السعودية تقلص خطط التقشف الطارئة

قلصت السعودية خطط التقشف في إنفاق موازنة العام الحالي لمواجهة تداعيات أزمة تفشي وباء كورونا، في وقت تتعرض فيه النشاطات الاقتصادية لشلل واسع وتتراجع فيه عائدات صادرات النفط بسبب انهيار الأسعار.
الرياض - قرّرت السعودية خفض الإنفاق في ميزانيتها للعام الحالي بأقل من 5 في المئة، في تخفيف لما أكدته مصادر مطلعة الأسبوع الماضي عن عزمها خفض إنفاق المؤسسات الحكومية بنسبة 20 في المئة.
ويأتي ذلك الخفض في ظل التراجع الكبير في إيرادات صادرات النفط بسبب انهيار الأسعار إلى أدنى مستوياتها منذ 18 عاما على خلفية إجراءات احتواء فايروس كورونا المستجد وحرب الأسعار النفطية بين الرياض وموسكو.
وتستعد السعودية لمرحلة صعبة على الصعيد الاقتصادي، بعدما علّقت أداء العمرة وأغلقت المراكز التجارية وأوقفت رحلات جوية في محاولة لمنع تفشي الفايروس في مناطقها، خاصة في ظل تراجع أسعار النفط.
ونسبت وكالة الأنباء الحكومية إلى وزير المالية محمد الجدعان قوله “في ضوء توفر المرونة المناسبة لاتخاذ التدابير والإجراءات في مواجهة الصدمات الطارئة… فقد أقرت الحكومة خفضا جزئيا في بعض البنود ذات الأثر الأقل اجتماعيا واقتصاديا”.
وأضاف أن “حجم الخفض الجزئي في تلك البنود بلغ ما يقارب 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) ما يمثل أقل من 5 في المئة من إجمالي النفقات المعتمدة في ميزانية العام 2020”.
وكانت السعودية، أكبر مصدّر للنفط في العالم، قلّصت نفقاتها المتوقعة للعام 2020 مقارنة بسنة 2019.
ويبلغ حجم الإنفاق في الموازنة التي تم إعلانها في ديسمبر الماضي نحو 272 مليار دولار. وكانت تتوقع عجزا بقيمة 50 مليار دولار قبل إجراء الخفض الجديد في الإنفاق.
وتشهد السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد عربي، عجزا في موازناتها منذ خمس سنوات حين هبطت أسعار النفط بشكل كبير. وبلغ مجموع العجز في الموازنات جراء تراجع أسعار النفط عام 2014 نحو 385 مليار دولار.
وتقول مؤسسة “انيرجي إنتليجنس للأبحاث إن الرياض تستعد للتأقلم مع أسعار نفط منخفضة جدا لفترة طويلة. وتبدو عازمة على إغراق الأسواق لتعديل بوصلة صناعة النفط وتعزيز حصصها في الأسواق على حساب المنتجين الأعلى تكلفة”.
لكن الجدعان أكّد أنّ الرياض “اتّخذت إجراءات للحد من أثر انخفاض أسعار البترول، كما سيتم اتخاذ إجراءات إضافية للتعامل مع انخفاض الأسعار المتوقع”.
وكانت مصادر مطلعة قد كشفت الأسبوع الماضي أن السعودية طلبت من الإدارات الحكومية تقديم مقترحات لخفض ميزانياتها بما لا يقل عن 20 في المئة في خطوات تقشف لمواجهة الانخفاض الحاد في أسعار النفط.
وأكدت أن الطلب أُرسل بداية الشهر الحالي بسبب المخاوف بشأن تأثير فايروس كورونا على أسواق الخام وقبل أيام من انهيار اتفاق خفض الإنتاج في تحالف أوبك+.
وذكرت المصادر أن وزارة المالية السعودية أرسلت توجيهات للإدارات الحكومية بتقديم مقترحات لخفض إنفاقها بما يتراوح بين 20 إلى 30 في المئة في ميزانياتها للعام الحالي.
وأكدت أن وزارة الخارجية نفذت بالفعل خفضا بنسبة 20 في المئة، مضيفا أن التخفيضات لن تؤثر على الأجور بل على المشروعات التي يمكن تأجيلها والعقود التي لم تتم ترسيتها بعد.
ولا تزال السعودية، أكبر دولة مصدرة للنفط في العالم، تعتمد بشكل كبير على إيرادات صادرات النفط، رغم جهودها الواسعة لتنويع الاقتصاد.
ويتوقع الاقتصاديون أن يرتفع العجز في ميزانية السعودية من 4.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي إلى نسبة في خانة العشرات هذا العام، بعد أن كانت الرياض ترجح في ديسمبر الماضي أن يبلغ نحو 6.4 في المئة.
ويقول صندوق النقد الدولي إن الرياض تحتاج إلى سعر 80 دولارا للبرميل لضبط ميزانية السنة المالية الحالية، التي يبلغ العجز المقدر فيها 187 مليار ريال (50 مليار دولار).
وترجح مؤسسة كابيتال إيكونوميكس أن “تحتاج السعودية لسعر 85 دولارا لبرميل النفط لضبط ميزانية الحكومة” لكنها ذكرت أن ضبط ميزان المعاملات الجارية يحتاج إلى 50 دولارا فقط.
وتوقعت أن تسجل الميزانية الحالية عجزا أكبر بكثير من عجز ميزان المعاملات الجارية وأن يصل إلى نحو 15 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ويقول محللون إن السعودية يمكن أن تتحمل أسعار النفط المنخفضة إذا استمرت المواجهة مع روسيا بفضل احتياطياتها الأجنبية الضخمة لكنها قد تحتاج لزيادة الاقتراض إلى جانب خفض الإنفاق.
وحتى قبل التوجيهات الجديدة بخفض الإنفاق، كانت موازنة 2020 قد قلصت ميلها لزيادة الإنفاق بغية تحفيز النمو. وتبنت إجراءات لتضييق العجز من خلال تنويع الإيرادات عبر الضرائب والإصلاح الاقتصادي.
وتشتبك السعودية مع روسيا في معركة أسعار منذ انهيار محادثات تحالف أوبك+. وقد أبدت إصرارا على إغراق الأسواق برفع إنتاجها إلى مستويات قياسية، وأعلنت أنها تسعى لزيادة الإنتاج إلى 13 مليون برميل يوميا.
وقالت شركة أرامكو السعودية مطلع الأسبوع إنها ستُبقي على الأرجح على إنتاج النفط المرتفع المزمع لشهر أبريل كما هو في مايو أيضا، وإنها “مرتاحة للغاية” لسعر ثلاثين دولارا للبرميل، مما يشير إلى استعداد الرياض لتحمل الأسعار المنخفضة لفترة.