معاناة المرأة اللبنانية.. كورونا خارج المنزل وعنف داخله

بيروت - ارتفعت حالات العنف المنزلي في لبنان، في ظل تدابير الحجر الصحي ومنع التجوال، التي فرضتها السلطات لمحاصرة فايروس كورونا. وأدّت الجائحة إلى توقف الأعمال وإلزام المواطن بالبقاء في منزله ساعات طويلة يوميا، ما تسبّب في أزمات مالية واقتصادية تزيد بدورها الخلافات الأسرية.
ولم تعُد المنازل آمنة للنساء، في ظل الشكوى من عنف متنوّع يتعرّضن له يوميا، حيث تضاعفت نسبة التبليغ على الخط الساخن المخصّص من القوى الأمنية، 100 في المئة في مارس الماضي.
وقال مصدر أمني، طلب عدم ذكر اسمه، إن تردّي “الأوضاع الاقتصادية والمالية هي مسبب رئيسي لزيادة العنف، خلال الحجر المنزلي”، مضيفا “خلال مارس 2019، وصلنا 44 اتصالا، بينما في مارس الماضي وصلنا 97 اتصالا، وفي الأشهر الثلاثة الأخيرة بلغنا عدد كبير من الشكاوى”.
وتابع “نسبة زيادة التبليغ وصلت 100 في المئة، وهذا الرقم لا يشمل ما تتلقاه خطوط ساخنة أخرى لجمعيات نسوية تهتم بهذا الملف”.
ويوضح أن “خطة الأمان هي التبليغ، ففي حال ورود أيّ اتصال من معنفة بضرورة حضور القوى الأمنية فإنها تحضر فورا، وفي حال حصل التبليغ بعد 24 ساعة من الحادثة، فعلى المشتكية أن تقدّم شكوى ونتابعها بتحقيق”.
وأصدر النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات، الخميس الماضي، تعميما بشأن كيفية التحقيق في هذه الدعاوى.
ووجّه عويدات إلى فتح محاضر تحقيق فورية في جميع قضايا العنف الأسري، حتى في حالات الجرائم غير المشهودة، وعدم اشتراط حضور الضحية لمركز التحقيق، في حال قالت إنه لا يمكنها الانتقال بسبب الأوضاع الصحية (كورونا)، وقيام المحامي العام الاستئنافي المتخصص بالاستماع إليها عبر تقنية “الفيديو كول”.
نساء كثيرات لا يملكن القدرة على الاختلاء بأنفسهن، وكذلك عجزهن للتبليغ غن تعرضهن للعنف لعدم امتلاكهن هواتف
وتقول رئيسة الهيئة الوطنية لشؤون المرأة اللبنانية (أهلية) كلودين عون روكز، ابنة الرئيس ميشال عون، للأناضول، إن المرأة تعاني بالأساس في المجتمع، ولا شك أن معاناتها زادت في ظل كورونا.
وتضيف “تقدّمت الهيئة إلى النائب العام لدى محكمة التمييز بإجراءات (مقترحة) تساهم في الحدّ من تزايد ظاهرة العنف الأسري داخل المنازل، في ظل الحجر المنزلي المفروض على اللبنانيين، لمواجهة كورونا”.
وتتابع “كما اقترحنا عدم اختتام المحاضر المفتوحة بجرائم العنف الأسري بعد أخذ تعهد على المدعى عليه بعدم التعرّض للضحية، وإبقاء المحضر مفتوحا لمهلة معقولة (أسبوعين) يكون فيها الجاني تحت المراقبة القضائية”.
كما طالبت الهيئة، وفق كلودين، بـ”فتح شكاوى فورية للنساء اللواتي يتعرّضن لعنف أسري، سواء أكان معنويا أو جسديا، وعدم اشتراط تقديم شكوى أمام النيابة العامة، إضافة إلى تعيين أطباء شرعيين على نفقة النيابة العامة، وليس الضحية، مراعاة لأوضاع النساء اللواتي يخرجن من منازلهن دون أي موارد مالية”.
وأشادت بالتعميم الذي أصدره القاضي عويدات، لتخفيف شروط فتح محضر أمني في حال تعرّض امرأة لعنف أسري.
وفق الناشطة في منظمة FE-MALE (أهلية) علياء عواضة، فإن “ارتفاع نسب العنف ضد المرأة مؤشر خطر، لاسيما أنه يصل أحيانا حدّ التهديد بالقتل”. وتضيف أن “غالبية المنظمات العاملة في مجال حماية المرأة أفادت بارتفاع نسب التبليغات (من نساء تعرّضن للعنف)، خاصة في الآونة الأخيرة”.
وتتابع عواضة “هناك فرق بين الاتصالات والتبليغات قبل أزمة كورونا وأثنائها، قبل الجائحة كانت تردنا اتصالات للاستفسار عن الدعم المعنوي أو عن الخدمات، بينما الاتصالات الحالية هي للتبليغ عن حالات عنف”.
وتشدد على أن “العنف سلوك غير مسموح وغير مبرّر، مهما كانت الظروف وعندما نتحدث عن الأسباب هذا لا يعني أننا نبرّرها”.
وتعدّد أسباب العنف بالقول “الأوضاع الاقتصادية التي تمرّ بها البلاد، وما نتج عنها من ضغوطات، شكلت عاملا أساسيا في زيادة العنف، يضاف إليها الحجر المنزلي وكل ما تزامن مع أزمة كورونا”.

وزادت تداعيات كورونا الوضع سوءا في لبنان، الذي يعاني بالأساس أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه.
وعن جهود السلطات في ملف العنف بحق المرأة، تجيب عواضة “على الحكومة أن تضع خطة طوارئ للنساء اللواتي يتعرّضن للعنف، والأهم أيضا كيفية تأمين الحماية اللازمة”.
وتؤكد “ضرورة التعاون مع الدولة خصوصا على صعيد تأمين مراكز إيواء للنساء المعنفات”. وتردف قائلة “يجب التنسيق بين وزارتيْ الصحة والشؤون الاجتماعية، بتأمين فحص PCR (خاص بكورونا) قبل دخولهن الدور، تجنّبا لانتقال العدوى”. وأطلقت منظمة “أبعاد” (أهلية) دعوة مفتوحة إلى التضامن مع النساء، بالوقوف في شرفات المنازل، الخميس الماضي، تحت شعار “الحجر مش (ليس) حجزا”.
وقالت غيداء عناني، مديرة المنظمة، إن “التبعات الاقتصادية، مع إجراءات الإغلاق وتعطيل الأعمال بسبب كورونا، رفعت نسبة تعنيف المرأة بشتى أنواعه، ففي مارس تلقينا 155 اتصالا، وفي أبريل 138 اتصالا إلى غاية اليوم.. وهناك معدّل من 4 إلى 6 سيدات يطلبن خدمة الدار الآمنة”.
وأوضحت “نساء كثيرات لا يملكن القدرة على التبليغ عن تعرّضهن لعنف، لعدم امتلاكهن هواتف، أو حتى القدرة على الاختلاء بأنفسهن للتواصل مع الجهات المختصة للمطالبة بالحماية”.
واستطردت “من بين الحالات التي اهتممنا بها الأسبوع الجاري امرأة تبلغ 36 عاما بعد تعرضها لمضايقات معنوية ونفسية من جانب أهلها بسبب طلاقها”. ودعت أي امرأة تجد نفسها ضحية للعنف، أو أي امرأة قريبة منها إلى “الإبلاغ لإنقاذ الضحية”.
ولفتت لانا قصقص، أخصائية اجتماعية، إلى أن الحجر هو “حالة جديدة على العائلات، وهناك صعوبة في التعامل معه”.