الجزائر تفتح كواليس أزمة صناعة الألبان

فرضت أزمة صناعة الألبان في الجزائر على الحكومة الجديدة دخول معركة معقدة بعد اضطرابات واسعة نتيجة نقص منتجات الألبان في السوق المحلية، والذي أدى إلى تصاعد الغضب في الأوساط الشعبية بسبب التركة الثقيلة لفشل الحكومات السابقة في إصلاح القطاع.
الجزائر - أكدت عودة أزمة حليب الأكياس في الجزائر إلى الواجهة مؤخرا عدم جدوى الحلول الترقيعية المتبعة من طرف الحكومات المتعاقبة بعد تفاقم العجز عن تلبية الحاجيات اليومية للمستهلكين من منتجات الألبان.
وعادت مظاهر الطوابير الصباحية أمام المحلات التجارية ونقاط التوزيع للحصول على حليب الأكياس، في مختلف المدن، منذرة بتجدد أزمة لطالما أثارت ضجة بسبب تداخل أسبابها العاكسة لفشل حكومي في معالجة أحد أكثر الملفات حساسية.
وأخذت الأزمة اهتماما لافتا من السلطات مؤخرا، بعدما هدد الرئيس عبدالمجيد تبون، في أول ظهور له مع الإعلام المحلي هذا الأسبوع بإدراج المضاربين في أسعار هذه المادة الاستهلاكية، في خانة “الخونة المهددين لاستقرار المجتمع”.
ويعكس اهتمام الرجل الأول في الدولة بهذه القضية، مخاوف السلطة من اضطرابات اجتماعية، هي في غنى عنها، في ظل الاحتجاجات السياسية المعارضة لها منذ نحو عام، لكن تبون لم يوضح التدابير المنتظر اتخاذها لاحتواء الوضع.
ومع عودة الأزمة إلى الواجهة، تتصاعد التهم المتبادلة بين الأطراف الفاعلة في القطاع، ففيما تحاول مصانع التحويل النأي بنفسها عن نقص المادة الأولية وبقاء الإنتاج في مستوياته العادية، تدخل شبكة التوزيع على الخط بعدم تغطية كامل خطوطها، وتبقى نقاط البيع هي الأخرى الواجهة الأولى في التعامل المباشر مع المستهلكين.
وكانت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك، قد حذرت قبل أسابيع من تفاقم المشكلة بعد دخول إجراء صادر عن مصالح التجارة، حيز التنفيذ يقضي بحصر البيع في حدود المحلات التجارية فقط.
وبررت مصالح التجارة ذلك بكون المادة التي تباع في وقت قياسي (الساعات الصباحية الأولى)، تتطلب مساحة إضافية في محيط المحل.
وأكد رئيس المنظمة مصطفى زبدي، بأنه “منذ دخول الإجراء المذكور حيز التنفيذ فإن 20 بالمئة من التجار توقفوا عن بيع حليب الأكياس، تفاديا لأي متاعب مع المصالح الإدارية لقطاع التجارة، وهو ما خلق حالة من تقلص شبكة التوزيع، بينما كمية الاستهلاك بقيت ثابتة”.
وأظهر مقطع فيديو انتشر على الشبكات الاجتماعية أحد الموزعين أمام مركز لتجميع الحليب في منطقة بئر خادم بالعاصمة، في حالة غضب بسبب إقصائه من تصريف الكمية التي كان يوزعها في العادة.
ووجه هذا الموزع أصابع الاتهام لإدارة المركز بـ”إثارة أزمة الندرة عبر الممارسات المشبوهة في اختيار الموزعين وتلبية الكميات المطلوبة”.
وساهمت ضريبة جديدة أقرتها الحكومة في قانون موازنة 2020، قدرت بنحو 2392 دينار (20 دولارا) على الموزعين في الاضطراب الذي تشهده السوق المحلية، مما دفع أصحابها إلى الاحتجاج أمام مقرات الجهات المعنية، والتنديد بما أسموه “التلاعب بمصير فئة الموزعين وإضافة متاعب جديدة على كاهلهم رغم أن هامش الربح لا يزال في حدوده”.
وتعد مادة الحليب من المواد الأساسية في تركيبة الغذاء الجزائري، ولذلك تم إدراجه في خانة المواد المدعومة من طرف الخزينة العامة، التي تساهم بثلث التسعيرة، وتعتبر من بين الإيرادات التي ترهق الدولة بنحو ملياري دولار سنويا.
وأكد رئيس جمعية موزعي الحليب التابعة للاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين أمين بلور أن عددا كبيرا من موزعي حليب الأكياس بولاية تيارت وبعض الولايات الغربية فوجئوا بالغرامة، التي تم فرضها عليهم من بعض مراكز تجميع الحليب، دون وجود مبرر لدفعها.
ورغم رفض هؤلاء الموزعين القرار وطلبهم بإسقاط الغرامة فورا، لكن تجار الألبان رفضوا الأمر، مما دفعهم لشن حركة احتجاجية مما تسبب في حالة اضطراب المادة في السوق المحلية.
ويؤكد بلور أن الضريبة غير قانونية وغير مبررة خاصة أن الحكومة كانت قد ألغتها في 2001، بسبب عدم وجود داع لفرضها، الأمر الذي يطرح اليوم تساؤلات عن سبب إعادتها والغاية من فرضها على بعض الموزعين، ومن طرف بعض محلات بيع الألبان فقط، واستثنائها أخرى في ولايات الوسط، وهو الأمر المثير للحيرة.
وتضم السوق الجزائرية 200 ملبنة أغلبها تنشط ضمن القطاع الخاص، لكن البعض منها توقف عن النشاط بسبب إقصائها من حصة مسحوق الحليب لأسباب مختلفة، ومع ذلك تشهد السوق تذبذبا من حين لآخر في تموين السوق المحلية.
وكانت حكومة عبدالمالك سلال قد أعلنت عن رغبتها إنهاء إنتاج حليب الأكياس، لأسباب تتعلق بصحة ونوعية المادة، والتوجه لتعليب المادة، إلا أنها لم توفق في ذلك بسبب تدهور القدرة الشرائية للمستهلكين، لاسيما وأن التعليب سيضع المادة في خانة الكماليات قياسا بتكلفتها الجديدة.
وتبقى مادة الحليب تشكل أحد تجليات فشل الحكومات المتعاقبة في البلاد، بسبب عجزها عن تقليص فاتورة الاستيراد ورهن الاحتياجات الداخلية بالأسواق الدولية، رغم المقومات الزراعية المحلية وتربية الأبقار.
وتتحكم لوبيات نافذة في نشاط تحويل واستيراد القطاع لدرجة أن أوصلت الاستهلاك الداخلي من الحليب على سبيل المثال إلى 150 لترا للفرد سنويا، مما يتجاوز المعدل العالمي المقدر بحوالي 90 لترا سنويا.
وفضلا عن ذلك، سعت تلك اللوبيات إلى ترتيب النشاط بشكل يكرس الاستحواذ على أموال الدعم الحكومي، وتحويل المادة إلى صناعات مشتقات الحليب كالأجبان والمرطبات.