مصر تدعم الإصلاح بطرح عشر شركات للجيش في البورصة

صندوق النقد الدولي أوصى بوضع إطار واضح لمعالجة معوقات التنمية.
الجمعة 2020/12/18
التزام بالإصلاحات من بوابة شركات الجيش

تشهد القاهرة تحوّلا مهمّا من خلال طرح أسهم عدد من الشركات المملوكة لجهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة المصرية في البورصة أمام المستثمرين، وفتح المجال أمام القطاع الخاص للمشاركة في إدارتها لأول مرة.

القاهرة - يستعدّ صندوق مصر السيادي لطرح أسهم أول شركتين مملوكتين لجهاز الخدمة الوطنية في البورصة المصرية خلال الأيام المقبلة، وفق خطة تستهدف طرح أسهم عشر شركات في سوق المال.

وعبر عمليات الطرح يتمكّن القطاع الخاص والأفراد من المساهمة في رأسمال هذه الشركات وتملّك حصص حاكمة في رأسمالها، بحسب ملكيته في أسهم رأسمال هذه الشركات.

وتعد تلك الخطوة الأولى من نوعها على الساحة الاقتصادية في مصر، والتي تتوافق مع تلميحات مستمرة من جانب صندوق النقد الدولي، أكد عليها في مراجعاته الدورية، منذ انطلاق برنامج الإصلاح الاقتصادي بمصر في نوفمبر 2016.

وحصلت مصر على قرض قيمته 12 مليار دولار لمساندة برنامجها الإصلاحي، وفق ست مراجعات دورية، كان آخرها عام 2019.

وقالت هالة السعيد، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية ورئيس مجلس إدارة صندوق مصر السيادي، إن برنامج الطرح سيبدأ بشركتي الوطنية لتعبئة المياه الطبيعية (صافي) والوطنية للبترول.

وتأتي هذه المبادرة بعد نحو عام من حديث الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي عن طرح شركات القوات المسلحة في البورصة قائلا “نحن مستعدون لدخول القطاع الخاص شريكا معنا في الشركات التي تم تأسيسها بالفعل وهي شركات ناجحة”.

وأكد في ذلك الوقت أن الجيش لا يستهدف الاستحواذ الاقتصادي من مشروعات جهاز الخدمة الوطنية، لكن يريد إيجاد فرص عمل سريعة، وحل بعض المشكلات الاقتصادية، وتحقيق التوازن في الأسواق.

وجرت تفسيرات عديدة لهذه التصريحات، حيث اعتبرها البعض استجابة لضغوط أثرت على صورة الجيش الرمزية، وأخلّت بدورها المركزي، ورأى فيها آخرون خطوة تنسجم مع برناج إصلاح الكثير من أوجه الخلل في الاقتصاد المصري، حيث تظل الشركات التابعة للجيش بعيدة عن الرقابة التقليدية.

عادل عبدالفتاح: المبادرة خطوة مهمة لتوسيع مشاركة القطاع الخاص

وعندما لم يتم تنفيذها، تصور بعض المتابعين أنها خطوة لتهدئة خواطر المستثمرين الذين لاحظوا التفرقة في التعامل بين شركات الجيش وغيرها، وأنها تحظى بمساحة تفضيلية منحتها مجموعة كبيرة من المزايا، أبعدتها عن التنافسية.

وقبل تأسيس الصندوق السيادي، كانت هناك صعوبة عملية في طرح الشركات التابعة للقوات المسلحة في سوق المال، من أجل إتاحة فرص الاستثمار فيها أمام الجميع، لأن هذا السوق يحتاج إلى عمليات مراجعة دورية للشركات، عبر الإفصاح عن نشاطها وطبيعة عملها.

وسهّل صندوق مصر السيادي المهمة، فملكية الشركات ستؤول له ثم يقوم بهيكلتها وطرحها في البورصة، وهي خطوة كانت لا تتناسب من قبل مع حساسية المالك الأصلي لهذه الشركات.

وأكد صندوق النقد الدولي للحكومة المصرية، ضرورة وضع نموذج لنمو الاقتصاد أكثر احتواء لجميع الفئات، يقوده القطاع الخاص لاستيعاب الزيادة الكبيرة المتوقعة في القوة العاملة على مدار الأعوام المقبلة.

ولم تخل توصيات الصندوق من وضع إطار لمعالجة المعوقات الأساسية أمام تنمية القطاع الخاص، بما فيها اتخاذ إجراءات لزيادة درجة الشفافية في تخصيص الأراضي الصناعية، وتعزيز المنافسة والمشتريات الحكومية، وتحسين مستوى الشفافية والمساءلة في المؤسسات المملوكة للدولة، ومعالجة الفساد.

وبعد تلك الخطوة عزف الصندوق سمفونية نجاح برنامج الإصلاح الاقتصادي المصري، وقال إن السلطات بأدائها القوي حققت جميع أهداف ومؤشرات برنامج الإصلاح المحددة بحلول سبتمبر2020.

واستدل الصندوق على قوة هذه المؤشرات عبر تجاوز صافي الاحتياطيات الدولية والفائض الأولي للموازنة ونظام سعر الصرف المرن.

وأوضح الصندوق، أن الهدف الأشمل لهذه الإصلاحات ضمان تزايد توجه الاقتصاد نحو السوق، بحيث يزداد تحول دور الدولة من قيادة النمو إلى تيسيره.

وتحتاج القاهرة سنويا نحو 700 ألف فرصة عمل جديدة على الأقل كي تستوعب أعداد السكان المتزايدة، التي يشكل الشباب نسبة كبيرة منها، ولن يتأتّى لها ذلك إلا من خلال القطاع الخاص.

قال عادل عبدالفتاح خبير أسواق المال، إن طرح بعض الشركات التابعة للقوات المسلحة المصرية في البورصة تمثل مرحلة ثانية من الإصلاح الاقتصادي، فالقطاع الخاص خلال الفترة الماضية لم يستطع تنشيط الاقتصاد وتوسيع استثماراته بسبب حالة عدم اليقين، التي مرت بها مصر خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأضاف لـ”العرب”، أنه آن الأوان لتسليم الدولة المصرية راية الإنتاج بشفافية للقطاع الخاص لإدارة دفتي الاقتصاد في البلاد.

محمد رضا: دور استراتيجي لشركات الجيش لدعم الاستقرار، وللطرح فوائد

ويعد اختيار شركتي “صافي” و”الوطنية” نموذجا مدروسا، حيث تتمتع الشركتان بقدرة كبيرة في سرعة دوران رأس المال، بالتالي زيادة معدلات الربحية، فالأولى تعمل في مجال مياه الشرب المعبأة، وهذا النشاط يتميز بعمليات تسويقية كبيرة.

أما الثانية فتعمل في مجال توزيع المنتجات البترولية، وتمتلك محطات تموين سيارات للبنزين والغاز على نطاق واسع، وهو من الأنشطة سريعة السيولة، ما يجعلها في مرمى المستثمرين من الأفراد والمؤسسات في مجال الأوراق المالية.

وتسهم عمليات الطرح الجديدة في إتاحة وتنوع الأسهم أمام المتعاملين في سوق المال، لأن المؤشر الرئيسي للبورصة المصرية “إيجي.إكس30” حقق تراجعا تجاوز 22 في المئة منذ بداية العام وحتى نهاية جلسة الخميس 10 ديسمبر.

وأوضح محمد رضا عضو الجمعية المصرية للأوراق المالية، أن شركات القوات المسلحة قامت بدور استراتيجي في الاقتصاد خلال مرحلة مهمة، عزز من سدّ الفجوة بقطاعات أساسية في البلاد، على رأسها الأغذية، فيما تحقق عمليات الطرح توازنا كبيرا على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي.

وأشار رضا لـ”العرب”، إلى أن الشق الأول يتمثل في مشاركة الشعب في رأسمال هذه الشركات الرابحة، أما الشق الثاني فيتعلق بتنويع هيكل ملكية تلك الشركات، وخروجها من نطاق منافسة القطاع الخاص، لأنها ستنفصل عن الجانب السيادي.

وتصل إجمالي قيمة محفظة أصول الصندوق نحو مليار دولار، في مختلف القطاعات الاقتصادية، في مقدمتها قطاع الرعاية الصحية والطاقة والعقارات والخدمات المالية.

ويستعين صندوق مصر السيادي بالمجموعة المالية “هيرميس” كمستشار مالي في هيكلة وإعداد الشركات قبل عمليات الطرح في البورصة، فيما يسعى الصندوق وهيرميس، للاستحواذ على 76 في المئة من رأسمال بنك الاستثمار العربي في الربع الأول من العام المقبل لتكون لديه جميع آليات طرح الشركات في سوق المال.

11