السّماح للأطفال بارتكاب الأخطاء يعزز استقلاليتهم

الحماية المفرطة تجعل الأطفال أكثر خوفا وأقل استقلالية وأكثر اعتمادا على الآباء وهو ما يعرضهم للخطر في مرحلة البلوغ.
الجمعة 2020/03/20
تعلم من الأخطاء

مدريد- أكد أخصائيو علم النفس أن السماح للأطفال بارتكاب الأخطاء يعزز استقلاليتهم، ويزيد من تحملهم للإحباط، ويعلمهم كيفية إدارة عواطفهم بشكل مناسب، ويعد ذلك جزءا طبيعيا في أي عملية تعلّم، وهي عنصر أساسي في تنمية الشخصية خلال مرحلة الطفولة والمراهقة وفق تقرير نشرته صحيفة “البايس” الإسبانية.

وبين الخبراء أن العديد من الآباء يسعون جاهدين إلى منع أطفالهم من الوقوع في الخطأ وما يمكن أن ينتج عنه من إحباط. وعلى الرغم من أن الآباء يقومون بذلك عن حسن نية ويمكن تفهم وجهة نظرهم، إلا أن لذلك تأثيرا معاكسا.

وأوضحت أماليا غوردوفيل، الأستاذة في جامعة كاليفورنيا في لندن وأخصائية الأسرة في مركز غرات في برشلونة، أنه عندما يخضع الطفل لحماية مفرطة، لا يتدرب على تحمل الإحباط. وهذا أمر ضروري جدا في مرحلة الطفولة حتى يتمكن المرء من مواجهة المضايقات التي قد يتعرض لها في المستقبل.

ارتكاب الأطفال الأخطاء يزيد من تحملهم للإحباط، ويعلمهم كيفية إدارة عواطفهم بشكل مناسب

ولفتت إلى أن منع الأطفال من ارتكاب الأخطاء قد تكون له عواقب وخيمة على مستقبلهم، مشيرة إلى أن “ذلك يضعهم في فقاعة تجعلهم غير قادرين على مواجهة العالم. ولكن في يوم من الأيام، سيتعين عليهم الخروج بمفردهم وفي تلك اللحظة لن تكون القدرات هي نفسها وسيكون الإحباط أكبر، لأن قدرتهم على إدارة عواطفهم لن تكون مدربة بشكل جيد”.

وكشفت دراسة نشرت في سنة 2018 تناولت آثار الحماية المفرطة على نمو الطفل، حللت تطور حوالي 422 فتى وفتاة في التفاعل مع آبائهم لمدة ثماني سنوات، أنه عندما قام الآباء بحماية الأطفال من دون إعطائهم خيارا لحل الصعوبات الخاصة بهم، واجه هؤلاء الصغار مشاكل في إدارة عواطفهم، وكان ذلك من بين أمور أخرى تسببت في عدم التسامح مع الإحباط.

وأفاد الخبراء أنه سواء تعلق الأمر بالقيام بالواجب المنزلي أو تكوين صداقات أو ممارسة الرياضة، فإن المرء يستفيد خلال عملية التعلم من الأخطاء التي تحفزه على إيجاد طرق للقيام بالأشياء بشكل مختلف. وفي مقابل ذلك تجعل الحماية المفرطة الأطفال أكثر خوفا وأقل استقلالية وأكثر اعتمادا على الآباء.

ونبهوا إلى أنه في مرحلة البلوغ، يمكن أن يصبح الفرد أكثر عرضة للخطر بسبب الحماية المفرطة، وبينت غوردوفيل أنه “في بعض الأحيان، سيؤدي ذلك إلى زيادة القلق، وتطور نوع من الرهاب الاجتماعي والاكتئاب ويمكن أن يؤدي حتى إلى الوقوع في علاقات التبعية”.

منع الأطفال من ارتكاب الأخطاء قد تكون له عواقب وخيمة على مستقبلهم
منع الأطفال من ارتكاب الأخطاء قد تكون له عواقب وخيمة على مستقبلهم

وقال المختصون “كما هو الحال مع أي جانب آخر من جوانب التربية، يجب على الآباء أن يدركوا أن ما يقولونه ويفعلونه يمثل قدوة لأبنائهم. ولكن من الأفضل أن نشجع الأطفال بقول “هيا يمكنك القيام بذلك!”، بدلا من القيام بذلك عوضا عنهم، لأننا نمرر بذلك رسالة غير مباشرة لهم مفادها “أنت لا تعرف”، أو “أنت غير قادر على القيام بذلك”، وذلك من شأنه أن يزعزع احترامهم لذواتهم.

ومن خلال مقارنة نمطين مختلفين من التنشئة، أحدها يخضع للمراقبة والآخر يعزز استقلالية الطفل، توصلت دراسة أنجزتها جمعية علم النفس الأميركية إلى أنه عندما لا تكون الأمهات حاضرات، يكافح أطفال العائلات التي تعزز الاستقلالية لإكمال المهمة التي أوكلت إليهم، بينما يستسلم الأطفال الذين نشأوا في بيئات مراقَبة بسرعة.

وشدد الخبراء على ضرورة وضع الخطأ في مكانه الطبيعي حتى لا يتوقف الصغار عن محاولة تجربة أشياء جديدة خوفا من ارتكاب الأخطاء، وفي هذا السياق قالت غوردوفيل “عندما أعالج أطفالا هكذا، أسأل الوالدين دائما عن كيفية تعاملهم مع أخطاء أطفالهم؛ لأن البالغين غالبا ما يسيئون التعامل مع المسألة ويخفون الأمر لأنهم يرغبون في أن يكونوا آباء مثاليين. لهذا السبب على وجه التحديد، ينتهي بنا الأمر إلى تربية أطفال شديدي التوتر”.

وأضافت “لا شك أن الآباء بدورهم يخطئون مثل أي شخص آخر، لذلك فإنه من الضروري شرح ذلك للأطفال حتى يدركوا أنه أمر طبيعي”.

21