أسر تلجأ إلى الريف هربا من الحجر المنزلي في المدن

تونسيون يكسرون العزلة المفروضة لتفادي انتشار كورونا باللجوء إلى لطبيعة الريفية بعيدا عن ضيق الخناق وسط جدران المنازل في المدن.
الأربعاء 2020/04/22
عزلة مع الطبيعية

في ظل بحثها عن حلول لكسر العزلة التي فرضها انتشار فايروس كورونا المستجد وإجراءات الحجر الصحي التي اتخذت من قبل الحكومات في أغلب دول العالم وجدت الكثير من الأسر ضالتها في الهروب إلى الأرياف تاركة وراءها منازل تضمّ جميع متطلبات الحياة الفارهة، وخيرت بساطة الريف بمرافقه المحدودة وبعزلته الطبيعية.

تونس - هرعت العديد من الأسر إلى الأرياف هربا من المدن التي أصبحت مصدرا للتهديد بالإصابة بفايروس كورونا القاتل، بالإضافة إلى حالة العزل المنزلي الذي تعيشه والذي يضيق الخناق على الأفراد داخل جدران منازلهم.

ومنذ بداية الحجر الصحي فضلت نادية بن عمار الذهاب صحبة عائلتها إلى منزلهم في الريف بجهة الكاف في الشمال الغربي للبلاد التونسية، الذي كانت تزوره فقط في الإجازة الصيفية، وقالت إنها لا تفكر في العودة إلى منزلها في تونس والذي تتوفر فيه كل سبل الراحة، إلا بعد انتهاء هذه الأزمة.

وأضافت أنها وجدت في الريف الملاذ الآمن لها ولعائلتها من عدوى كوفيد – 19 ومن حالة الفزع التي عاشتها في المدينة، بالإضافة إلى أنه يوفر لها متنفسا عن العزل المنزلي الذي فرض في المدن.

وأشارت بن عمار إلى أنها لاحظت أن المنازل المجاورة والتي ظلت مغلقة لسنوات بسبب وفاة أصحابها ونزوح الأبناء إلى المدن الكبيرة منذ عقود أصبحت وجهة الكثير من العائلات الذين عادوا إليها قبل دخول قرار الحجر الصحي بسبب أزمة كورونا حيز التنفيذ، مشيرة إلى أن قريتها أصبحت مكتظة بالآباء والأمهات وأبنائهم الذين تراهم طوال اليوم يلعبون ويلهون ويتنزهون في الحقول.

نادية بن عمار: وجدت في الريف الملاذ الآمن لي ولعائلتي من عدوى كوفيد – 19
نادية بن عمار: وجدت في الريف الملاذ الآمن لي ولعائلتي من عدوى كوفيد – 19

وقالت شاذلية العياش موظفة تعمل من المنزل في الآونة الأخيرة “أصبحنا نتمنى لو بإمكاننا التنقل والذهاب إلى الريف حيث عائلتي وحيث الطبيعة رائعة في هذه الفترة من الربيع وحيث لا يوجد هذا الخوف من العدوى بالكورونا”.

وتابعت “هناك في أقاصي الأرياف يواصل الفلاحون أعمالهم بشكل عادي ويتخذون مقاييس الحجر والحذر فقط عند الخروج من منازلهم وضيعاتهم إلى المدن المجاورة.

وأشارت إلى أن الريف يخلصهم من قيود الحجر والحبس المنزلي، هناك يمكنهم اللعب بحرية والجري فيخفف عنهم الضغط النفسي وحالة الملل التي أصابتهم مع والديهم اللذين يعملان من البيت ويكون فرصة ليعيشوا حياة صحية تماما بعيدا عن الإنترنت والهواتف الذكية والحواسيب.

وأكدت العايش أن عديد العائلات أصبحت تستغل بعض الساعات وتخرج لتناول وجباتها والسماح للأبناء باللعب قليلا في الطبيعة في الغابات والمناطق الطبيعية المجاورة للمدن في هذه المرحلة الصعبة.

أما عائشة بوغانمي فأكدت أن فكرة الانتقال من المدينة إلى الريف تعتبر فكرة ناجعة من عدة نواح بدءا بالهواء النقي الذي يشفي الكثير من الأمراض، بالإضافة إلى الابتعاد عن الضجيج والإرهاق والتوتر الذي يعيشه أفراد العائلة الذين عزلتهم كورونا بين جدران المنازل لأسابيع عديدة. كما بينت أن عودتها إلى الريف أنقذتها من ضجر أبنائها ومللهم، حيث وجدوا في الطبيعة المكان المناسب الذي خلصهم من الوحدة والعزلة، خاصة مع توفر الإنترنت في قريتها.

كما نبهت إلى أنه رغم صعوبة العيش في الأرياف إلا أنها في الآونة لاحظت أن كل المواد الغذائية وحتى المفقودة في المدن الكبرى والفضاءات التجارية متوفرة في قريتها.

ويعبر كبار السن الذين اضطرتهم الظروف إلى الانتقال إلى المدينة عن ضجرهم، مبينين حاجتهم الملحة إلى التواجد في الريف خاصة في هذه الفترة التي تضاعفت فيها عزلتهم.

وقال الشيخ عزيز يونس أن أكثر أمنياته أن يعود إلى منزله الذي تركه منذ زمن بعيد، وأشار إلى أنه فكر منذ تفشي هذه الجائحة، في أن يعود إلى بيته الريفي صحبة ابنه المتزوج، وذلك هربا من المرض وبحثا عن الحرية التي غيبها الحجر الصحي في المدن.

راحة نفسية
راحة نفسية

وأوضح علماء اجتماع إن الخوف والعزل المنزلي أثر في جميع أفراد المجتمع الذين باتوا يرون في الريف ملاذا آمنا لهم، يشعرهم بالراحة النفسية التي يفتقدونها في الآونة الأخيرة حيث أنهم أصبحوا يربطون تواجدهم في المدينة بالمخاطر والمرض والموت، بسبب التحذيرات التي تنصب عليهم من كل حدب وصوب وبسبب مشاهد الموت التي تغزو الشاشات في جميع أنحاء العالم.

وأضافوا أن الحياة في الريف تتسم بالبساطة والهدوء الذي يفتقدونه في المدن المكتظة والتي وجد متساكنوها صعوبة في تطبيق قواعد التباعد الاجتماعي الصارمة، وعزل أنفسهم داخل البيوت، وأصبحت منازلهم البسيطة في الأرياف والقرى مقترنة بالحرية والأمان والابتعاد عن الضجر.

ولفت المختصون إلى أن هذه الجائحة أثبتت أن الإنسان يضحي بجميع وسائل الرفاهية والكماليات ويقبل أن يعيش حياة بسيطة خالية من المرافق الأساسية في سبيل الحفاظ على حياته وحياة المقربين منه.

وأشاروا إلى أن هذه الأزمة سوف تغير الكثير من المعتقدات والعادات، ومن بينها أن الحياة في المدن الكبرى أفضل من الأرياف التي نزح منها الملايين في العقود الأخيرة وباتت منازلها مقفرة، وقد تعيد هذه الأزمة إلى الأرياف والقرى بريقها، وربما يفكر الكثيرون خاصة غير الموظفين في ترك المدن والعودة إلى أحضان الطبيعة نظرا إلى ما توفره من راحة نفسية وصحية.

21