معرض صور فوتوغرافية يعكس غرائبية العاصمة المصرية

تلتقط عدسة المصوّر الفوتوغرافي المصري أحمد حامد في معرضه المعنون بـ»وسط مش ناو» المنسي من معالم قلب العاصمة المصرية القاهرة، أو ما يُسمى بوسط البلد، مقدّما حالة فنية مغايرة عن السائد تبحث في ما وراء الحنين إلى أمكنة غيرّ الترميم العشوائي ملامحها.
القاهرة - يتسرّب شعور بالأصالة لدى المتجوّل بين لقطات المصوّر الفوتوغرافي المصري أحمد حامد خلال معرضه الأخير عن وسط القاهرة، حيث ركّز الفوتوغرافي الذي يعدّ من المنتمين إلى وسط القاهرة، شعوريا وعمليا، على جوانب أصيلة وغائرة في المنطقة التي باتت تحمل وجوها عدة وانطباعات كثيرة.
وأقام المصوّر الفوتوغرافي المصري معرضا فوتوغرافيا تحت عنوان “وسط مش ناو”، أي وسط القاهرة ليست الآن، في تماس مع هاشتاغ انتشر في مصر قبل أشهر باسم “وسط ناو” اشتبك معه مغرّدون بالنقد اللاذع أو محض المزاح عن حال رواد وسط القاهرة، وطريقتهم المحدّدة في التعبير وقصد العمق في التعبير على نحو رآه كثيرون ادّعاء للثقافة دون قيم حقيقية.
وركّز المعرض الذي تتواصل فعالياته حتى نهاية سبتمبر الجاري بمكتبة وغاليري فلك في غاردن سيتي، على مدخل بناية، أو دائرية درج أو رسم على جدار بناية ثلاثينية قديمة، تعكس روح عصر تال، وتبدو للحاضر كجزء من ماض عتيق، أو مياه تغمر شوارع المنطقة، فتقدّم مشهدا يجمع بين الجمال والقبح، وربما الضبابية.
ورفض المصوّر الشاب التصريح بأن معرضه يحمل وجها اشتباكيا مع الهاشتاغ، أو على نحو أدقّ ما يمثله من انتقاد لحالة مدعية أو غير أصيلة تعكس وجوه التغريب والتشتيت بين المثقفين ومن خلفهم المجتمع، فهو يريد أن يؤخذ معرضه على نحو أبسط من ذلك. وباعتباره منتميا لوسط القاهرة فقد لفتته لقطات عدة، حرّضته على أن يجمع تماثيلها معا في صور مركبة، تاركا الانطباع في معرضه وما يحمله من أفكار للجمهور.
وقال حامد لـ”العرب”، “لم تكن فكرة إقامة معرض عن وسط القاهرة حاضرة في ذهني وقت التقاطها، وجاءت الفكرة في وقت لاحق، وأكثر ما يشغلني دائما ليس حاضر وسط القاهرة، بل كيف ستكون تلك البنايات في المستقبل؟”.
وتشهد منطقة وسط القاهرة تغيرات كبيرة على وقع مشروع تعميري من الدولة، يعمل على طلاء المباني القديمة، وإجراء تعديلات على وجه بعض معالمه، وفي المقدّمة ميدان التحرير الذي شهد ثورة يناير 2011، استنساخا لحالات أوروبية حيث تتداخل أنظمة الضوء مع القطع الأثرية ونافورات المياه والأشجار الزاهية.
غير أن بعض رواد وسط القاهرة من النشطاء والمواطنين اعتبروه طمسا للملامح الأصيلة، التي تستمد أصالتها من آثار التاريخ وألوان البنايات الباهتة والعتيقة.
ولم يحمل معرض “وسط مش ناو” أي لقطة تعكس الأوجه الجديدة التي يحملها وسط القاهرة حاليا، فكافة الصور إما لتماثيله، أو شوارعه العتيقة، أو مداخل مبانيه التي لم يطلها التغيير، ولا يوجد من اللمسات الحديثة سوى مقهى البستان. وهو أحد المقاهي التي تعدّ ملتقى للكثير من رواد المنطقة، وحمل رسومات لمشاهير أمثال نجيب محفوظ وأم كلثوم ولاعب الكرة محمد صلاح، على نحو استدعى الإعجاب وليس النقد.
وأوضح المصوّر الفوتوغرافي أنه قصد ذلك تماما، ما يعكس جانبا من الاسم “وسط مش ناو”، لكن بأوجه عتيقة مهددة.
صور المعرض تعكس حالة البحث عن روح وسط القاهرة ماضيا، وصراع بعض معالمها مع الزمن من أجل البقاء
وفي مجموعة من صور المعرض التقط رسمة عن مدرس ألعاب على جدار بناية، والرسمة موجودة منذ سنوات وربما عقود، لكنها أحدث من عمر البناية نفسها.
اللافت أن البراح الموجود أمام مدرس الألعاب في الصورة أقل بكثير ممّا خلفه، وربما يمنح ذلك رسالة متشائمة أن القادم ليس كثيرا، ويعكس الاضطراب والقلق.
وحول التغير الذي تشهده المنطقة من وجهة نظره كفوتوغرافي، قال “قرأت حول ذلك، ووجدت أن للترميم أكثر من مدرسة، إحداها تحافظ على وجه المباني العتيقة قبل ترميمها، وأخرى ترى إعادتها لهيئتها الأولى حين دُشنت قبل أن يترك عليها الزمن آثاره، ما يحدث في وسط القاهرة أو قصر البارون (شرق العاصمة في ضاحية مصر الجديدة) ليس خطأ، لكنه يصيب صدمة المتلقي لأنه اعتاد على المظهر قبل الترميم”.
وأشار حامد إلى أن أكثر ما يشغله ليس ما تبدو عليه تلك المباني من الداخل، أو ترميمها خارجيا، بل مدى انعكاس الاهتمام بالجوهر والداخل، هل تتمّ صيانة شبكة الصرف الصحي في المباني العتيقة كي لا تتسرّب إليها المياه وتصبح مهددة بالإزالة، هل يوجد حرص للمحافظة على وجودها مستقبلا.
وانتقل المصوّر من اللقطات الجزئية التي تقدّم رسائل محددة إلى الفانتازيا باستخدام تقنية “الكولاج”، وهي تعني في التصوير الفوتوغرافي دمج عدة صور في صورة واحدة، بهدف ما، وبعد إجراء تغييرات معينة.
واستخدم الفوتوغرافي، الذي أقام معرضين أحدهما عن اللاجئين، وحاز عدة جوائز وعمل رئيسا لقسم الوسائط المتعددة في أحد المواقع الصحافية، الكولاج في إقامة حفل متخيل لتماثيل وسط القاهرة “أسدي قصر النيل” و”طلعت حرب” و”محمد فريد” وغيرها، داخل أحد قصور وسط القاهرة.
مثل تمثال أسد قصر النيل بعين واحدة، فيما الأخرى تشوّشها ضمادة تعكس ضبابية الرؤية أو جزئيتها، وربما تلقاها البعض كرثاء ضمني لوضع الميدان الحالي، حيث كان التمثال الذي أصيب في عينه ذاته الذي يرمي بنظره صوب ميدان التحرير.
واختلف رواد المعرض في تلقي الرسائل أو الإعجاب، فالبعض رآه محض لقطات معادة وتقليدية، فيما رأى مصوّر الشارع مصطفى الشوربجي أن المعرض نجح في تجسيد حالة الغرائبية والإرباك التي تعيشها منطقة وسط البلد، وتتعداها إلى حال النخبة والمثقفين المرتبطين بتلك المنطقة.
وأوضح الشوربجي لـ”العرب” أن المعرض نجح في تصوير انعكاس الواقع على المدينة في طريقة تعليق الصور التي جاءت باعوجاج وغير مستقيمة.
وفي ممرّ يربط بين شارعي قصر النيل وطلعت حرب الشهيرين بوسط القاهرة، يجلس شيخ ملأ رأسه الشيب على كرسي وسط الميدان، وانكفأ على آخر، ويرتدي جلبابا أبيض خالعا نعليه، ويحتار الناظر إليه: هل هو مرهق جراء يوم طويل أم يرثي حالا ما؟
