"ليه لا".. خليط بين صراع الأجيال والتمرّد على التقاليد المتوارثة

مسلسل "ليه لا" دراما تنغمس في صراع الأجيال ومحاولة الآباء فرض وصايتهم وتصوّراتهم عن الحياة على أبنائهم، مع حشوها بتفاصيل جريئة تدعو الشباب للتمرّد على التقاليد المجتمعية، والانطلاق في الحياة دون خوف من العقبات، وتحمل تشجيعا على كسر الكثير من المحرمات والمسلمات التي تعيق التطوّر.
لا يخرج المسلسل المصري “ليه لا” عن عالم الأنثى المتحرّرة، والذي ترسمه مؤلفته الكاتبة مريم نعوم في أعمالها الفنية، لكنه حمل الجديد في ما يتعلق بمساحات الحرية التي تطالب بها، لترسم صورة لمجتمع شبه غربي في علاقاته بين الجنسين، وقصف لجبهة قيود الأسرة على الأبناء.
ويدور العمل الذي تبثه شبكة “شاهد دوت نت” كأول مسلسل يعرض حاليا بعد الموسم الرمضاني، وتستعد قناة “أم.بي.سي – مصر” لعرضه قريبا، عن قصة عاليا (الفنانة أمينة خليل)، الفتاة الثلاثينية التي تهرب يوم عقد قرانها من شريف (الفنان هاني عادل) بعد عام من الخطبة، وتبدأ في التمرّد على حياتها السابقة.
وتمثل القصة التي كتبتها ورشة بإشراف ناعوم امتدادا لأفكار الأخيرة المتمرّدة على العادات والتقاليد المنبثقة من تأثرها بنمط الحياة الغربية التي عاشتها في نشأتها المبكرة في الولايات المتحدة، ثم دارسة الاقتصاد في فرنسا، قبل أن تعود إلى مصر وتتخصّص في كتابة السيناريو.
وتجعل القصة البطلة نموذجا لصراعات الأجيال بين الأبناء والآباء والأجداد، فعاليا الحالمة بالحياة والحب والسعادة تعاني من والدتها المتسلطة سهير (الفنانة هالة صدقي) التي ترى أن البنت لا يجب أن تظل رهينة المنزل وألّا تتمتع بالحرية إلا بعد الزواج، والجدة (الفنانة نهير أمين) المحافظة على مبدئها في الحياة بـ”اكسر للبنت ضلعا ينبت لها 24 أخرى”.
ويعتبر العمل القهر الأسري ميراثا، نتوارثه من جيل إلى آخر، فالجدة مارست التضييق على بنتيها حتى وصلت واحدة منهما إلى سن الخامسة والأربعين دون زواج، والثانية نقلت القهر ذاته إلى بنتيها، وكلتاهما تتبادلان الاتهامات حول السبب لما وصلت إليه الحفيدة المتمرّدة من تصرفات أساءت إلى سمعة الأسرة من وجهة نظرهما.
مبررات ضعيفة
لا يعطي العمل مبررا لهروب البطلة وقت عقد القران والمشاعر المتضاربة التي ظهرت على وجهها بين السعادة والحزن والأمل والخوف، ولم يقدّم على مدار الحلقات التالية، ما يدفعها إلى ذلك السلوك، فالعريس كان صديقا للعائلة وكثير المآثر.
وقال نقاد، إن مشهدا مفصليا كهروب العروس، تعتمد قصة المسلسل كله على تداعياته، كان يحتاج إلى عناية خاصة، بالاعتماد على “الفلاش باك” كاستعادة مواقف سلبية للعريس يدفع زوجته المستقبلية إلى اتخاذ تلك الخطوة الجريئة، بأن تتذكّر اعتراضه على عملها أو قراءة أخيرة لأفكاره حول حريتها، لكن المسلسل اكتفى بالهروب فقط دون أي مبرّر.
واتسم ردّ فعل الأسرة على هروب ابنتها من الزفاف بعدم المنطقية حينما وجدت بفستان الزفاف جالسة أمام المنزل، ببرود وهدوء والتماس أعذار وانتظار لمعرفة السبب والتبرير بخوفها من الزواج، رغم وجود أم وجدة متسلطتين، والعم نبيل (الفنان محسن محيي الدين) الذي يمارس حقوق الأبوية في الإنفاق المالي أو اتخاذ القرارات، بعد وفاة شقيقه.
وتكشف المقدّمة الغنائية للعمل محاور قصته الأساسية عن الفتاة القوية التي لا يجب أن تنكسر، وأن تتحدّى الظروف والمجتمع من أجل تحقيق حلمها، لكن ما تعرّضت البطلة له من متاعب لا يتضمن معاناة شديدة تثير التعاطف، كانتقالها من بيتها الرحب في حي الزمالك الراقي بالقاهرة، إلى شقة في وسط القاهرة ورغم تواضعها لكنها تصلح مسكنا للمقتدرين أيضا.
ولم يجعل العمل حياة شاقة للفتاة الثلاثينية بعد طردها من مصنع الملابس الذي تعمل فيه كموظفة، رغم امتلاك والدها الراحل نصف رأسماله، في محاولة من عمها لإجبارها على الخنوع والرضوخ، حتى عملها كسائقة في شركة للنقل الذكي بسيارتها الخاصة جاء هامشيا، فسرعان ما انتقلت إلى العمل في التصوير الفوتوغرافي لصالح شركة كبيرة للأزياء.
ويضمّ المسلسل جرأة غير معتادة بتفاصيل الحياة التي يرصدها منذ استقلال البطلة عن أسرتها بنمط علاقات سريعة مع الرجال، سواء الصداقة مع جارها في الشقة السفلية بعد تعارفهما في موقف يتعلق بانقطاع المياه، أو صداقة مع شاب آخر بعد لقائه صدفة في مطعم، أو حتى استقبال ابن عمها في شقتها دون اعتبار لحديث الجيران، كلها تصرفات تبدو منافية للكثير من العادات المجتمعية.
ناعوم الثائرة
يتضمّن العمل الكثير من أنماط الحياة الغربية، مثل الدكتور حسين (الفنان محمد الشرنوبي) مدرس علم المصريات العائد من كندا، الذي كان يقيم مع صديقته في شقة واحدة دون زواج، أو هالة (الفنانة شيرين رضا) المرأة التي تبلغ من العمر 45 عاما وتدخل في علاقة عاطفية مع شاب من مرؤوسيها في العمل، يصغرها بعشر سنوات ويتبادلان القبل في مركز اللياقة البدنية.
فقد المسلسل سخونة الأحداث مبكّرا، بصورة لا تتماشي مع انتمائه إلى نوعية الـ15 حلقة، ليتفنّن في إضاعة الوقت، ويصبح شبيها بالفيلم التسجيلي لمخرجته مريم أبوعوف التي انغمست في كادرات طويلة تتّبع فيها حركة البطلة في شوارع وسط القاهرة، وتنقلاتها بين فاترينات المحال التجارية، ومحاولة إظهار تمتعها بحياة الاستقلالية المستجدة حتى لو كانت تعاني إفلاسا ماليا.
ابتعدت مريم ناعوم في مسلسل “ليه لا” عن انحيازها التام لأبناء الطبقتين الفقيرة والمتوسطة لصالح الطبقة الأعلى، ربما لتوصيل رسالة بأن المرأة المصرية تتعرّض داخل مجتمعها للظلم، أيا كان مستواها الاجتماعي، فلا فارق بين الغنية والثرية في قيود العادات والتقاليد أو تعرّضهما للإجبار على الزواج، عبر المعايرة بالتأخّر في قطار الزواج والمطالبة بلحاق قطار الإنجاب.
واعتمدت ناعوم، على عامل الصدفة لتغيير حياة البطلة نحو الأفضل بورود بريد إلكتروني إليها من منظمة معنية بحقوق المرأة في بريطانيا بشروط مسابقة نسائية لتغيير حياة النساء إلى الأفضل جوائزها 20 ألف جنيه إسترليني، لكنها تتضمّن شروطا تتعلق بتحرّر المشتركات بإقامة منفردة عن منزل الأسرة والاعتماد على الذات، ما يجعل التغيير نفعيا لصالح المادة وليس بهدف إيمان بقضية في المقام الأول.
ربما تكون أمينة خليل المستفيدة من العمل الذي يعطيها مساحة واسعة لإظهار قدراتها التمثيلية بحركة الجسد، وهي منطقة محبّبة لفنانة شاركت كثيرا في الأفلام التسجيلية الناجحة، وتلميذة للمخرج الراحل محمد خان، الذي اعتمد عليها كثيرا في تجاربه الإنسانية ومن أهمها نذكر فيلمي “عشم” و”المنور”.
ويدافع أبطال المسلسل عن العمل وفكرته باعتباره يتناول موضوعات موجودة داخل كل بيت مصري، لكنه عمل مصنوع بذوق وإحساس، وتجسيد للصراع بين التشبّث بالتقاليد حتى لو كانت بالية، والرغبة في التجديد حتى وإن تضمّن مخاطرة كبيرة.
ويقول الفنان محسن محيي الدين، إن الفكرة الرئيسية للعمل هو الصراع بين الأجيال ومحاولة كل جيل إلغاء التالي له، ومناقشة الأطر الفكرية التي يرتكن إليها كل منها في إثبات وجهة نظره، وأخطاء الآباء في التربية.
ويقدّم العمل قصفا لازدواجية قطاع من الأمهات، فسهير لم تعط ابنتها فرصة لدخول المطبخ، فطوال حياتها تنتقد عدم قدرتها على الطهي، وتعتبر هروبها من الزواج في صالح الزوج الذي كانت العناية الإلهية في رعايته بمنع ارتباطه من امرأة فاشلة.
وأثار دفع مخرجة العمل بمشاهير مواقع “تيك توك” و”سناب شات” في بعض المشاهد انتقادات الجمهور وقطاع من الممثلين حول كيفية الدفع بمجهولين إلى الشاشة في وقت يتعطل فيها المجاميع “الكومبارس” من ذوي القدرات في منازلهم.
ويسعى العمل الذي يلخّص حياة بطلته طوال عام كامل في 15 حلقة على ضرورة رسم خطوط حمراء لمساحة تدخل الأسر في حياة أبنائهم حتى لا يصلوا بهم إلى نقطة اللاّعودة، وأن يتمّ منحهم هامشا من الحرية يشعرهم بكيانهم ووجودهم وسعادتهم.