النهضة أمام تحدي إخراج رئيس الحكومة المكلف من جبة قيس سعيّد

تونس - تكثف حركة النهضة الإسلامية في تونس من ضغوطها على رئيس الحكومة المكلف هشام المشيشي من أجل إخضاعه لمشيئتها والذهاب نحو حكومة محاصصة حزبية تحول دون أن يصبح المشيشي رجل ظل الرئيس قيس سعيّد وهو ما يجعل النهضة تستعيد زمام المبادرة في الساحة السياسية.
وترجمت تصريحات رئيس الحركة راشد الغنوشي، الذي واجه مؤخرا شبح الإطاحة من رئاسة البرلمان، مخاوف الحركة الإسلامية من إقصائها من الحكومة المُقبلة.
والخميس، قال الغنوشي من مقر حزبه بالعاصمة، إن “الدعوات إلى إبعاد النهضة وحزب قلب تونس من الحكومة القادمة تكشف الخطر المحدق بالديمقراطية”.
ويرى مراقبون أن النهضة (54 نائبا) وجهت من خلال حديث الغنوشي إنذارات للمشيشي الذي لم تتضح بعد، ورغم مرور أسبوعين على تكليفه، طبيعة حكومته (حكومة كفاءات مستقلة أو محاصصة حزبية).
وبموازاة استمرار المشاورات الحكومية، حيث يمنح الدستور التونسي مدة شهر للمكلف بتشكيل الحكومة من أجل إدارة المشاورات مع الأحزاب والأطراف الفاعلة قبل عرض فريقه على جلسة عامة للبرلمان، تحاول العديد من الأحزاب الدفع نحو تشكيل حكومة لا مكان فيها للنهضة التي حملوها مسؤولية العطالة التي تعيش على وقعها البلاد اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا.
ولكن ذلك لا يبدو سهلا، فحركة النهضة تمثل قوة برلمانية ضاربة متسلحة بتحالف يضم قلب تونس (ليبرالي، 27 نائبا) وائتلاف الكرامة (شعبوي إسلامي، 19 نائبا) ما يضمن لها 100 صوت بخلاف عدد من المستقلين وتبدو أنها قادرة على استمالتهم.
في المقابل، تشير مصادر مقربة من المشاورات الحكومية إلى أن المشيشي ينوي المضي قدما نحو تشكيل حكومة كفاءات مستقلة وعرضها على البرلمان ووضع الأخير ومكوناته أمام الأمر الواقع: فإما منح حكومته الثقة أو حل المجلس النيابي والذهاب إلى انتخابات برلمانية مبكرة.
هذا الواقع السياسي الذي فرضه الرئيس قيس سعيّد بتكليفه المشيشي حتّم على النهضة أيضًا التعويل على حلفائها لمهاجمة المكلف وطريقة إدارته للمشاورات الحكومية في محاولات لاستدراجه وجعله يرضخ لإملاءات الحركة الإسلامية.
ويبدو أن الأمور بدأت تسير نحو طريق مسدود حيث فرضت حالة الفوضى السائدة في البرلمان، في ظل تجاذبات بين الحزب الدستوري الحر (معارض، 16 نائبا) والنهضة، إيقاعها على المشاورات الحكومية.
وبالرغم من تفاؤل العديد من الأطراف الداعمة للمشيشي منذ تكليفه، إلا أن أطرافا أخرى تؤكد على أنه من الصعب ضمان الغالبية المطلقة (109 من مجموع 217 صوتا) لنيل الحكومة ثقة المجلس النيابي في ظل الصراعات القائمة.
وفي تصريح لـ”العرب” قال مصطفى بن أحمد، رئيس كتلة تحيا تونس في البرلمان (10 نواب)، إن “النهضة تفعل ما تريد.. هي فقدت زمام المبادرة منذ سقوط حكومة الحبيب الجملي باعتبارها الحزب الأول في الانتخابات. الآن المبادرة عادت إلى رئيس الجمهورية”.
وأضاف بن أحمد أن “هشام المشيشي يتجه نحو تشكيل حكومة كفاءات مستقلة وتقليص لأعضاء الحكومة.. فإذا نال فريقه الحكومي ثقة المجلس فجيد وإذا أخفق في ذلك فإننا سنذهب إلي انتخابات برلمانية مبكرة”.
والجمعة قال رئيس كتلة الإصلاح الوطني بالبرلمان حسونة الناصفي إن “لا أحد قادر على تجميع الـ109 صوت للحكومة في ظل التشتت الذي تعرفه الساحة السياسية” رافضاً بذلك تصريحات الغنوشي بشأن إشراك قلب تونس في الائتلاف الحكومي المقبل.
وأضاف الناصفي، خلال تصريحات لوسائل إعلام محلية علق فيها على مواقف حركة النهضة التي اعتبرت بمثابة الإملاءات، أن “النهضة حتى وإن كانت الحزب الأول في الانتخابات الأخيرة فإنها لا تمثل الغالبية داخل البرلمان وهي عاجزة على تكوين غالبية مريحة للحكومة المقبلة”.
وبعد فشل العديد من الأحزاب في تونس في معالجة التحديات الراهنة دخلت البلاد في أتون أزمة سياسية خانقة وتضاعفت المطالبات بضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية أو حكومة كفاءات مستقلة تبتعد عن حسابات الأحزاب.
وباتت حركة النهضة في مرمى انتقادات لاذعة من جلّ مكوّنات المشهد السياسي في تونس لاسيما بعد سقوط حكومة إلياس الفخفاخ. وكان ابتزاز النهضة للفخفاخ قد أرغمه على الاستقالة في وقت سابق وهو ما جعل العديد من الأحزاب تتحرك على أكثر من صعيد لحشر النهضة في زاوية بعيدة عن الحكم.
ومنذ تكليف قيس سعيّد لهشام المشيشي تصاعدت الدعوات إلى إبعاد النهضة من الحكم وإرساء هدنة سياسية واجتماعية تجعل من أولويات رئيس الحكومة المكلّف معالجة الملف الاقتصادي حيث ترزح البلاد تحت وطأة أزمة خانقة.
وكانت رئيسة الحزب الدستوري الحر (16 نائبا)، عبير موسي، أول المقاطعين للمشاورات الحكومية احتجاجا على تشريك النهضة فيها مشترطة على الفخفاخ إبعاد الحركة الإسلامية من أجل التصويت لصالح حكومته.
في المُقابل، تطالب الكتلة الديمقراطية (تضم حزبي التيار الديمقراطي وحركة الشعب، 38 نائبا) بتشكيل حكومة دون النهضة “التي ابتزّت كل الحكومات بعد ثورة يناير 2011”.
ودخل الطرفان، الكتلة الديمقراطية والنهضة، في مواجهة قوية بعد جهود قادها حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب، إلى جانب أحزاب أخرى، للإطاحة برئاسة راشد الغنوشي للبرلمان وذلك في سياق الردّ على ابتزاز النهضة للفخفاخ.
ومع تقدم المشاورات لا يزال الأمل يحدو الأحزاب السياسية في أن يكشف المشيشي النقاب عن طبيعة حكومته من أجل تحديد موقف نهائي من التصويت لها من عدمه.
في أثناء ذلك، تواصل النهضة اللعب على كل الحبال من أجل الإمساك بخيوط اللعبة السياسية مجددا في تونس وذلك لن يتحقق إلا من خلال الحيلولة دون أن يكون المشيشي “رجل ظل” قيس سعيّد وجعله يرضخ لإملاءات الحركة الإسلامية.
اقرأ أيضاً: "بيع الوهم" تجارة الحكومة التونسية لشراء السلم الاجتماعي