اعتذار إثيوبيا المفاجئ يربك مفاوضات سد النهضة في واشنطن

دوافع انتخابية أم محاولة للتملص وراء قرار آبي أحمد تأجيل التوصل إلى اتفاق نهائي.
الخميس 2020/02/27
رفض توقيع الاتفاق

اعتذار إثيوبيا المفاجئ عن المشاركة في الجولة الأخيرة من مفاوضات سد النهضة المقامة في الولايات المتحدة يبدد أجواء التفاؤل بشأن التوصل لاتفاق حول السد، وسط تساؤلات حول ما إذا كانت الخطوة محاولة إثيوبية جديدة للتنصل من الاتفاق أم أن الأمر مرتبط بدوافع ظرفية في علاقة بالانتخابات التشريعية في هذا البلد.

القاهرة – أعلنت إثيوبيا عدم حضورها الجولة الأخيرة من المحادثات المتعلقة بسد النهضة في واشنطن الجمعة والسبت، ما يرجئ حلا كان متوقعا لنزاع أشعل أزمة سياسية بين القاهرة وأديس أبابا.

وقالت وزارة المياه والطاقة الإثيوبية في بيان لها الأربعاء، إنها لن تشارك في المفاوضات الثلاثية التي تشمل السودان ومصر حول سد النهضة بواشنطن، وأخطرت وزارة الخزانة الأميركية أن الحكومة غير قادرة على التفاوض في الوقت الحالي.

وأرجعت الحكومة السبب إلى “عدم الانتهاء من المناقشات التي تجريها محليا مع الجهات المعنية، بعد حصولها على مسودة الاتفاق الأميركية التي تتناول بنود التشغيل والإدارة”.

وعلمت “العرب” أن السبب الحقيقي الذي أودعته الحكومة الإثيوبية في خطاب الاعتذار يرتبط بصعوبة التوقيع على مسودة الاتفاق الأميركي حاليا، الذي يستلزم ضرورة إجازته من قبل البرلمان.

وتستعد إثيوبيا لانتخابات تشريعية في أغسطس المقبل، وتعد مصيرية لما تحمله من تغيرات في وضع البلاد السياسي، وترى أن موعد الانتخابات يتعارض مع إمكانية تمرير اتفاق نهائي حول سد النهضة قبل يوليو المقبل، وهو الموعد المحدد لملء خزان السد.

أحمد حافظ: مصر ملتزمة بالمسار التفاوضي الذي ترعاه الولايات المتحدة
أحمد حافظ: مصر ملتزمة بالمسار التفاوضي الذي ترعاه الولايات المتحدة

وكشفت مصادر إثيوبية، لـ“العرب”، أن أديس أبابا طلبت تأجيل المحادثات بشأن السد خلال زيارة وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو لأديس أبابا الأسبوع الماضي، لكنه رفض لدواع كثيرة، وهو ما جعله يلمح إلى عدم استبعاد أن تستغرق المفاوضات أشهرا.

وعبرت أديس أبابا عن الموقف نفسه في رسالة حملها رئيس الوزراء السابق هايلي مريام ديسالين للرئيس المصري عبدالفتاح السيسي الأحد الماضي،
طلبت فيها تأجيل التوقيع لما بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة، وهو ما رفضته القاهرة.

وردا على خطوة إثيوبيا أعلن المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد حافظ التزام بلاده بالمسار التفاوضي الذي ترعاه الولايات المتحدة والبنك الدولي. وأكد مشاركة وزيري الخارجية والموارد المائية والري في الاجتماع الوزاري الذي دعت إليه الإدارة الأميركية.

وكان وزيرا الري والخارجية في كل من مصر والسودان، قد سافرا إلى واشنطن وفقا للجدول الزمني المتفق عليه، على أمل التوقيع على مسودة الاتفاق الأميركية.

وأوضحت المصادر أن مسودة اتفاقية ملء وتشغيل السد التي أعدتها واشنطن، تشمل بنودا تتحدث عن سلامة السد في أثناء التشغيل، وكيفية حل النزاعات بين الدول الثلاث، وتضمنت نصا حول توقيت الدخول إلى حيز التنفيذ، وبما أنها اتفاقية دولية لن يتم تنفيذها بمجرد توقيعها، بل بعد مصادقة البرلمان الإثيوبي عليها، وفق النظم الدستورية في البلاد.

وأوضح مراقبون أن القرار الإثيوبي المفاجئ جاء استجابة لرغبة شعبية بالداخل، وفي وقت يخشى آبي أحمد رئيس الوزراء خسارة جزء من شعبيته قبل موعد الانتخابات، بما يهدد بقاءه في منصب رئيس الحكومة، في ظل تصاعد حدة الخلافات القبلية والمناطقية، ويتجنب أن يبدو كمن يريد التضحية بأحد المشروعات القومية المنتجة.

وترى دوائر إثيوبية أن المسودة الأميركية امتداد للاتفاقات “الاستعمارية” التي وقعتها مصر والسودان عامي 1929 و1959، ويؤكد الرفض السياسي والشعبي على قوة ومكانة إثيوبيا التي لا تقبل العودة إلى عصور “الرضوخ والاستبداد”.

وأدى العزف على هذا الوتر إلى زيادة الاستنفار في قطاع كبير من المواطنين، وتعظيم فوائد سد النهضة، بما يتجاوز قيمته التنموية، وتحويله إلى مشروع تصطف خلفه الشعوب الإثيوبية بدلا من الاصطفاف حول خلافاتها البينية.

اعتذار يخفي وراءه نقاط استفهام
اعتذار يخفي وراءه نقاط استفهام

وعكس البيان الإثيوبي الذي طالب بمزيد من الوقت للتباحث حول بنود التوافق في أزمة سد النهضة، قدرا كبيرا من المناورة السياسية التي درجت عليها الحكومات الإثيوبية المتعاقبة خلال السنوات الماضية، من دون أن يستخدم ألفاظا حاسمة حول الانسحاب أو الرفض.

ويريد آبي أحمد من وراء الاعتذار عن ذهاب وفد بلاده إلى واشنطن، أن يظهر كمدافع عن موقف بلاده وأحقيتها في التنمية، وبالتالي إرضاء الداخل الرافض للاتفاقية، غير أنه لا يريد وصول الأمر إلى مرحلة الصدام مع الإدارة الأميركية التي أخذت على عاتقها مهمة رعاية مفاوضات سد النهضة.

لذلك قد يقبل بالمسودة والتوقيع عليها لاحقا، بحجة أنه تعرض لضغوط أميركية قوية، ومن مصلحة الشعب الإثيوبي عدم الصدام مع واشنطن، وفي النهاية يقبلها على مضض خوفا من التعرض لحالة من التصويت العقابي في الانتخابات البرلمانية. وعملت إثيوبيا على جس نبض مصر والسودان  قبل حسم موقفها من عدم المشاركة في الجولة الأخيرة، وأوفدت مبعوثين لاستطلاع رأي كل من القاهرة والخرطوم.

ويقول متابعون إن إثيوبيا كانت تأمل أن تخرج بموقف مشترك مع مصر والسودان، أو على الأقل مع الثانية، لتجميد المسودة الأميركية، إلا أنها اصطدمت بموافقة الدولتين على المسودة، والتأكيد على الالتزام بالمضي قدما نحو إتمام مفاوضات واشنطن على نهايتها.

وقال الباحث المصري في المعهد الدولي لإدارة المياه، حسن نجم الدين “يبدو أن إثيوبيا تتلاعب بمفاوضات سد النهضة، ومصر بات موقفها سيئا، حيث قدمت كل التسهيلات الممكنة لتمرير اتفاق دون جدوى”. وأضاف لـ”العرب”، أن القاهرة تنازلت عن بعض ثوابتها في مسألة الإدارة المشتركة لسدود النيل، وما يخص كميات المياه المتدفقة إليها لصالح توقيع اتفاق نهائي، لافتا إلى أن مصر أمامها فرصة لاستمالة السودان إليها واقتناص موقف أميركي داعم لها.

2