العشق في درجاته

يمكننا أن نحب من غير أن نكون عشاقا، فالحب درجات، وهو ما فصله صاحب “طوق الحمامة” ابن حزم الأندلسي. والعشق في اللغة هو الغرام أو الحب الشديد أو الإفراط في الحب. من أسمائه في اللغة العربية الوجد والهوى والهيام والصبابة والشغف.
والعشق هو التمسك بالشيء حتى الذوبان فيه، ذلك يعني أن العشق هو الحب كله كما ورد في أغنية أم كلثوم التي غنت عام 1945 “عن العشاق سألوني/ وأنا في العشق لا أفهم” من شعر بيرم التونسي وتلحين زكريا أحمد. ومن يفهم في العشق إذا كان سيد شعراء العرب المتنبي قال “وعذلت أهل العشق حتى ذقته/ فعجبت كيف يموت من لا يعشق”.
وليس خافيا أن مستوى العشق يرتبط بدرجة العذاب، فالمثل العربي يقول “من أحب كثيرا تعذب كثيرا” كان ابن الموصل أبوتمام غافلا عما ينتظره حين قال “نقل فؤادك حيث شئت من الهوى/ ما الحب إلا للحبيب الأول”.
لو أنه أنصت إلى اللوعة التي تخللت كلمات أغنية “أنا بعشقك” التي غنتها السورية ميادة الحناوي لأدرك حجم المعاناة التي تكبدها مؤلفها وملحنها الذي هو المصري بليغ حمدي. كان بليغ يقع في غرام النساء اللواتي يلحن لهن ولم يكن زواجه من وردة الجزائرية إلا جزءا من ذلك الشغف الاستثنائي، غير أنه في ولعه بالحناوي وصل إلى درجة الإلهام الشعري بحيث كتب واحدة من أجمل الأغنيات التي لحنها في حياته.
شيء أشبه بالارتجال غير أنه ارتجال لا يُمل. وكما يبدو فإن عبقري الموسيقى قد استمع إلى نصيحة الشاب الظريف وهو يقول “لا تخف ما صنعت بك الأشواقُ/ واشرح هواك فكلنا عشاقُ” غير أن محمد عبدالوهاب ينتقل بالعشق إلى مكان آخر، مكان لا يشغله الإعجاب بالجسد.
يقول “وابيع روحي فدا روحي وأنا راضي بحرماني/ وعشق الروح مالوش آخر لكن عشق الجسد فاني” وهكذا يكون العشق كما الحب درجات، فلكل حكاية عشق درجتها وما من عاشق يشبه في حكايته عاشقا آخر. في مكتبات الشارع بباريس أرى دائما كتبا وردية، مادتها الأشعار والحكايات التي تروي تفاصيل حياة العاشقين. تلك سلسلة لا تنتهي.
وإذا ما كان التاريخ قد خلد قيس وهو مجنون ليلى وروميو الواقف تحت شرفة جولييت وانطونيو الذي سرقت كيلوبترا قلبه وشاه جيهان الذي بنى من أجل محبوبته ممتاز تاج محل وكازانوفا الذي لعب بقلوب الأميرات، فإن هناك آلاف العشاق ممَن لم ترهم عين ولم تسمع بهم أذن يستحق كل واحد منهم أن يكون ذلك الفتى الذي أغرمت به آني جيراردو في فيلم “الموت حبا”.