الانتفاضة العراقية تعود مع أول تخفيف لحظر التجوّل

إذا كان العراقيون قد انتفضوا خلال الأشهر الماضية ضد فساد النظام وللمطالبة بتحسين الخدمات وتوفير الوظائف، فإنّ أسبابا أقوى ستخرجهم إلى الشارع في المستقبل القريب إذا ظلّت الأزمة الاقتصادية في منحاها التصاعدي ما سيجعل من توفير لقمة العيش في العراق المعتمد بشكل كبير على موارد النفط، ضربا من الترف.
بغداد - أعاد إطلاق "مسلّحين مجهولين" النار، الثلاثاء، على معتصمين وسط العاصمة العراقية بغداد، التوتّر إلى المدينة التي كانت طوال الأشهر الماضية معقلا رئيسيا لحركة الاحتجاج غير المسبوقة التي تفجّرت في العراق منذ أكتوبر الماضي واستهدفت بشكل مباشر تجربة الحكم الفاشلة وما خلقته من أوضاع سيئة على مختلف الصعد.
وعجزت السلطات عن إخماد الاحتجاجات بمختلف الطرق بما في ذلك القمع الدامي، حتى جاءت جائحة كورونا وأجبرت المحتجين على تعليق انتفاضتهم، ما منح النظام فرصة إعادة ترميم صفوفه وتشكيل حكومة بديلة عن حكومة عادل عبدالمهدي الذي استقال مطلع ديسمبر الماضي تحت ضغط الشارع.
وتتخوّف شخصيات مشاركة في الحكم ألّا تطول “المهلة” القسرية الممنوحة للنظام بسبب وباء كورونا وأن يعود المنتفضون إلى الشارع قبل أن يستكمل رئيس الوزراء المكلّف مصطفى الكاظمي تشكيل حكومته ونيل موافقة البرلمان عليها.
وتوقفت الاحتجاجات أواسط مارس الماضي مع فرض السلطات العراقية حظر تجوال للوقاية من كورونا، إلّا أن العشرات من المحتجين ظلوا معتصمين في خيامهم بساحات عامة في بغداد ومحافظات أخرى.
وحملت أحداث الثلاثاء في بغداد بوادر عودة الانتفاضة إلى العراق بشكل مبكّر وبمجرّد تخفيف حظر التجوال المفروض ضمن إجراءات الحدّ من تفشي فايروس كورونا.
وأفاد مصدر أمني عراقي بمقتل متظاهر وإصابة اثنين بجروح إثر إطلاق مجهولين الرصاص عليهم وسط العاصمة بغداد.
وتتواتر عبارة “مسلّحين مجهولين” لتسمية ميليشيات شيعية شاركت بفعالية في قمع الانتفاضة العراقية سواء بمداهمة ساحات التظاهر والاعتصام بالأسلحة البيضاء والنارية، أو بملاحقة النشطاء في مواطن سكنهم وعملهم وقتل بعضهم واختطاف البعض الآخر.
وقال المصدر وهو ضابط في شرطة بغداد برتبة نقيب لوكالة الأناضول إنّ مسلحين مندسين أطلقوا النار على المتظاهرين في ساحة الخلاني وسط بغداد. وأضاف المصدر طالبا عدم ذكر اسمه أن المتظاهرين ردوا بإلقاء الحجارة والزجاجات الحارقة على المسلّحين دون تدخل قوات الأمن المرابطة قرب الساحة. ولفت إلى أن عناصر الشرطة لا يقتربون من أماكن تجمع المحتجين خشية الاحتكاك معهم.
وتجمّع العشرات من المتظاهرين في ساحة الخلاني القريبة من ساحة التحرير معقل احتجاجات بغداد، الثلاثاء، عقب عودة الحركة إلى شوارع العاصمة ومعظم محافظات البلاد، في أول يوم بعد حظر التجوال المفروض منذ أكثر من شهر.
واضطرت السلطات لتخفيف إجراءات الإغلاق والحظر لإعادة تحريك عجلة الاقتصاد المرهق بشدّة جرّاء تهاوي أسعار النفط، وقضت الإجراءات الجديدة أن يكون الحظر جزئيا، حيث يتاح للسكان التجول نهارا من السادسة صباحا حتى السابعة مساء، بدءا من الثلاثاء وحتى الثاني والعشرين من مايو القادم. على أن لا يُسمح بتجمع أكثر من ثلاثة أشخاص.
وتتشارك مختلف الأحزاب المشاركة في حكم العراق، وفي مقدّمتها الأحزاب الشيعية القائدة للعملية السياسية، الرغبةَ في تجاوز التحدّي الذي فرضه الشارع وجعل النظام أمام خطر السقوط، لكنّ اختلافها حول التفاصيل وصراعها على المناصب السياسية وما تتيحه من مكاسب معنوية وماديّة، منع توافقها على من يتوّلى تشكيل الحكومة الجديدة.
وبعد سقوط ترشيح كلّ من توفيق علّاوي وعدنان الزرفي لتولي منصب رئيس الوزراء، حظي مصطفى الكاظمي بموافقة طيف واسع من الأحزاب والشخصيات الشيعية والسنيّة والكردية، ومع ذلك لا يزال يعمل تحت ضغط الوقت لتجاوز خلافات الأحزاب والشخصيات نفسها على مناصب حكومته المرتقبة. وتتحدّث مصادر سياسية عن اشتداد الخلافات حول الوزارات السيادية في حكومة الكاظمي. وقال مصدر سياسي، الثلاثاء، إنّ الخلافات وصلت حدّ تهديد أحد التيارات السياسية (لم يسمّه) بالانسحاب من مشاورات تشكيل الحكومة.
وأورد موقع السومرية الإخباري تأكيد المصدر أنّ الخلافات تتركز على وزارات الخارجية والدفاع والداخلية والمالية والتخطيط. ونَقل عن نائب في البرلمان العراقي القول إنّ هناك بعض الكتل من مكونات مختلفة لا تزال تصرّ على تشكيل الحكومة وفق منهج المحاصصة، وتطالب بشكل واضح بحصصها من الكابينة الوزارية.
وتعتبر المحاصصة الحزبية والطائفية والعرقية أحد الأسس التي قام عليها النظام العراقي منذ سنة 2003 وهي إحدى مطاعنه الرئيسية وسببا من أسباب فساده الذي نتجت عنه أوضاع كارثية دفعت الشارع للانتفاض ضدّه.
ويقول متابعون للشأن العراقي إنّ خفوت موجة الاحتجاجات ظرفي وأنّ عودتها أمر مؤكّد، حيث لم يتحقّق شيء مما طالب به المحتجّون، فبينما ظلّ الوضع السياسي على ما هو عليه، فإن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية زادت سوءا بفعل تهاوي أسعار النفط الذي يمثّل تقريبا المورد الوحيد لخزينة الدولة العراقية.
ويقول البعض إن العراقيين الذين تظاهروا بأعداد كبيرة خلال الأشهر الماضية لتحسين الخدمات الأساسية وتوفير مواطن الشغل، قد يعودون في أمد منظور إلى الشارع للمطالبة بلقمة العيش التي قد يستعصي توفيرها إذا ظلّت الأزمة الاقتصادية في منحاها التصاعدي الحالي.