 11 حقيبة وزارية.

والحفصي هو الوزير لدى رئيس الحكومة المكلف بالعلاقات مع البرلمان وناشط سياسي يحظى بعلاقات جيدة مع سعيد والمشيشي والغنوشي، ما قد يسرع بحصول توافق في الساعات القادمة حول أداء الوزراء الجدد لليمين الدستورية ومباشرة مهامهم.

وتأتي هذه الوساطة الجديدة في وقت لم يخف فيه  المشيشي مخاوفه من بقاء الشغور في عدد من الوزارات، قائلا الاثنين خلال زيارة إلى مقر الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إن “وضع تونس لا يحتمل التأخير في مباشرة الوزراء لمهامهم”.

وأضاف في تصريح لا يخلو من ضبابية لكنه أشار إلى بوادر حل للأزمة التي تشهدها البلاد، أن “هناك صلاحيات دستورية واضحة ومسارا دستوريا واضحا وأداء الوزراء المتحصلين على ثقة البرلمان لليمين الدستورية هو مسألة وقت”، مضيفا أنه “سيتم إجراء اللازم لممارسة الوزراء الجدد مهامهم”.

وفي تعليقه على الوساطة التي يقودها الحفصي، قال المحلل السياسي إبراهيم الوسلاتي إن “الحفصي يعد الشخصية الأقدر على قيادة الوساطة باعتبار العلاقات المتينة التي تربطه ببقية الفاعلين. أعتقد أنه باشر اتصالاته بعد الاتصال الذي جمع الرئيس سعيد بأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد، حيث تطرق هذا الاتصال إلى الأزمة التي تعيشها تونس”، في إشارة إلى الاتصال الذي جاء بين الشيخ تميم وسعيد على خلفية “محاولة تسميم” الرئيس التونسي الفاشلة.

إبراهيم الوسلاتي: الحفصي الأقدر على الوساطة نظرا لعلاقته المتينة ببقية الفاعلين
إبراهيم الوسلاتي: الحفصي الأقدر على الوساطة نظرا لعلاقته المتينة ببقية الفاعلين

وأضاف الوسلاتي في تصريح لـ”العرب” أن “المطلوب اليوم هو أن يبادر رئيس الحكومة بالتواصل مع رئيس الجمهورية والجلوس معه في انتظار أن تنجح وساطة علي الحفصي التي قد تجد طريق الحل في وقت لاحق”.

ويرفض سعيد أداء 4 وزراء اليمين الدستورية، وهو شرط ضروري من أجل مباشرة مهامهم، بذريعة أن شبهات فساد أو تضارب مصالح تحوم حولهم، وهو السبب الذي قد يكون وراء زيارة  المشيشي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد من أجل المزيد من التثبت في وضعية هؤلاء الوزراء.

وتأتي هذه التطورات في وقت باءت فيه العديد من المحاولات الرامية لتحقيق اختراقات في الأزمة السياسية والدستورية بالفشل، حيث لم يتفاعل لا الرئيس ولا بقية أطراف الأزمة مع المبادرة التي قادها رئيس الهيئة السياسية لحزب الأمل أحمد نجيب الشابي، ولا المبادرة التي أطلقها أيضا رئيس كتلة الإصلاح الوطني في البرلمان حسونة الناصفي، الذي أكد إجراءه قرابة 6 اتصالات بالرئيس سعيد الذي لم يجبه. 

وأجرى الشابي الأسبوع الماضي مشاورات مع مجموعة من الشخصيات الوطنية، من بينها رئيس الحكومة الأسبق الحبيب الصيد ووزير الخارجية الأسبق خميس الجهيناوي والأميرال كمال العكروت، وغيرهم، وخلصوا إلى دعوة أقطاب السلطة إلى “التعقل والحكمة وأن يضعوا مصلحة الوطن فوق كل اعتبار”.

وقال الشابي في تصريح لـ”العرب” إن “الشخصيات الوطنية الـ9 التي قامت بالمشاورات الأسبوع الماضي اكتفت في هذه المرحلة بالدعوة إلى التعقل والتهدئة والحوار ونداء للمجتمع المدني أن يجهز نفسه لكل طارئ.. مؤسسات الدولة اليوم مهددة بالشلل أو بعدم التشكل (الحكومة) أو بالتشكل في تعارض مع الإجراءات الدستورية، وهو ما يضعفنا”.

وأضاف أن “الأزمة بين الرئاسات الثلاث وصلت إلى مرحلة كسر العظام.. خطير جدا ما يحدث والمخرج الوحيد هو حوار يشارك فيه الجميع، لأنه دون الحوار البلاد مفتوحة على سيناريوهات مجهولة، لأن هناك توترا اجتماعيا حيث عبر الشباب عن غضبهم ومطالبهم في مظاهرات ليلية شابها نوع من العنف، ثم خرجت تظاهرات في وضح النهار وأخذت منحى معاديا للأمن، وهذا فيه خطأ والأزمة السياسية تتعمق”.

وأمام تعمق الأزمة بين رؤوس السلطة في تونس، تزايد الحديث مؤخرا عن الحلول التي قد تُخرج البلاد من مأزقها سواء من خلال الثغرات الموجودة في الدستور، وهي خطوة إذا تم اتباعها فإنها تبقى غير مضمونة النتائج باعتبار أنها تتجاوز سعيد، وذلك من خلال اعتماد ما أطلق عليه أساتذة القانون الدستوري نظرية “الإجراءات المستحيلة”، أو تنازل أحد أطراف الأزمة سواء المشيشي أو سعيد.

وحسب العديد من أساتذة القانون الدستوري، نظرية الإجراءات المستحيلة يمكن تفعيلها لتفادي تعطيل سير الدولة، حيث تصدر الحكومة في حال رفض الرئيس أداء الوزراء اليمين الدستورية إعلانا تؤكد فيه رفضه دعوة الوزراء لأداء اليمين وتنتظر “مهلة زمنية معقولة”، ثم يتم تطبيق هذه النظرية وينطلق الوزراء في أداء مهامهم دون أداء اليمين.

ولكن، وفقا لمراقبين، هذه العملية قد تزيد من حدة الأزمة، خاصة مع فشل بعض الوساطات والمبادرات الرامية لحلحلتها، حيث لم يُكتب لمبادرة البرلماني حسونة الناصفي النجاح رغم محاولاته التواصل مع سعيد.

تأتي هذه الوساطة الجديدة في وقت لم يخف فيه  المشيشي مخاوفه من بقاء الشغور في عدد من الوزارات،

وقال البرلماني مصطفى بن أحمد عن كتلة تحيا تونس (10 نواب) إن “ذلك كان متوقعا (فشل مبادرة الناصفي)، فحسونة يساند الحكومة ومن بين حزامها ورئيس الحكومة طرف في الأزمة، فكيف يمكن أن يتوسط الناصفي الداعم للحكومة في مشكلة بين الحكومة ورئيس الجمهورية؟”.

وأضاف بن أحمد “أرجو ألا تكون هناك غاية وراء افتعال هذه الأزمة السياسية.. هذه الأزمة تتحمل مسؤوليتها الحكومة والأطراف التي تدفع نحو إحداث شرخ في العلاقة بين الرئيس ورئيس الحكومة”.

واستنتج أنه “من الحكمة أن الأطراف التي أخطأت تقوم بخطوة إلى الوراء.. الحوار مطلوب، لاسيما مع الرئيس المنتخب مباشرة من الشعب وهو قائد القوات المسلحة ومن صلاحياته أيضا العلاقات الخارجية وهو الضامن لوحدة التونسيين. عملية لي الذراع مع الرئيس غير مقبولة”.

4