هل فتحت تونس مجالها البحري والبري أمام إيطاليا لمراقبة الهجرة غير النظامية

مراقبون يعتبرون أن الاقتصار على الدور الرقابي من قبل إيطاليا والمنتهك للسيادة التونسية كحصار حدودي للسواحل والمياه الإقليمية الخاصة والمشتركة لن يحل أزمة الهجرة.
الجمعة 2020/11/13
الحلول الظرفية لا تكفي للحد من ظاهرة الهجرة

مثل ملف الهجرة غير النظامية بين الحدود البحرية التونسية والإيطالية معضلة مشتركة بين البلدين في الفترة الأخيرة، وتصدّر الملف اهتمام الاتحاد الأوروبي وسط دعوات إلى ضرورة اعتماد مقاربة شاملة وتوافقية لاحتواء الأزمة التي رمت بظلالها على الدول الأوروبية، ما دفع إيطاليا إلى تخصيص سفن وطائرات لرصد قوارب المهاجرين بالاتفاق مع تونس.

تونس- خصصت السلطات الإيطالية سفنا وطائرات بالاتفاق مع تونس لرصد قوارب المهاجرين وإيقاف محاولات الهجرة المنطلقة من السواحل التونسية، ما يطرح حقيقة فتح تونس لمجالها البحري والبري أمام إيطاليا لكبح جماح ظاهرة الهجرة.

وقالت وزيرة الداخلية الإيطالية لوتشانا لامورغيزي إنّ “سلطات بلادها قامت بالاتفاق مع تونس بتخصيص طائرات وسفن خارج مجاليها البري والبحري لرصد قوارب المهاجرين غير النظاميين لإنذار السلطات هناك وإيقاف محاولات الهجرة المنطلقة من السواحل التونسية”.

ونفت الوزيرة في تصريح لصحيفة “إل جورنالي” الإيطالية أن “يكون هذا التحرّك يمثّل حصارا بحريا، لأنّه لو كان كذلك فإنّه سيعتبر حينئذ عملا حربيا”.

رمضان بن عمر: الإجراء الإيطالي مؤشر خطير لانتهاك سيادة تونس
رمضان بن عمر: الإجراء الإيطالي مؤشر خطير لانتهاك سيادة تونس

وأشارت إلى أن تدفقات الهجرة انخفضت في الأيام الأخيرة نوعا ما، مضيفة أنّ الأزمة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الخطيرة التي شهدتها تونس ألقت بظلالها على إيطاليا التي عاشت فترة صعبة جراء ذلك، معتبرة “أنّ تونس بلد آمن ولا يحتاج مواطنوها إلى اللجوء إلى بلادها”.

وترى لامورغيزي بضرورة إنشاء قنوات هجرة منتظمة، من خلال منح تصاريح إقامة مؤقتة مدتها 6 أشهر للمهاجرين الراغبين في العمل في جني المحاصيل الزراعية. وشددت على ضرورة ضمان الأمن الصحي للأقاليم مع تخصيص سفن للحجر الصحي، حيث تقوم السلطات المعنية بتحديد هوية للمهاجرين قبل صعودهم إليها.

ولئن اتخذ الإجراء الإيطالي صبغة أمنية ورقابية لكبح نسق الهجرة المرتفع من الجانب التونسي، فإن أوساطا حقوقية وسياسية تونسية لم تخف تخوفها من أن تصنف هذه الخطوة الأوروبية تونس كبلد غير آمن ونقطة لعبور وإرسال الأدفاق الهجرية غير النظامية نحو أوروبا.

ورأى رمضان بن عمر المتحدث باسم المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، أن “المجال البري والبحري محل مراقبة غير معلنة من الجانب الإيطالي والأوروبي تحت عناوين عدة من بينها تدريب مشترك”. وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “إرسال قوات عسكرية بحرية وجوية لمراقبة السواحل يعكس تشييد الاتحاد الأوروبي لجدار إلكتروني وهي نوعية من الجدران ليس هدفها أمنيا فقط بل هو عنصري وفيها وصف لتونس بالخطورة”.

واعتبر بن عمر أن “الإجراء مؤشر خطير في مسار العلاقات بين تونس والاتحاد الأوروبي وانتهاك لسيادة تونس”، مشيرا إلى أن “هذه المحاولات قد تنجح في منع المهاجرين نسبيا ولكن لن تمنع كليا عمليات الهجرة، وهي حلول قد تأتي بنتائج ظرفية”.

حاتم المليكي: الظاهرة لا تتطلب معالجة أمنية بل معالجة تنموية واقتصادية
حاتم المليكي: الظاهرة لا تتطلب معالجة أمنية بل معالجة تنموية واقتصادية

ويرى مراقبون أن أزمة الهجرة المتفاقمة تتطلب دراسة شاملة في أبعادها الاجتماعية والاقتصادية والأمنية، مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات كل طرف فيها سواء كان مرسلا لقوارب الهجرة أو مستقبلا لها. ويعتبر هؤلاء أن الاقتصار على الدور الرقابي المنتهك للسيادة التونسية كحصار حدودي للسواحل والمياه الإقليمية الخاصة والمشتركة، لن يحل الأزمة المتواصلة منذ عقود بقدر ما سيؤثر على العلاقات الدبلوماسية واتفاقيات الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي عموما.

وأفاد النائب بالبرلمان حاتم المليكي “أن الاتفاقات حول المجال الجوي التونسي تخضع للسلطات التونسية، وظاهرة الهجرة لا تتطلب معالجة أمنية بقدر ما تتطلب معالجة تنموية واقتصادية”. وتابع المليكي في تصريح لـ”العرب”، “على الجانب الأوروبي أن يتعامل مع المهاجرين بعنصر تنموي عبر تمويل برامج المشاريع وتأهيلهم حسب سوق الشغل، كما لا بد أن يكون الاتفاق يحترم حرية التنقل وحقوق الإنسان”، لافتا إلى “وصول قرابة ألف مهاجر مؤخرا من إيطاليا إلى تونس”.

وبرأي المليكي فإن الخطوة الإيطالية تحمل “انتهاكا للسيادة التونسية وانحرافا عن المسار التفاوضي التاريخي منذ سنة 1994 حول الهجرة في علاقة بالحدود الجنوبية للاتحاد الأوروبي”، داعيا إلى “البحث عن حلول بديلة لتنظيم ملف الهجرة، في ظل حالة انفلات جراء العمليات الإرهابية الأخيرة بأوروبا والتي وقع فيها تحميل المسؤولية للإسلام السياسي”.

وخلص المليكي بالقول “يفترض على تونس أن تعود لاتفاقات الشراكة مع الاتحاد الأوروبي واستخدام البحر المتوسط كفضاء اقتصادي واجتماعي مشترك، ومرجعية اعتماد الحل الأمني فيها الكثير من عدم التوازن في التوافق بين إيطاليا وتونس التي زادتها التهديدات التركية في المنطقة تعقيدا”.

وألقت ظاهرة الهجرة غير النظامية بظلالها على مختلف أنحاء أوروبا، فبعد القلق الإيطالي من تفاقم عدد المهاجرين على سواحلها، أبدى الجانب الفرنسي توجّسه أيضا أعقاب العملية الإرهابية الأخيرة بمدينة نيس جنوب البلاد.

والأسبوع الماضي التقى وزير الشؤون الخارجيّة والهجرة والتونسيين بالخارج عثمان الجرندي بوزير الداخليّة الفرنسي جيرالد دارمنان، بمناسبة زيارته إلى تونس، وناقش معه سبل تعزيز التعاون في مجال مكافحة الهجرة غير النظامية وفق “مقاربة تشاركيّة وشاملة تتجاوز الرؤية التقليدية القائمة فقط على البعد الأمني لهذه الظاهرة، وتعالج جذورها العميقة”.

أوساط حقوقية وسياسية تونسية لم تخف تخوفها من أن تصنف هذه الخطوة الأوروبية تونس كبلد غير آمن ونقطة لعبور وإرسال الأدفاق الهجرية غير النظامية نحو أوروبا

وفي السياق ذاته، أعلنت وزيرة الداخلية الإيطالية لوتشانا لامورغيزي عن تشكيل فرق أمنية مشتركة مع فرنسا لمراقبة حركة المهاجرين على الحدود بين البلدين.

وقالت عقب لقاء جمعها بمقر وزارة الداخلية في روما مع نظيرها الفرنسي جيرالد دارمانين، إن “بلادها كثفت مع فرنسا الضوابط الأمنية على الحدود أيضا، وذلك من خلال إنشاء فرق مشتركة بدأت قوات الأمن بالعمل على إعدادها أصلا”.

وحسب لامورغيزي يوجد في إيطاليا 1425 مركزا لإيواء المهاجرين في انتظار ترحيلهم إلى أوطانهم، مشيرة إلى “أنّ العدد الفعلي لهذه المراكز لا يتجاوز 600 مركز لأنّ العديد من المهاجرين يدمرون المراكز عمدا لجعلها غير قابلة للاستخدام”.

4