حسابات معقدة في الخلاف بين قيس سعيد وهشام المشيشي

رئيس الحكومة التونسية يستقوي على الرئيس بتحالف برلماني للدفاع عن صلاحياته.
الأحد 2020/10/04
انقطع حبل الود مبكرا

كشف رفض الرئيس التونسي قيس سعيّد، تعيين رموز النظام السابق في المناصب الحكومية عن خلافات حادة بينه وبين رئيس الحكومة هشام المشيشي الذي اختاره لهذا المنصب، ويتوقع متابعون علاقات متوترة بين الجانبين مع اختيار المشيشي الخروج مبكرا من عباءة الرئيس، واستقواءه بتحالف برلماني قوي تقوده حركة النهضة دفاعا عن صلاحياته في مواجهة سعيّد من جهة، واسترضاء للأحزاب حفاظا على حكومته من جهة ثانية.

تونس – تثير إجراءات أقرها رئيس الحكومة التونسية هشام المشيشي في علاقته بالرئيس قيس سعيد، تساؤلات حول إذا ما كان الطرفان قد وصلا إلى قطيعة نهائية ومآلات ذلك، حيث تتردد على المسامع كثيرا فرضية الدخول في مواجهة شاملة بين الرئيس وذراعه السابقة في وزارة الداخلية.

وتحتم هذه الفرضية التساؤل عن الأسلحة التي يمتلكها كلا الطرفين في مواجهة الآخر حيث يسخر الدستور للرئيس إمكانية ترؤس اجتماعات الحكومة، وهي فرضية مطروحة بشدة من أجل محافظة قيس سعيد على ولاء الوزراء له.

في المقابل، يُرجح أن يذهب رئيس الحكومة إلى الأقصى في مواجهته مع سعيد، الذي كان يأمل في أن يكون المشيشي رجله الطيع، وذلك من خلال إقالة وزراء وتغييرهم دون العودة إلى رئاسة الجمهورية، بالإضافة إلى إمكانية قطع حبل الود معه وتجاهل اللقاءات الأسبوعية التي لا يفرضها الدستور ولكنها تمثل فرصة للرئيس من أجل توجيه رئيس الحكومة.

وتأتي هذه التطورات عقب تجاذبات بين سعيد والمشيشي حيث تذرع الرئيس بتعيينات كان يعتزم رئيس الحكومة إجراءها، وضمت مسؤولين في نظام الرئيس الأسبق والراحل زين العابدين بن علي، لمهاجمة المشيشي.

لطفي العماري: الترويكا الجديدة ستستغل ضعف المشيشي لابتزازه
لطفي العماري: الترويكا الجديدة ستستغل ضعف المشيشي لابتزازه

ويتسلح المشيشي في صراعه مع سعيد بتحالف مع تكتل برلماني قوي تقوده حركة النهضة الإسلامية وائتلاف الكرامة المقرب منها، إلى جانب حزب قلب تونس.

وفي نهاية سبتمبر الماضي، قرر رئيس الحكومة التونسية الرد بطريقته على الرئيس الذي “تلاعب” بمخرجات لقائه مع المشيشي ليبرز نفسه في موقع قوة وهو ينتقد خيارات رئيس الحكومة مستحضرا في ذلك خطابا ثوريا من شأنه أن يعيد البلاد إلى مربع التقسيم بين “ثوريين” و”أزلام النظام السابق”.

وردا على طريقة إخراج الفيديو الذي انتقد فيه قيس سعيد المشيشي أصدر الأخير أوامر إلى وزرائه من أجل إبلاغه بأي تواصل مع رئاسة الجمهورية مشيرا إلى ضرورة إعداد تقرير مفصل حول المواضيع التي يتم التطرق إليها خلال هذه الاتصالات.

وبالرغم من تشديده على أن هذا الإجراء يعود إلى حرصه على أن تكون سياسات الدولة متلائمة إلا أن اللهجة وطريقة اختيار هذه التوجيهات تشي بأن القطيعة تقترب أكثر بين ساكن قرطاج والقصبة.

وأرجع الإعلامي لطفي العماري، أسباب هذا الصراع إلى النظام السياسي قائلا “هذا النظام جعلنا نعيش أكثر من صراع منذ 2011 بين الرئيس ورئيس حكومته.. شهدنا صراعا بين المنصف المرزوقي الرئيس المؤقت ومهدي جمعة والمرزوقي وحمادي الجبالي والباجي قائد السبسي والحبيب الصيد ومن ثم مع يوسف الشاهد”.

وأوضح العماري في تصريح لـ”العرب” أن “قيس سعيد هذه المرة أمعن في إهانة المشيشي لأن سعيد رغم أنه رجل قانون إلا أنه يُعتبر غير ديمقراطي.. يريد أن يستفرد بكل السلطات لذلك يخرج في كل مرة للتونسيين ليذكرهم أن لتونس رئيسا واحدا وهو قيس سعيد”.

ومع تزايد الشكوك التي تُخامر الرأي العام في تونس حول المواجهة بين رئيسهم ورئيس حكومتهم في وضع سياسي يتسم بالتوتر، إلى جانب تدهور الوضع الصحي مع استمرار تفشي فايروس كورونا، تُطرح تساؤلات بشأن حدود المواجهة بين الطرفين.

وفي هذا الإطار، يشدد لطفي العماري على أن هناك انقساما ضرب الحكومة التونسية حيث “هناك وزراء يعتبرون أن سعيد هو من كلفهم وآخرون ملتزمون بتوجيهات المشيشي”.

وأضاف العماري أن “هذه الوضعية جد معقدة حيث هناك ما لا يقل عن 7 وزراء داخل حكومة المشيشي يدينون بالولاء التام لرئاسة الجمهورية وهو ما يشكل حكومة مصغرة داخل الحكومة ما سيفخخ الأجواء التي تعمل في إطارها الحكومة حيث هناك حالة تمرد داخلها”.

ومن جهة أخرى، يقف البرلمان التونسي الذي يتمتع بسلطات قوية هو الآخر حيث بإمكانه الإطاحة بالحكومة.

واقتنصت حركة النهضة الإسلامية (54 نائبا) صراع المشيشي وسعيد لتستعيد زمام المبادرة على الساحة السياسية بعد أن كادت أن تفقدها مع سقوط حكومة إلياس الفخفاخ والضغوط التي كرسها مناوئوها في البرلمان في سياق المحاولات للإطاحة برئيسها راشد الغنوشي من رئاسة مجلس النواب.

وتستعد النهضة للإعلان عن جبهة برلمانية موسعة داعمة للمشيشي متكونة من حزب قلب تونس الذي يرأسه رجل الأعمال وقطب الإعلام نبيل القروي، (30 نائبا) وائتلاف الكرامة الشعبوي والإسلامي بقيادة سيف الدين مخلوف (19 نائبا) وعدد من المستقلين.

ولكن هذه المبادرة ستقابلها تحركات للمعارضة حيث من المتوقع الإعلان عن تكتل معارض يضم الحزب الدستوري الحر برئاسة عبير موسي، وكتلا برلمانية أخرى على غرار كتلة الإصلاح الوطني ما ينذر بمواجهات ساخنة داخل البرلمان.

ويشدد لطفي العماري على أن “هشام المشيشي هدية قدمها قيس سعيد للترويكا الجديدة في البرلمان وبالتالي أصبحت لدينا حكومة مسيسة بخلاف ما أعلن عنه في البداية.. المشيشي بعد أن فقد دعم سعيد لم يجد غير هذا الحزام البرلماني الذي سيستغل ضعف رئيس الحكومة ليبتزه ويفرض عليه شروطا على مستوى تعيينات سواء في الولاة (المحافظون) أو غيرهم”.

2