أزمة كورونا تعري إشكاليات البحث العلمي في المنطقة العربية

تونس - في خضم معركة العالم حول الريادة وخاصة في مجال البحث العلمي من أجل إيجاد لقاح لمرض فايروس كورونا المستجد، تبدو معظم مراكز الأبحاث العلمية والجامعات العربية بعيدة عن السباق، ومع ذلك من الواضح أن الفرصة سانحة اليوم من أجل إعادة تقييم برامج الحكومات والحصص التمويلية المخصصة لهذا المجال الحيوي.
ورغم المحاولات، التي تجريها مراكز بحثية صحية في تونس والسعودية ومصر والإمارات، على سبيل المثال، لمعاضدة المجهود الدولي في المجال الطبي بغية تحقيق نتائج تخدم البشرية، إلا أنها تبقى مجرد مساع قد لا تأتي بنتائج مهمة. وحتى الآن حددت منظمة الصحة العالمية 42 لقاحا يمكن استخدامها في التجارب السريرية ولا توجد أي دولة عربية مشاركة في هذا السباق.
وتمثل العوائق الاقتصادية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحديا للنهوض بالبحث العلمي في المنطقة وجهود التعاون على المستويات العليا، وهو تحد يُحتم التشبيك مع المؤسسات البحثية الرائدة خارج البلاد، فعادة ما تلجأ الجامعات العربية إلى التعاون مع باحثين من الولايات المتحدة وأوروبا نظرا للافتقار إلى شبكة محلية أو عربية تؤسس لشراكات تطويرية في نسق البحث.
لقد كشف تصنيف مؤشر نيتشر لعام 2020 المبني على عدد البحوث المنشورة في مجموعةٍ مختارة من الدوريات العلمية عالية الجودة، عن زيادة معدلات نشر الأبحاث العلمية في مؤسسات بالدول العربية، ولكن ما يثير التساؤل بالفعل هو مدى فاعلية تلك البحوث ومدى الزخم الذي ستعطيه من أجل الدخول في سباق البحث عن دواء لوباء شكل مشكلة كبيرة بالنسبة إلى كبرى مراكز الأبحاث حول العالم.
تظهر بيانات المؤشر الصادرة قبل فترة أنَ جامعات السعودية والإمارات ومصر بالأخص قدمت أداء قويا منذ بداية العام حتى إنَّ إحدى الجامعات السعودية، وهي جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية (كاوست)، حجزت مكانا في قائمة أفضل مئة مؤسسة بحثية على مستوى العالم.
ويرى محللون وأكاديميون وباحثون من جامعات عربية أن هناك درجة من التفاوت بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في واقع البحث العلمي بسبب الظروف السياسية، فقد استطاعت بعض الدول اجتياز هذه المرحلة وبات البحث العلمي فيها على الطريق الصحيح مثل مصر والسعودية والخليج وبعض دول الشمال الأفريقي وذلك طبقا للمؤشرات الدولية التي تشمل إجمالي عدد الأبحاث والبراءات والترتيب في مؤشر الابتكار العالمي.
ثمة عقبتان تواجهان البحث العلمي عربيا؛ الأولى ضعف التمويل، والثانية تتمحور حول الخلل التنظيمي في ربط المؤسسات
وخلال السنوات الأخيرة، اتجهت الأبحاث العلمية إلى التعامل مع المشكلات المحلية فقط، ولا تظهر مشاركاتها إلى العلن مع الدول المتقدمة في هذا المضمار، وهي الدول الأوروبية والولايات المتحدة والصين، وبدرجة أقل روسيا، حيث تركز المراكز البحثية العربية على التعامل مع مشكلات تبدو في نظر السلطات أمرا ملحا، مثل بحوث الطاقة المتجددة والزراعة وكذلك المياه، التي تتأثر بالنصيب الأكبر من التمويل، والتي أغلبها يأتي من الحكومة.
وحتى تساعد في هذا العمل، اتخذت بعض الحكومات العربية خطوات لدعم الابتكار وأنشأت صناديق لدعم المبتكرين من أموال خارج الميزانية السنوية، فضلا عن صناديق أخرى للإنفاق على البحث العلمي، وهو ما يعتبر ثقافة جديدة بالنظر إلى سنوات خلت، خاصة إذا ما تم النظر إلى توفير تلك الدول وبشكل غير مسبوق المراجع العلمية اللازمة بالمجان لمجتمع البحث العلمي.
ورغم تلك الخطوات، ثمة عقبتان رئيسيتان تواجهان البحث العلمي في معظم أنحاء المنطقة العربية؛ الأولى تتعلق بتوفير الميزانية المخصصة للبحث العلمي، ففي معظم الأحيان تكون ضعيفة، أما العقبة الثانية فتتمحور حول الخلل التنظيمي والبنيوي في ربط وزارات التعليم بمجال البحث العلمي.
ويبدو من الملح أن تتجه الحكومات العربية إلى تخصيص وزارات بالبحث العلمي تكون لها ميزانية مستقلة وهو أمر هام لأن التنمية في البلدان العربية باتت تعتمد أكثر من أي وقت مضى على منتج البحث العلمي باعتباره يساعد في وضع توصيات تساعد الجهات المعنية على اتخاذ ما يلزم في ظروف السلم والحرب وحتى أثناء انتشار الأوبئة كما هو الحال مع كورونا اليوم.
ويتفق معظم الباحثين على أهمية العلاقات بين الجامعات ومؤسسات البحث العلمي والتكامل بينهما في كثير من الأمور، إلا أن ذلك لا يمنع من أن يكونا مستقلين من الناحية الإدارية والمالية، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة تحرير مؤسسات البحث العلمي من روتين السياسات الحكومية المقيدة لأنشطتها.
وفي ورقة بحثية نشرها مركز “إسبار” للدراسات والبحوث والإعلام مؤخرا أشار إلى أن عدم الاهتمام بالبحث العلمي يعتبر من أهم أسباب الانهيار الشامل، الذي تعيشه معظم البلدان العربية، مثل اليمن وسوريا والعراق وليبيا، في ظل النزاعات وتقلص في مستوى التعليم فضلا عن تراجع مستوى التنمية، التي دمرتها مافيات الفساد لكونها لا تهتم إلا باختلاس المال العام.
