الفقر المائي يعجل بتطوير طرق الري في الزراعة المصرية

بوابة إلكترونية للمحاصيل الزراعية ورسائل نصية للتعريف بطرق الري.
الاثنين 2021/02/01
وداعا لطرق الري التقليدية

لجأت مصر إلى التحول الرقمي في منظومة الري الزراعي لمواجهة الشح في الموارد المائية، وترشيد فاقد المياه في قطاع الزراعة الذي يعتمد بشكل رئيسي على الري بالغمر في منطقة دلتا النيل وبعض المناطق الصحراوية المتاخمة لها، وتفاديا لأي تداعيات سلبية في أزمة سد النهضة الإثيوبي.

القاهرة - كثفت الحكومة المصرية جهودها لتطوير منظومة الري الزراعي الذي لا يزال يعمل بنفس الطرق القديمة في مناطق دلتا النيل، بشمال القاهرة، مع فارق بسيط في استخدام الآلات في رفع المياه بدلا من الوسائل اليدوية.

وأكدت مصادر مطلعة لـ”العرب” أن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي قدمت قائمة بالمحاصيل الزراعية الأكثر استهلاكا للمياه وأصنافها لمجلس الوزراء، تمهيدا لإصدار قرار وزاري بمنع زراعة تلك الأصناف.

وأوضحت المصادر ذاتها أن عددا من أصناف محصول الأرز تتصدر القائمة المطولة، والتي تشمل أيضا القصب والقمح والذرة والبرسيم، وسيتم الاتفاق على زراعة أصناف محددة من كل محصول وتوزيع بذوره على المزارعين، ومنع زراعة أصناف الأرز عالية الاستهلاك واقتصار زراعته على الأقل استهلاكا للمياه.

وعقد مجلس الوزراء اجتماعا مؤخرا ضم وزراء الموارد المائية والري، والعدل، والمالية، والزراعة واستصلاح الأراضي، والأوقاف، لتطبيق منظومة للري الحديث من شأنها ترشيد استهلاك المياه.

وتتواكب هذه الخطوات مع تفاقم أزمة سد النهضة، ما يؤثر سلبا من حصص المياه، بوصفها آخر نقطة في دول المصب، حيث تبلغ حصة مصر من مياه نهر النيل نحو 55.5 مليار متر مكعب، ويستهلك القطاع الزراعي نحو 85 في المئة منها.

وتوقعت دراسات علمية أن تفقد مصر نحو 17 في المئة من أراضيها الزراعية حال اتجاه إثيوبيا لملء سد النهضة خلال ست سنوات، ونحو 51 في المئة إذا تم تقليل الفترة لنحو ثلاث سنوات.

ودخلت مصر في خطوات متقدمة لمواجهة مرحلة الفقر المائي المرتقبة، وأعلنت رسميا عن إجراءات تستهدف منع زراعة الأصناف كثيفة استهلاك المياه في بلد يعاني فقرا مائيا بنحو 660 مترا مكعبا للفرد، مقارنة بخط الفقر المائي العالمي عند 2000 متر مكعب.

عباس شراقي: يصعب إجبار الفلاح على نظم الري الحديثة في منطقة الدلتا

وكشفت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي عن ملامح المنظومة الجديدة، من خلال تحديث نظم الري للتحول من الري بالغمر للري الحديث، والتنقيط، والرش، والري السطحي، والمحوري، وتطبيق الممارسات الزراعية الموفرة للمياه، مثل تسوية الأرض بالليزر، والزراعة على المصاطب والتوسع في زراعة الأصناف الجديدة، إضافة إلى خفض مساحة المحاصيل الشرهة للمياه.

وشرعت الوزارة في تطبيق المنظومة في مساحة تصل لنحو 328 ألف فدان من مشروع يستهدف تطبيق المنظومة على مليون فدان، من المقرر الانتهاء منها في 30 يونيو المقبل.

وسيتم العمل في تطبيق الري الحديث في مساحة أخرى تتجاوز 5 ملايين فدان، وفقا لخطة مشتركة بين وزارتي الزراعة والري، عبر حوافز تشجع المزارعين على التحول لهذا النظام الحديث، تضم حزم دعم وتسهيلات، ما يضمن عدم تحمل الفلاح تكاليف مالية ترهقه.

وفي سبيل تسريع وتيرة التحول في منظومة الري، وقع وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات عمرو طلعت ووزير الزراعة واستصلاح الأراضي السيد القصير بروتوكولا للتعاون لتنفيذ مشروع مشترك لتطوير البنية التكنولوجية بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي لمدة عامين.

ويضم إنشاء بوابة إلكترونية للمحتوى الخاص بوزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، وميكنة خدمات الوزارة المقدمة للمتعاملين والمستفيدين من المواطنين، وتفعيل المبادرات القومية المعنية بتطوير كفاءة الحفاظ على الأمن الغذائي، ومواجهة ظاهرة تغير المناخ باستخدام تقنية الذكاء الاصطناعي.

ويسمح الاتفاق بالعمل على زيادة كفاءة ترشيد استهلاك مياه الري من خلال تحليل البيانات المختلفة باستخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي، ما ينتج عنه تحديث دوري دقيق للمعلومات عن الرقعة الزراعية واحتياجاتها من المياه، ويساعد على التنبؤ بموسمية الطلب على المياه ويجعل التخطيط أكثر فاعلية.

ووفقا للمنظومة الجديدة، يتم إطلاق تطبيق على الهاتف الخلوي لتقديم الخدمات المميكنة تباعا، فيما يتم عبره تقديم النصائح للمزارعين بما يضمن زيادة إنتاجية المحاصيل وفق نظم الري الحديثة.

ورغم فعالية هذا الاتجاه، إلا أنه يصطدم بارتفاع معدلات الأمية في الريف ومناطق الدلتا التي تواجه صعوبات نتيجة تقسيم الرقعة الزراعية بها إلى مساحات صغيرة ترفع تكاليف تدشين نظم الري بها، بخلاف المساحات الكبيرة في المناطق الصحراوية التي يتم استصلاحها.

وكشف علاء دياب رئيس لجنة الزراعة بالجمعية في تصريحات سابقة لـ”العرب” أن المبادرة تستهدف رفع معدلات التوعية لدى المزارعين، حيت تم حصر قوائم بأرقام هواتف المزارعين في المناطق الزراعية لبدء التوعية عبر رسائل نصية مجانية حول الطرق الحديثة في زراعة كل محصول، ونسب الكيمياويات والمبيدات، وطرق وأوقات الري لترشيد استخدام المياه.

حسين أبوصدام: الدولة تلجأ إلى الري الحديث كإجراء وقائي لأي أزمة في المياه

وقال أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة عباس شراقي، إن المشكلة تكمن في مناطق الزراعة القديمة في دلتا النيل، أما الأراضي الزراعية الجديدة فالقانون يُلزم أصحابها بالري الحديث، ويجرم فيها الري بالغمر.

وأضاف أنه لا يمكن إجبار الفلاح على الري بالنظام الحديث، الأمر الذي يتطلب محفزات لتطوير الري الحقلي عبر تأسيس شبكات ري مجانية في البداية للمزارعين بموافقتهم، مع تدني مستويات الإنتاج وارتفاع التكاليف.

وتحتاج المنظومة الجديدة لمساحات زراعية كبيرة ومن ثم لا يصلح إنشاء شبكة ري لنحو نصف فدان أو فدان، فضلا عن أن التربة في منطقة الدلتا من النوع الطيني الثقيل، وبالتالي تستغرق المياه وقتا للنفاذ إلى مسام التربة.

وتتم زراعة محاصيل قصب السكر والأرز في الأراضي الزراعية بالوادي والدلتا ولا تصلح معها نظم الري الحديث، ولا تنمو إلا بالري بالغمر.

ودفع تعقد الأمور لإعادة رسم الخارطة الزراعية واستنباط زراعات جديدة قليلة استهلاك المياه، لمواجهة تداعيات انخفاض منسوب مياه النيل.

وأشار نقيب الفلاحين حسين أبوصدام إلى أن مصر تلجأ إلى الري الحديث كإجراء وقائي لأي أزمة مستقبلية في المياه، ضمن منظومة شاملة للترشيد.

وذكر لـ”العرب” أن الري بالغمر أصبح وسيلة تقليدية في العصر الحديث، لأنه أكثر استهلاكا للمياه، ويتسبب في تراجع معدلات إنتاجية المحاصيل.

وشدد على أن الري بالتنقيط يقلل تكلفة الزراعة، ويخفض استهلاك الأسمدة، لأن النبات يستفيد منه بشكل كامل، بعكس الري بالغمر الذي يترتب عليه ذوبان الأسمدة في المساحة المزروعة، ويستفيد جزء من النبات بشكل أكبر على حساب الباقي.

وطرحت القاهرة عدة بدائل لحل مشكلة نقص المياه، وأعلنت عن تدشين أول مشروع للزراعات المحمية لتأسيس مئة ألف بيت زجاجي لزراعة المحاصيل الزراعية، بهدف زيادة الإنتاجية الزراعية وترشيد استهلاك مياه النيل، على مساحة 20 ألف فدان.

وترشد تكنولوجيا المزارع المحمية استخدام المياه في عمليات الري بنسبة 90 في المئة، ما يعزز من الخطط الرامية لترشيد استهلاك المياه خلال الفترة المقبلة.

10