كورونا يعمق أزمة الخادمات المنزليات في تونس

تطوير المنظومة القانونية للخادمات بالمنازل يساعدهن على الاستقرار الأسري.
السبت 2020/05/30
استقرار مفقود

تسعى السلطات الرسمية في تونس إلى دعم وتطوير المنظومة القانونية الخاصة بالخادمات في المنازل بغاية حمايتهن وتسريع الانضمام إلى المواثيق الدولية الضامنة لحقوقهن، وذلك عبر مراجعة مجلة الشغل والانضمام إلى اتفاقية منظمة العمل الدولية عدد 189، مما يتيح لهن العيش في استقرار وإعالة أسرهن في وضعيات آمنة.

أطلقت وزارة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن برنامج دعم الخادمات المنزليات خلال أزمة كورونا عن طريق جمعيات القروض الصغيرة وذلك عبر وضع خط تمويل خاص بالخادمات المنزليات لمواجهة الجائحة وبمقتضى اتفاقية شراكة تمّ إمضاؤها بين الوزارة والبنك التونسي للتضامن والجمعية المهنية التونسية لمؤسسات التمويل الصغير.

وتعدّ هذه الاتفاقية الأولى من نوعها لفائدة الخادمات المنزليات، وستكون المنطلق لتوفير معطيات وإحصائيات دقيقة حول هذه الفئة، وفق ما أكدته أسماء السحيري وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن، مبيّنة أنّ هذه الاتفاقية ستمكن من منح قروض ميسرة لفائدة هذه الفئة قيمتها ألف دينار مع فترة إمهال بشهرين.

وأشارت الوزيرة إلى أنها  تتنزّل في إطار استراتيجية الوزارة لدعم وتطوير المنظومة القانونية الوطنية لحماية الخادمات بالمنازل وتسريع الانضمام إلى المواثيق الدولية المنظمة لهذه المسائل عبر مراجعة مجلة الشغل والانضمام إلى الاتفاقية عدد 189 لمنظمة العمل الدولية.

وقالت أسماء السحيري وزيرة المرأة والأسرة والطفولة وكبار السن “إن من أولويات الوزارة، خلال المرحلة المقبلة، النهوض بالفئات الهشة من النساء، خاصة من الخادمات  في المنازل، وذلك من خلال إعداد مشروع قانون يحمي حقوقهن”.

وبيّنت السحيري، لوكالة تونس أفريقيا للأنباء، أن الوزارة ستعمل أيضًا على النهوض بالفئات الهشة الأخرى من النساء، على غرار الريفيات وذوات الحاجيات في مجال التمكين الاقتصادي والاجتماعي، وهو ما أعدت له الوزارة برنامجًا، وفق قولها، على هامش أشغال ندوة بمركز البحوث والدراسات والتوثيق حول المرأة، لتقديم نتائج دراسة بعنوان “عاملات المنازل: المسارات، المعيش والتموقع الاجتماعي”.

جل الخادمات يعانين من فقدان مواطن الشغل وحتى المقيمات منهن استغنى عنهن مشغليهن، ما خلق أزمة مالية أدت إلى ضياعهن

كما أكدت شيماء عيسى مكلفة بمهمة بديوان وزيرة المرأة أن ضمان حقوق الخادمات  بالمنازل هو هدف السلطات الرسمية في تونس، وذلك بمراجعة مجلة الشغل والانضمام إلى الاتفاقية العالمية الخاصة عدد 189.

وقالت في تصريح خصّت به “العرب” إن عدد الخادمات المنزليات في تونس يبلغ 40 ألف يعملن في القطاع غير المنظم، مشيرة إلى أن العدد المعلن عنه لا يعكس حجمهن الحقيقي حيث يصعب حصر عددهن باعتبارهن لا يعملن في القطاع المنظم.

وأضافت أن أغلبهن يعانين من فقدان مواطن الشغل جراء أزمة كوفيد – 19، مشيرة إلى أنه حتى المقيمات منهن استغنى عنهن مشغليهن، خوفا من العدوى، واحتراما لمبدأ التباعد الاجتماعي، ما خلق لديهن أزمة مالية أدت إلى تشتت أسرهن. وأكدت على ضرورة احترام حقوقهن مشيرة إلى أن وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة المرأة يعملان على المزيد من العناية بهده الفئة الهشة، خاصة وأنهن العائل الوحيد لأسرهن في عديد الأحوال.

وتعتبر خديجة الهميسي واحدة من الخادمات المنزليات اللاتي فقدن عملهن جراء أزمة كورونا.

وتقول خديجة إنها كانت العائل الوحيد لأسرتها المتكونة من أربعة أفراد، ذلك أن زوجها مقعد ولا يستطيع العمل، ما جعلها عاجزة عن توفير لقمة العيش له ولطفليهما بمجرد أن تم فرض الحجر الصحي الشامل وإقرار مبدأ التباعد الاجتماعي.

وتضيف لـ”العرب” أن الأزمة أدت إلى تشتت عديد الأسر التي لا عائل لها سوى نسائها، مشددة على أن اجراءات الوزارة هامة لكنها تبقى منقوصة، خاصة وأن جل الخادمات المنزليات يعملن في ظروف مهينة ودون ضمانات.

وتعاني الخادمات المنزليات من ظروف عيش قاسية تجبر أغلبهن على الرضوخ إلى أوامر مشغليهن دون تردد مقابل معلوم شهري بالكاد يغطي نفقات أسرهن الأساسية.

ولا تختلف وضعيات خادمات المنازل في تونس عن غيرهن في بقية الدول العربية سواء كنّ من المقيمات أو من المهاجرات وهو ما أكدته دراسة حول الحماية التشريعية لعمال المنازل.

ظروف عيش قاسية
ظروف عيش قاسية

ورصد الاتحاد الدولي للنقابات ومنظمة العمل الدولية في الدراسة المذكورة إشكاليات معاناة المرأة الخادمة في المنازل من انتهاكات بحقها تتناقض مع المعايير الدولية التي تكفل حقوق العامل. وتتعرض الخادمات  في المنازل إلى عديد الانتهاكات منها احتجاز جواز سفرهن، وعدم دفع أجورهن أو دفع جزء منه، والخصم من الراتب والاستغلال، والعيش في ظل ظروف معيشية سيئة.

وأكدت الدراسة أن سوء استعمال ما يعرف بنظام الاستقدام وما يرافقه من استغلال للخادمة والضغط عليها لدفع مبالغ كبيرة ليتم تأمين عمل لها، هي أبشع الانتهاكات التي تتعرض لها الخادمة في المنازل وكذلك نظام الكفيل وما يحدثه من زيادة فرص العمل الإجباري لدرجة يمكن معها وصفه بالعبودية المعاصرة.

عملت المعايير الدولية من أجل تشجيع الدول على توفير الحماية لخدام المنازل. وقد اهتمت اتفاقية العمل اللائق للعمال المنزليين عدد 189 بحماية هذه الفئة من العمالة، والتي جاءت نتيجة لطبيعة العمل التي تقوم به كونه ضمن إطار الأسرة ورعاية المسنين والأطفال والمعوقين.

وتلزم هذه الاتفاقية الدول الأعضاء باتخاذ تدابير تضمن على نحو فعّال تعزيز حماية حقوق الإنسان لجميع الخدم المنزليين، إضافة إلى اتخاذ التدابير اللازمة لاحترام وتعزيز وتحقيق المبادئ والحقوق الأساسية في العمل في ما يتعلق بالحرية النقابية والإقرار الفعلي بحق المفاوضة الجماعية، والقضاء على جميع أشكال العمل الإجباري أو الإلزامي، والقضاء الفعلي على عمل الأطفال إضافة إلى القضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة.

كما تلزم الاتفاقية الدول الأعضاء باتخاذ تدابير تضمن أن يتمتع الخدم المنزليون بحماية فعّالة من جميع أشكال الإساءة والمضايقات والعنف، وأن يتمتعوا شأنهم شأن العمال عموما بشروط استخدام عادلة فضلا عن ظروف عمل لائقة.

وبخصوص تفعيل حزمة القوانين الموجودة والمصادق عليها والحامية لحقوق المرأة، في تونس تم التأكيد في أكثر من مناسبة على مواصلة الجهود، من أجل زجر وردع كل التجاوزات التي من شأنها أن تخلّ بحقوق المرأة والطفولة وكبار السن، وتم التفاهم أن يتم التفاعل أيضًا مع المنظمات الوطنية من أجل مراقبة التجاوزات على أرض الواقع وحماية الحقوق والحريات للفئات الهشة.

كما تم التأكيد على تعزيز الجهود في مجال التثقيف والتحسيس والتوعية حول حقوق المرأة والأطفال والفئات الهشة، والعمل على إحداث آلية لحث المواطنين ومكونات المجتمع المدني للإشعار حول أي نوع من التجاوزات أو الخروقات المتعلقة بالمرأة، على غرار العنف الجنسي والاقتصادي والمالي المسلّط ضدها.

21