"الإسلاموية المتحجرة" تغلق نقاش الصوم والإفطار زمن كورونا

أثارت مساهمة شخصية للمفكر والوزير الأسبق نورالدين بوكروح، لغطا كبيرا في عدة أوساط دينية واجتماعية بالجزائر، بسبب طرحه لموقف النخب والشعوب الإسلامية من شهر الصيام الداخل، بسبب تفشي وباء كورونا في العالم، فهم مخيّرون بين مقاطعة الصيام لأول مرة في تاريخهم حفاظا على حياتهم، أو الإقبال عليه وانتظار مصيرهم مع العدوى الفتاكة.
شنت نخب اجتماعية ودينية في الجزائر، انتقادات شديدة للوزير الأسبق نورالدين بوكروح، على خلفية الموقف الذي أبرزه من خلال مساهمة نشرها على حسابه الخاص بفيسبوك، وضمنها مقاربته النقدية لما أسماه بـ”الإسلاموية المتحجرة”، لعجزها في الظرف الراهن عن مزاحمة المدارس الدينية والفكرية في تخليص البشرية من جائحة كورونا.
ورغم أن النص لم يدعُ صراحة إلى مقاطعة شهر الصيام، إلا أن مجرد طرحه لانحسار وضع المسلمين بين خيار التمرد على واحدة من شعائر الدين الإسلامي حفاظا على أنفسهم، أو التمسك بها وانتظار مصيرهم، أدى إلى انتقادات ووجهت له تهم التمرد والخروج عن الملة.
وفيما لم يقدم الكاتب دلائل علمية تؤكد تضرر الصائم وتعرضه لانتقال العدوى إلى جسده، عكس ما يتداول لدى نخب علمية على أن الصيام محفز للمناعة، فإن الرجل طرح مسألة جوهرية تعري دور المسلمين في الوضع الراهن، وجدوى ما أسماه بـ”الإسلاموية المتحجرة”.
وربط بين تأخر العقيدة الإسلامية في المساهمة كغيرها من العقائد الدينية والفكرية في تخليص البشرية من الجائحة المرضية، وبين ما أسماه بـ”التراكمات المنغلقة” التي حجبت “الرسالة الحقيقية للإسلام الصحيح”، فالمسلمون سيستفيقون بعد كورونا، على عالم لا يعترف إلا بمن خلصه من الجائحة من مسيحيين وبوذيين، ومن وصفهم بـ”الكفار”، ويتغيب هؤلاء مرة أخرى عن موعد هام في تاريخ البشرية، رغم مزاعمهم بامتلاك “الحقيقة والحل”.
وقال “إذا لم يتمكن (الكفار) وهم أتباع الحضارات والأديان الأخرى من القضاء على فايروس كوفيد 19 في غضون 15 يومًا، فإن العلم الديني القديم (الصالح لكل زمان ومكان) سيواجه إحراجا خطيرا: إما الاضطرار إلى تعليق صيام هذا العام، لأن خواء الجسم يزيد من قابليته لفتك الفايروس ويحفز انتشاره، وإما تثبيت الصيام، وبالتالي تحدي خطر تفشّ أوسع له في صفوف المسلمين وغيرهم على حد سواء، لأن هؤلاء يعيشون جنبا لجنب في كل مكان تقريبا”.
وتساءل “ما الذي يجب أن يمثل الأولوية؟ حياة عدد غير محدد من البشر أم فريضة دينية؟”، وهو السؤال الذي فتح عليه وابلا من الانتقادات التي أدرجته في خانة الزنادقة، وأعادت التذكير بمسار الرجل في سنوات سابقة، لما دعا إلى “إعادة ترتيب سور القرآن الكريم”.
واستعان الرجل في طرحه بالقول “خلال عهد إسلام الفتوحات، عندما لم يكن العلم الديني موجودا بعد، واجه الخليفة عمر بن الخطاب حالة مشابهة للوضع الذي نعيشه اليوم، وهي تفشي الطاعون في سوريا أين كان يوجد الجيش الذي أرسله لفتحها هي وفلسطين، ولمواجهة الخسائر التي خلفها الوباء في صفوفه، وهي قاربت حسب مؤرخين 25000 قتيل من الجنود، أمر الخليفة بالانسحاب من المدينة ووضعها تحت الحجر الصحي. لكن قراره لقي اعتراض قائد جيشه، أبوعبيدة، الذي رأى في ذلك هروبا من قدر الله، لكن عمر رد عليه: نفرّ من قدر الله إلى قدر الله.. ويبقى هذا الموقف من أشهر الصور التي توضح الجدال بين القدريين والجبريين في فجر الإسلام”.
وأضاف “رسول الإسلام، هو صاحب واحدة من أجمل العبارات الإنسانية في كل العصور: إذا قامت الساعةُ وفي يد أحدكم فسيلة فليغرسها. هذا هو الاختلاف الذي أردت أن أوضحه بين الإسلام الأصلي، وإسلام الانحطاط الذي حاكه ويحافظ عليه العلم الديني بشقيه السني والشيعي، واللذان يوجد كلاهما في الخدمة المستمرة للاستبداد”.
الجدل المثار حول طرح نورالدين بوكروح، أكد عدم استعداد المجتمع الجزائري وحتى باقي المجتمعات الإسلامية، لفتح نقاشات عميقة بعيدا عن تهم الزندقة والتكفير الأمر الذي يؤكد هيمنة ذهنية التحجر التي أثارها الكاتب، حيث اكتفى الكثيرون بالصيام كعلاج لجسم الإنسان، وتغافلوا عن أسئلة جوهرية طرحها الرجل حول أسباب غياب المسلمين عن جهود إنقاذ البشرية من الوباء الفتاك.
وقال “لأول مرة في تاريخ البشرية، تواجه جميع الدول والأديان إشكالا شاملا وفوريا: خطر الموت بفايروس كورونا. إذا كنا اليوم نعيش سياسيا في عصر تشرذمنا الوطني، فإن جميع البلدان لازالت من الناحية الثقافية، تحدد هويتها بالانتماء إلى حضارة معينة، والتي تتأثر بدورها بديانة معينة، فالصين في أغلبها بوذية، والهند هندوسية، والغرب مسيحي وإسرائيل يهودية.
وأضاف “هذه الكيانات الثقافية، والتي ترتبط بها بلدان أخرى، تحتل المراكز الأولى في القوة الاقتصادية والعسكرية والتكنولوجية والعلمية. كما تستحوذ الدول التي تتصدّر طليعة هذه الكيانات المراتب الأولى في جميع التصنيفات الدولية. وهي اليوم تخوض سباقا حشدت له مواردها العلمية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية والفكرية والأخلاقية، حتى تتمكن من التغلب على كوفيد 19، الذي تأمل كل واحدة منها سرا أن تكون هي من يبتكر العلاج الذي سيوقف المجزرة”.
ويرى بوكروح، بأن “الغريب أن ثمة حضارة قديمة تقارب في حصيلتها هذه الحضارات، تنفرد بغيابها عن الصخب الذي يصاحب هذا الصراع العالمي، وهي تلك التي كان يصطلح عليها في الماضي بالحضارة الإسلامية. حضارة أضاءت في الماضي أقدم ثلاث قارات في العالم لفترة طويلة، وتمكنت من تحقيق تقدم هائل في الطب والكيمياء وغيرها من العلوم والفنون بين القرنين التاسع والثالث عشر، لكن أغلب البلدان التي تنتسب إليها الآن، غارقة في صراعات مسلحة فيما بينها، دون أن ترجى من وراء ذلك أي مصلحة حقيقية تذكر”.