نذر فشل الحوار الوطني تدفع اتحاد الشغل للتلويح ببدائل لإنقاذ تونس

بعد مرور أكثر من شهرين على تقديمها، تتزايد التساؤلات حول مصير مبادرة الحوار الوطني التي دفع بها الاتحاد العام التونسي للشغل (أكبر منظمة نقابية في البلاد)، ما جعل المنظمة تفكّر في إمكانية وضع سيناريوهات بديلة لحلحلة الأزمات المتتالية، التي باتت تعصف بالبلاد.
تونس – بعد مرور شهرين على تقديم مبادرته الرامية لإجراء حوار وطني يُنهي الأزمة السياسية، التي تصاعدت مؤخرا إثر التعديل الوزاري المثير للجدل الذي أجراه رئيس الحكومة، يتوجه الاتحاد العام التونسي للشغل إلى التخلي عن هذا الخيار (الحوار الوطني) والبحث عن مقاربات أخرى قادرة على حلحلة الأزمتين الاقتصادية والسياسية.
وأكد المتحدث الرسمي باسم اتحاد الشغل، المركزية النقابية في تونس سامي الطاهري الجمعة، أن بديل الاتحاد عن مبادرة الحوار الوطني، التي كان قد وجهها إلى رئيس الجمهورية قيس سعيد، الذي تبناها بدوره لكنها ظلت تراوح مكانها، سيكون جاهزا.
وأضاف الطاهري في تصريح لـ”العرب” أنه “في صورة عدم تفعيل مبادرة الحوار، فإن للاتحاد بدائله، وسيلعب دوره كما يجب في المسألة”، مشددا على أنه إذا “لم تتم الاستجابة لمبادرة الحوار، فإن المنظمة النقابية لن تبقى مكتوفة الأيدي”.
وتابع “الأزمة السياسية والدستورية القائمة تؤكد أن الحوار أصبح ضروريا أكثر من أي وقت مضى، وحظوظ النجاح متوفرة، ونحن الآن في الوقت بدل الضائع”.
ولم يُخف المتحدّث باسم الاتحاد، ترابط الحل السياسي بمختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية وغيرها، معتبرا أن الأزمة شاملة. وأشار الطاهري إلى أن “الأزمة سياسية بامتياز قبل أن تكون اقتصادية واجتماعية، وإذا لم يتم إيجاد حلول للمشكلة السياسية فلن تُحلّ بقية المشكلات لنزع فتيل الأزمة بالبلاد”.
ويأتي توجه الاتحاد إلى بدائل عن الحوار في وقت تتأزم فيه الأوضاع السياسية، بعد مصادقة البرلمان على التعديل الوزاري، الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي، والذي أسس لقطيعة بينه وبين الرئيس قيس سعيد.
كما تتزايد المخاوف من تفاقم الوضع الاجتماعي على وقع الاحتجاجات، التي تصاعدت مؤخرا ضد الطبقة السياسية الحاكمة وخياراتها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
وبعد مرور فترة ليست بالقصيرة (شهرين) على تقديم اتحاد الشغل مبادرة تنظيم الحوار لسعيّد، ما زالت لم تتضح بعد ملامح نجاح المبادرة من عدمها.
وأفاد الأمين العام المساعد للاتحاد محمد علي البوغديري، بأن “الاتحاد أعدّ المبادرة وقدمها لرئاسة الجمهورية”، مضيفا “فعلا الظروف الموضوعية الآن غير ملائمة لانطلاق الحوار الوطني، ولكن لا زلنا نؤمن بالحوار”.
وتابع البوغديري في تصريح لـ”العرب”، “الشعب التونسي شعب مسالم ولا بديل عن الحوار إلا الحوار، ويمكن أن يأخذ بعض الوقت، لكن الاتحاد يبقى الهيكل الذي يحوز على ثقة الشعب، لأننا مرجع في قلوب كل التونسيين وسنقدم كل ممهدات النجاح”.
وفي الإشارة إلى البدائل الممكنة لسيناريو عدم تفعيل مبادرة الحوار، قال المسؤول النقابي “لدينا تصورات معينة، وخبراء سيتكفلون بوضع دراسات مناسبة، وسنضع كل الإمكانيات المتاحة لذلك، والبدائل ستكون اقتصادية واجتماعية”.
وتشهد تونس أزمة سياسية خانقة، بدت جلية في الأحداث التي ما انفكت تقع في البرلمان المنقسم على نفسه منذ انتخابات 2019.
وحمّل الاتحاد رئاسة مجلس النواب (البرلمان) وحركة النهضة مسؤوليتهما في تردّي الأوضاع داخل البرلمان وفي كامل البلاد، داعيا كافّة النوّاب الأحرار إلى التحرّك الفاعل لوقف الانحدار إلى مربّع العنف.
ونبهت المنظمة النقابية في بيان أصدرته الخميس، إلى خطورة “الدور الميليشوي الذي تلعبه كتلة الإرهاب” في إشارة إلى كتلة ائتلاف الكرامة، التي “تعمل على هرسلة النوّاب والتحريض ضدّ الإعلام والمجتمع المدني وضدّ كلّ من يخالفها الرأي، وآخرها استغلال جلسة منح الثقة للتعديل الحكومي للتهجّم على النقابيين والتحريض ضدّهم”.
وأدان الاتحاد الاعتداء الذي تعرّضت له رئيسة الحزب الدستوري الحر من طرف رئيس كتلة ائتلاف الكرامة، والذي تكرّر وطال عددا من النوّاب أمام صمت بل تواطؤ من رئاسة المجلس، وبعض كتل الائتلاف الحاكم التي ساوت عمدا بين الضحيّة والجلاّد.
وقال النقابي والأمين العام لحركة تونس إلى الأمام، عبيد البريكي في تصريح لـ”العرب”، إن “المنظمة النقابية ستلعب أوراقها، ولا أعتقد أن يكتفي الاتحاد بالمشاهدة”. مضيفا “النقابيون كانوا دائما مؤثّرين على غرار الحوار الوطني في 2013، وهذه المرة راهن الاتحاد مجددا على حوار لن تتوفر شروط نجاحه”.
ونفى البريكي أن توجد إمكانية لتنظيم حوار بين المعنيين بالشأن العام، قائلا “حتى وإن انطلق الحوار، فما مدى قدرة هذه الأطراف على إنجاحه، وفي الحالتين لن تطبق مخرجاته”.
وتابع “اليوم أطراف الحكم والسلطة التنفيذية (رئاسة الجمهورية والحكومة) في حرب معلنة، فضلا عن الخلاف العميق بين رئيس الجمهورية ورئيس البرلمان، وأحزاب المعارضة أيضا اختارت الانضمام إلى الشارع، وعودة نظام البوليس في مواجهة الاحتجاجات الشعبية، كلها عوامل تجعلنا نتساءل، هل يمكن تنظيم الحوار؟”.
ولم تتوفق منظومة الحكم الحالية في الاستجابة إلى تطلعات الشعب، وتنكرت الطبقة السياسية على امتداد عشر سنوات لمشكلات الفئات الاجتماعية ومعالجتها بطريقة جديّة.