إنساني في حريته

كان مفهوم الفن الملتزم كذبة مرّرتها الأحزاب اليسارية من أجل إشاعة أنواع فنية سطحية، فقيرة وساذجة من الفن، هي ليست نتاجا طبيعيا لتطوّر الفنون عبر التاريخ، بقدر ما هي حالة من الامتثال لطريقة تفكير شعبوية، يُراد من خلالها تحريك الجماهير في اتجاه هدف بعينه من أجل إخضاعها. بذلك المعنى كان الفن وسيلة لغسل العقول والاستعباد.
كانت غاية الفن الملتزم تكمن في تكريس القطيعة والانتماء الحزبي. شيء له علاقة بالتدجين ووضع الأمور تحت السيطرة. لقد تم استعمال الفن لغايات سياسية ضيقة ومباشرة تحت شعار الفن الملتزم. وهو ما يتناقض كليا مع مبدأ الحرية الذي هو جوهر الممارسة الفنية منذ البدء.
حرية الموهبة وحرية الخيال وهما منطلقان للوصول إلى فن يخلص إلى إنسانية الفرد وهو يسعى إلى تغيير العالم والحياة معا عن طريق الجمال. ذلك يعني أن الفن في الأساس كان ولا يزال ملتزما بإنسانيته من خلال حرصه على أن يكون حرا في مواجهة كل شرط أو قيد يقف في طريقه.
أما حين تم وضع “الفهم” المباشر والساذج والسطحي شرطا للقبول بالفن، لكونه فنا ملتزما فإن ذلك يعني بالضرورة تشويه البعد الإنساني للفن وإنتاج أعمال تصلح للاستهلاك مرة واحدة ثم تُنسى، مثلها في ذلك مثل اللافتات التي تُرفع في المسيرات.
كان “الفن الملتزم” كما تبنّته الأحزاب اليسارية سببا في ضياع الكثير من المواهب الفنية التي شاء لها سوء الحظ أن يؤمن أصحابها بمبادئ سياسية قدّرت أن الإنساني في الفن إنما يكمن في الاقتراب الفج من حياة الناس البسطاء والتعبير المباشر عن حاجاتهم المعيشية.
وبالرغم من غياب الأنظمة المتشدّدة عقائديا، فهناك اليوم مَن لا يزال يتشبّث بمقولات الفن الملتزم في مواجهة حرية الفن معتبرا أن الأزمة التي تعاني منها الفنون في عصرنا، إنما تصدر عن الهوة التي تفصل بين الفنان والمجتمع. وهو كلام يُراد منه إعادة تدجين الفن والسيطرة عليه.