انهيار أرابتك يهز دعائم قطاع التشييد في الخليج

كورونا ينهي عصرا من النشاط المربح لشركات المقاولات المحلية.
الجمعة 2020/10/09
أرابتك تفقد إشعاعها

عجلت جائحة كورونا وتراجع أسعار النفط العالمية بتهاوي أكبر شركة مقاولات في الخليج، حيث اصطدمت أرابتك بجبل من الإشكاليات كشف عن نموذج عمل غير مستدام اعتمد طيلة عقود على الدعم الحكومي الذي انتهى مع الوباء وتأخر الإمدادات ما سرّع في انهيارها.

دبي - انهارت شركة أرابتك للمقاولات في الخليج جراء توقف تدفق الأموال في ظل إشكاليات هيكلية يعاني منها كامل القطاع العقاري الذي اعتمد طريقة عمل غير مستدامة ما عمق متاعبها في وقت تمتنع فيه البنوك عن إقراض الشركات في ظل التباطؤ الاقتصادي.

قبل ما يزيد قليلا عن ستة أعوام، كان لشركة أرابتك القابضة المدرجة في دبي مستثمرون يحققون أرباحا من ورائها. وفي اجتماع اتسم بالبذخ للمساهمين في فندق سانت ريجيس بأبوظبي، أعلنت شركة المقاولات التي ساهمت في بناء برج خليفة بدبي، وهو أعلى ناطحة سحاب في العالم، عن خطط للإدراج في لندن وهونغ كونغ ونيويورك.

لكن هذه الخطط لم تُنفذ قط. فبعد ضخ سيولة بين 2013 و2017 وتغييرات في الإدارة وتسريح عاملين وعدة جولات لإعادة الهيكلة، قرر المساهمون في أرابتك، والذين من بينهم صندوق مبادلة التابع لحكومة أبوظبي، الأسبوع الماضي أن أكبر شركة مقاولات مدرجة في الخليج يتعين عليها تقديم طلب للتصفية.

وفي نهاية يونيو، كان إجمالي الالتزامات المالية على أرابتك نحو 2.75 مليار دولار، منها 500 مليون دولار اقترضتها من بنوك.

زياد مخزومي: شركة عظيمة عمرها 45 عاما اختفت من على وجه الأرض
زياد مخزومي: شركة عظيمة عمرها 45 عاما اختفت من على وجه الأرض

والتصفية، التي من المرجح أن تؤدي إلى المزيد من تسريح العمال في شركة كانت لديها قوة عمل كبيرة قوامها 40 ألف فرد حتى نهاية العام الماضي، ستكتب كلمة النهاية لمرحلة من الازدهار في نشاط التشييد بالنسبة لشركات المقاولات المحلية.

ونسبت رويترز لزياد مخزومي الذي عمل مديرا ماليا لأرابتك في الفترة من سبتمبر 2008 إلى مارس 2013 قوله “شركة عظيمة عمرها 45 عاما اختفت من على وجه الأرض. من المحزن بشدة أن تختفي شركة أيقونية مثل تلك”.

تضررت الاقتصادات في منطقة الخليج هذا العام بسبب فايروس كورونا وانخفاض أسعار النفط مع تخفيضات في إنتاجه، لكن انهيار شركات تشييد عملاقة مثل أرابتك ومجموعة دريك آند سكل إنترناشونال الهندسية في الإمارات له جذور أعمق.

فقد أشارت مصادر بالقطاع ومحللون ومصرفيون إلى أن بعض شركات المقاولات في المنطقة استخدمت نموذج عمل غير مستدام.

فقد كان المشرفون على هذه الشركات يخفضون الأسعار وأحيانا تكلفة المشروعات عن الشركات المنافسة للفوز بعطاء على أمل تحقيق ربح عن طريق عمل إضافي عندما يبدأ التشغيل.

ويعمل هذا النموذج على فرضية أن الإمداد من مؤسسات تدعمها الدولة في الغالب سيستمر إلى ما لا نهاية، لكنه سرعان ما انهار عندما توقف تدفق الأموال.

وقال مصدر في القطاع رغب عدم ذكر اسمه “لديك من يتعامل معك يمكنه أن يغمرك بالعمل ويجعلك تصبح ملء السمع والبصر، ثم في دقيقة واحدة إذا قررت الدولة لأسباب فنية أو حتى سياسية أو اضطرت لأسباب اقتصادية أن تعلق أو ترجئ المشروعات، فلن يكون هناك أي دعم بعد ذلك. ومن دون أسس ينهار المنزل بأكمله”.

ولم تردّ أرابتك على طلب للتعقيب، فيما امتنعت دريك آند سكل إنترناشونال عن التعقيب.

وفي السعودية المجاورة عانت مجموعة بن لادن في الأعوام الماضية للحصول على دعم من الحكومة مقابل مشروعات خاصة أثناء فترة انهيار أسعار النفط في 2015.

والآن تقوم أكبر شركة تشييد سعودية بإعادة هيكلة ديون تقدر بعشرات المليارات من الدولارات بعدما أخذت الدولة من أفراد عائلة بن لادن حصة 35 في المئة في إطار حملة لمكافحة الفساد شنتها الرياض في نهاية 2017.

ولم تردّ شركة بن لادن حتى الآن على طلب للتعقيب.

وعندما يتعثر نموذج العمل، تكون التداعيات بعيدة المدى. وعلى الرغم من أن البنوك انتهجت أسلوبا أكثر تحفظا في إقراض شركات المقاولات في الآونة الأخيرة، فإن محللين يقولون إن انكشافها على القطاع يظل يشكل أزمة.

وقال محمد داماك أحد كبار المديرين في وكالة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز والرئيس العالمي لشؤون التمويل الإسلامي العالمي بها، إن “شركات المقاولات والشركات التي في سلاسل إمدادها من المساهمين الأساسيين في تكوّن القروض، متعثرة – منذ انهيار أسعار النفط في 2015 وحتى الآن – ونتوقع استمرار هذا الاتجاه”.

وقال مخزومي “المقاولات ليست عملا صعبا.. إذا قمت بالتصميم والتنفيذ والإدارة في الوقت الملائم، فستكون في وضع جيد… إذا لم يدفع الزبون في الوقت المناسب… فستكون في مشكلة”.

جاء قرار أرابتك بالتصفية بعد خسائر في النصف الأول من العام بلغت 216.18 مليون دولار وخسائر متراكمة بلغت نحو 400 مليون دولار. وقالت الشركة إن الجائحة أضرت بمشروعاتها وأدت إلى تكبدها تكاليف إضافية.

وقال وليد المقرب المهيري رئيس أرابتك وهو أيضا نائب الرئيس التنفيذي للمجموعة في مبادلة “على الرغم من جهود السعي لاستحقاقات قانونية وتجارية وإعادة هيكلة ماليات وعمليات الشركة، فإن الوضع الذي وجدت أرابتك نفسها فيه اليوم لا يمكن تحمله”.

بعض شركات المقاولات في المنطقة استخدمت نموذج عمل غير مستدام حيث عولت على الدعم الحكومي إلى ما لا نهاية

وكثيرا ما أدى تكرار تأخر الزبائن في المنطقة عن السداد إلى فرض ضغوط على شركات المقاولات المتضررة بالفعل بسبب انهيار سوق العقارات في دبي في 2008 و2009.

لكن مشكلات تدفق السيولة كان يجري التغلب عليها عادة عن طريق إدارة عدة مشروعات في الوقت نفسه وافتراض أن الإمداد سيستمر لأجل غير مسمى.

وبالنسبة لساتشين كيرور المدير المشارك لمكتب الشرق الأوسط في شركة المحاماة ريد سميث، فإن جزءا من المشكلة يكمن في أسلوب ترسية العقود.

وقال “المهم هو توفير مجال عمل مربح وملائم للمتعاقدين. يتعين على المطورين والمشترين أن يتعلموا تجنب المشروعات التي تُرسى عليها العقود لأنها ببساطة قدمت أقل نموذج أسعار. ينبغي أن يفهموا تكاليف دورة الحياة وأن يرسوا عقود المشروعات على شركات المقاولات وفقا لهذا الأساس”.

وانهيار أرابتك، التي كُلفت بتشييد موقع دبي إكسبو 2020، قد يفرض المزيد من الضغوط على قطاع العقارات والبنوك المحلية.

وحتى قبل انهيار الشركة، كانت ستاندرد آند بورز جلوبال للتصنيف الائتماني قد خفضت بالفعل تصنيف أكبر شركتين للعقارات في الإمارات إلى “مرتفع بالمخاطر” في ظل توقعات بأن إجراءات احتواء جائحة كورونا ستؤدي إلى انكماش اقتصاد دبي بـ11 في المئة هذا العام.

وتمانع البنوك هذا العام في منح شركات المقاولات ائتمانا جديدا في ظل التباطؤ، لكن مصرفيا في دبي قال إن تصفية أرابتك قد تعني المزيد من الخسائر المتوقعة.

وقالت أرقام كابيتال إن بنك المشرق في دبي من أكثر البنوك انكشافا بقرض قيمته 353 مليون درهم (96.11 مليون دولار)، ووفقا لتقديراتها يمكن لبقية البنوك استرداد 37 في المئة فقط من سجل قروضها. وامتنع بنك المشرق عن التعقيب.

وقالت أرقام كابيتال في مذكرة بحثية إن شركات التطوير الكبيرة في الإمارات ستتضرر أيضا.

وأضافت “هوامش المطور ستتقلص على الأرجح في المشروعات الجديدة حيث نتوقع إعادة تسعير عقود التشييد لصالح المتعاقدين، بعدما تبين أن نموذج العمل القائم لشركات المقاولات المحلية غير قابل للاستمرار، ما يؤدي بها إلى الإفلاس”.

11