أوبرا دمشق تنهي الحجر وتعرض حفلاتها على النت

حركة النشاط الثقافي والفني تعود تدريجيا للظهور في دمشق بتنظيم حفل موسيقي يتم بثه مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في خطوة غير مسبوقة.
الخميس 2020/06/04
الحفل يحمل رسالة محبة وسلام إلى العالم (صور من البروفة)

بعد زمن عاش فيه المبدعون عبر العالم حالة من الحجر الصحي الإلزامي بسبب تفشّي فايروس كورونا المستجد يتحرّك هؤلاء متجاوزين الحالة مستفيدين من لغة العصر التقنية باستخدامهم شبكات التواصل الاجتماعي لإيصال إبداعهم إلى الجمهور. في دمشق حضرت التجربة بكامل تفاصيلها من خلال حفل موسيقي يتم بثه مباشرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي في خطوة غير مسبوقة.

منذ أن تفشى وباء كورونا في العالم ونشر خارطته العبثية المظلمة، تأثرت الحياة الثقافية والفنية وتعطلت الآلاف من المشاريع الفنية. وفي المشهد الثقافي السوري وتحديدا في دار أوبرا دمشق وتماشيا مع الحدث العالمي فقد تعطلت كل البرامج الفنية التي كان مزمعا تنفيذها بدءا من أواسط شهر مارس الماضي. وفقد المشهد الثقافي السوري بذلك المنبر الأكثر تميزا الذي كان يقدّم أنواع الفنون من مسرح وسينما وتشكيل وموسيقى لكل أطياف الناس، وهو المنبر الذي كان يحفل في كل يوم بجمهور عريض يتابع الأعمال الإبداعية الجديدة بشغف وشوق.

ومع تراجع حالة الحجر التي جثمت على  أمزجة الناس واستمرت لمدة تقارب السبعين يوما، بدأت الأمور بالتراخي لتعود الحياة إلى طبيعتها  تدريجيا ولتنطلق حركة النشاط الثقافي والفني في الظهور مجددا، والحفل الأول في هذا الحراك يقام مساء اليوم الخميس للفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية. حيث يكون الحفل باكورة إنتاجات دار الأسد للثقافة والفنون (أوبرا دمشق) في مرحلة ما بعد تفشي وباء كورونا.

ويتضمن الحفل مجموعة من المؤلفات الموسيقية والغنائية، كذلك عرض فيديو على شاشات كبيرة في صدر المسرح حيث تعرض فيه مشاهد صامتة عن بعض الأعمال التي توثّق ما تمّ القيام به في مواجهة كورونا. كما سيتم تقديم لوحات من رقص السماح المرافق للغناء وسينقل الحفل في بث مباشر عبر شبكات التواصل الاجتماعي، وربما بعض القنوات التلفزيونية.

“العرب” زارت الدار لتحضر جزءا من بروفات الفرقة وتحاور المايسترو أندريه معلولي مدير عام دار الأسد للثقافة والفنون الذي تحدّث عن الحفل والرسالة التي تريد الدار إيصالها من خلاله، قائلا “وباء كورونا حجّر على الجميع وتسلّط على الناس وسبّب حالة من الحزن والكآبة، فعندما أغلقت كل المسارح ودور السينما والمنتديات والمطاعم والملاعب وغيرها أصيب الناس بإحباط شديد وولدت طاقة سلبية كبيرة، واعتقدوا أن الأمور انتهت على هذا الحال السيء، وكان لا بد من مقاومة هذا الوباء والمنعكسات السلبية التي أوجدها”.

عدنان فتح الله: هدفنا الأول إقامة حفل موسيقي حتى دون جمهور
عدنان فتح الله: هدفنا الأول إقامة حفل موسيقي حتى دون جمهور

ويضيف “الحكومة قامت عبر وزارة الصحة والجهات المعنية بما يخصها مهنيا لكي تقاوم الوباء، لكن للمبدعين دورا هاما أيضا، فلا يكفي المكوث في البيوت بانتظار نهاية الأمر، إضافة إلى أن علاقتهم بالمسارح ومنابر التواصل مع الناس تحقّق لديهم الجو الخلاّق، وبالتالي المزيد من الإبداع الجديد والجميل.

لذلك كنا نرى أن الجهود الحقيقية لمقاومة كورونا تقوم على تضافر جهود الجميع. فوزارة الصحة لها شؤونها وكذلك للمؤسسة الإبداعية مهامها، وهي التي من خلال تواصلها مع الجمهور بالمزيد من الحفلات والإبداع إنما تخلق لديه مناعة مزاجية جماعية تساعد في استتباب المناعة الصحية”.

ومن هناك اهتمت وزارة الثقافة السورية بالموضوع وخطّطت مع الفرقة منذ بداية شهر رمضان المنقضي لإقامة حفل يكون بمثابة تجربة في طريق عودة الأمور إلى طبيعتها.

ويضيف معلولي “ها هو يتحقّق الحفل كخطوة متقدّمة لتجربة أنجزت خلال فترة الحجر، تمثلت ببث مجموعة من الحفلات الموسيقية التي أقيمت سابقا في الدار، وكان تفاعل الجمهور معها كبيرا وهذا ما نسميه رجع الصدى الطيب الذي شجعنا على تقديم الأفضل.

لذلك تقرّر أن تكون هناك حفلات موسيقية لعدة فرق في العديد من الأماكن، منها المشافي التي سنقدّم في باحاتها عروضا موسيقية خلال أيام لكي تساعد المرضى في دعم طاقاتهم النفسية، وبالتالي خلق طاقة إيجابية لديهم تساعد في شفائهم السريع”.

ويقام الحفل الليلة في القاعة الكبيرة في دار الأوبرا وتقدّمه الفرقة الوطنية السورية للموسيقى العربية بقيادة المايسترو عدنان فتح الله عميد المعهد العالي للموسيقى بدمشق الذي حاورته “العرب”، فقال عن جوهر فكرة إقامة الحفل في هذا التوقيت “من خلال ألم مرحلة الحجر الصحي العام  تولّدت لدى وزارة الثقافة السورية الثقة التامة بأن الحياة الثقافية هي الحصن الذي يحمينا، فأوجدت منظومة من النشاطات تحت شعار خليك بالبيت. فقدّمت فعاليات في التشكيل والسينما وكذلك في الموسيقى من خلال الفرقة السيمفونية السورية وكذلك أوركسترا صلحي الوادي وفرق كورال، وتم كذلك بثّ تسجيلات موسيقية أقيمت سابقا”.

ويضيف “إلى أن وصلنا إلى الحفل الذي نقيمه الليلة. حفل يحمل رسالة المحبة والسلام إلى العالم. والرسالة الأهم التي نهدف إلى إيصالها هية أن إنسان هذه الأرض الذي احتفى بالموسيقى وقدّمها منذ أكثر من عشرة آلاف عام، ما زال حريصا على تقديمها بالشكل الذي يحمل معاني السلام والمحبة لكل الناس. كذلك يحمل الحفل معاني الشكر لكل من قدّم جهدا في سبيل مقاومة وباء كورونا ومحاصرته”.

وبعد فترة الحجر الطويلة نسبيا، وإثر الابتعاد عن المسارح والعزف كان حماس العازفين لتقديم الحفل حارا، كما يبيّن عدنان فتح الله مايسترو الفرقة “كان الهدف الأول إقامة حفل موسيقي حتى دون جمهور في الظهور الأول، على أن يكون خطوة لتحقيق العديد من الحفلات قريبا بحضور جمهور جزئي، يقارب ثلث عدد المقاعد الأساسية، لذلك خطّطنا لعدد من الحفلات القادمة التي ستلي هذا الحفل الاستثنائي، كونه الأول”.

وتحضر في الحفل موسيقى تراثية وكذلك موسيقى وطنية شعبية في توليفة خاصة بالحدث، كما يبيّن فتح الله قائلا “رأينا أن نقدّم خلال ما يقارب الساعة حفلا موسيقيا فيه العديد من الأشكال الموسيقية المختلفة بحيث نحقّق ما يتّسق مع هوية الفرقة في الموسيقى العربية، وأيضا ما يتّسق والغاية من الحفل. لذلك تقرّر أن نقدّم موسيقى آلية هي ‘لحن الخلود’ للموسيقار فريد الأطرش، وكذلك موشحا تراثيا لأبي خليل القباني ‘ما احتيالي’، ثم عددا من الأغاني الوطنية الشعبية الخفيفة التي قدّمناها من وجهة نظر أوركسترالية، منها ‘عزي’ و’بلادي سوريا’ و’راياتك بالعالي يا سوريا’ وغيرها.. وكلنا أمل في أن تعود الأمور إلى طبيعتها قريبا وتعم الحفلات الموسيقية الأرجاء كما كانت، ومن ثمة تستعيد الأوبرا توهجها”.

16