فوضى المؤقت

لا تحب أمي الفوضى أبدا، ليست الفوضى فقط، هي أيضا لا تحبذ ازدحام المكان بالملابس والأثاث والمتاع أيّا كان نوعه. حتى أن شماعة الملابس، التي تسميها شجرة الثياب، يجب أن تكون فارغة من الملابس. لا تقتنع أنها صنعت لتعليق الملابس تحديدا!
لا أنسى يوم جمعت بدلات أبي القديمة، من بينها بدلة زواجه، في كيس وتبرعت بها لجارنا، الذي وللصدفة، اعترض أبي وسط البلدة يتمخطر في بدلة زواجه!
ويبدو أن أبي المصدوم لم يصدق الأمر وأظنه عاد إلى المنزل جريا يومها. هرع إلى الباب ودخل مسرعا إلى دولابه يفتش داخله عن بدلات زمنه الجميل.. ولم يجد شيئا.
قابلت أمي أسئلته “تحتفظ بهذه البدلات منذ 14 عاما، هل لديك أمل أنك ستعود إلى مقاس ‘ميديوم’ مرة أخرى، أنت الآن مقاسك ‘XX لارج'”. فبهت الذي مقاسه ‘XX لارج’!
تتخلص أمي من كل شيء زائد عن الحاجة أو غير زائد، لا يهم، حتى أنها أرسلت مكتبي الفوضوي إلى منزل جدتي لأدرس هناك وأعود بمحفظة مرتبة مساء!
كان هذا الحل المثالي الذي وجدته قبل أن ترمي كتبي في القمامة وتلحقني بها. فأنا لم أرث عاداتها في الترتيب، كنت فوضوية إلى أبعد الحدود ولم تتغير عاداتي أبدا.
وعلى عكس أمي، كان أبي مولعا بجمع الأشياء القديمة. قد يعجب بكرسي دون سيقان ويحتفظ به على أمل أن يجد وقتا وطريقة لإصلاحه.
كان بينهما اتفاق صامت.. تركت له المرآب ليحتفظ فيه بأشيائه، حتى قررت فجأة إنهاء الاتفاق من جانب واحد حين أوقفت شاحنة الفضلات يوما وطلبت من عمال النظافة بلطف أن يأخذوا هذه القمامة التي تملأ الأرجاء!
لا شك أن الفوضى تلعب دورًا مهمًا في شعورنا تجاه منازلنا وأماكن عملنا وحتى أنفسنا.
تمثل الفوضى لكثيرين مصدرا للتوتر والعجز. لكن هذه الفوضى نفسها قد تكون مصدر راحة نفسية في حياة كثيرين وتكون دليلا على شخصية إبداعية ومبتكرة.
وأيا كان ما تعنيه الفوضى في حياتنا، أظن أنه لا يجب تركها تحيط بنا لتعامُلنا مع الأماكن على أنها مؤقتة بانتظار تغيير حياتنا بطريقة ما.
قد يقضي شخص حياته في شقة ظنّها “مؤقتة” بها صنبور ماء مسرب لا يصلحه أبدا.
أظن أنه ليس علينا أن نعيش في المستقبل ومراقبته من خلال نظارات وردية اللون، في وقت نعامل حاضرنا على أنه فوضى مؤقتة نحتاج فقط تحمّلها على أمل معجزة لا تحصل لتغييره.