واشنطن مفوّضة لحسم خلاف سد النهضة بين مصر وإثيوبيا

متابعون يرون أن مصر ضاعفت من جهودها للاحتكام للطرف الرابع عندما تأكدت من وجود مراوغات إثيوبية والاستفادة من عنصر الوقت وتحويل السد إلى أمر واقع.
السبت 2020/01/11
ملف مرشح لمزيد التعقيد

القاهرة – أعلنت وزارة المياه الإثيوبية، الجمعة، إرجاء اجتماعات سد النهضة إلى لقاء أخير يعقد في واشنطن الاثنين المقبل، يحضره وزراء الري والخارجية لبلدان مصر وإثيوبيا والسودان، إضافة إلى وزير الخزانة الأميركي ستيفن منوشين، وممثل عن البنك الدولي.

وحمّلت وزارة المياه عبر بيان نشر على صفحتها الرسمية على فيسبوك، القاهرة مسؤولية الفشل وعدم الوصول إلى اتفاق شامل ينهي أزمة سد النهضة، بعد أن رأت في طلبات الوفد المصري ما اعتبرته “انتهاكا لسيادتها وشؤونها الخاصة في إدارة المياه”.

وقال وزير المياه الإثيوبي، سيلشي بيكل، الخميس، بعد انتهاء اجتماع أديس أبابا الذي استمر على مدى يومين، إن مصر “جاءت إلى المحادثات دون نية التوصل لاتفاق”.

وزادت هذه الاتهامات الموقف صعوبة، لأنها عادت إلى الحلقات السابقة التي درجت فيها أديس أبابا على وضع المسؤولية على عاتق القاهرة، وأكدت أن أربع جولات من المفاوضات، في كل من القاهرة والخرطوم وأديس أبابا، فضلا عن جولة أخرى في واشنطن، لم تفلح في تحريك الموقف العام من أزمة سد النهضة، والتوصل إلى رؤية تفاهمية تزيل السحب التي تراكمت خلال ثمانية أعوام من الشد والجذب.

وكشفت إثيوبيا أن المجتمعين لم يتّفقوا على مسألة ملء السد، لأن مصر قدمت اقتراحا يطلب تنفيذ عملية الملء في فترة 12-21 سنة، وهذا أمر غير مقبول من أديس أبابا التي شددت على أنها ستبدأ ملء السد مع حلول يوليو المقبل. ومعروف أن القاهرة قدمت اقتراحَ أن تكون سنوات ملء السد تترواح بين 7 و10 سنوات، وألمحت الخرطوم إلى أن التفاهم مرجح لأن يكون حول سبع سنوات كحل وسط، غير أن التطورات الرسمية اللاحقة لم تتطرق بوضوح إلى المدة التي جرى الالتفاف حولها.

ومع انتهاء الجولة الأخيرة، بدت إثيوبيا كأنها تخلت عن اللغة الناعمة والمنضبطة التي ظهرت في بياناتها خلال الاجتماعات الثلاثة الماضية، ولوّح مسؤولون فيها إلى أن مصر دخلت بنيّة سلبية مسبقة، قبل الاتفاق الذي عقد بواشنطن في 6 نوفمبر الماضي وأسفر عن عقد أربعة اجتماعات للتفاهم، قبل تفعيل المادة العاشرة في اتفاق الخرطوم في مارس عام 2015، ونص على إشراك طرف رابع خارجي في المفاوضات لتقريب المسافات.

وقال الصحافي الإثيوبي داويت كيبادي، لـ”العرب”، إن مصر أرادت دخول طرف رابع منذ البداية، وتعززت هذه المسألة مع دخول واشنطن والبنك الدولي، ويبدو أنها حققت

داويت كيبادي: مصر تعتقد أن الأزمة يمكن تفكيكها مع دخول جهة رابعة
داويت كيبادي: مصر تعتقد أن الأزمة يمكن تفكيكها مع دخول جهة رابعة

وأضاف أن القاهرة طالبت بدخول هذا الطرف، وظلت تلح على ذلك وسط رفض إثيوبيا التي رأت أن ذلك يعكر صفو التفاهم أكثر من تبديده للمشكلات الفنية، بينما تعتقد مصر أن العقدة يمكن تفكيكها مع دخول جهة رابعة.

ويقول متابعون في القاهرة، إن مصر عندما تأكدت من وجود مراوغات إثيوبية والاستفادة من عنصر الوقت وتحويل السد إلى أمر واقع، ضاعفت من جهودها للاحتكام للطرف الرابع، خاصة أن هناك دراسات فنية تؤكد وجود أضرار مائية سوف تقع عليها.

وحافظت مصر على التعامل بوتيرة دبلوماسية هادئة، ورفضت التلويح بأي من الحلول الخشنة التي أشارت إليها بعض التقارير الإثيوبية في وقت سابق، بما زاد الوضع سخونة.

ولفتت القاهرة إلى أن اجتماع أديس أبابا، الخميس، كان إيجابيا، وأوضح نقاط الخلاف، مع أنه لم يتوصل إلى اتفاق، لكن وزير الري المصري، محمد عبدالعاطي، قال “حققنا وضوحا في كل القضايا بما في ذلك ملء الخزان، ونأمل التوصل لاتفاق في واشنطن”.

وأصبح اجتماع واشنطن المقبل على المحك، فإما أن يحرك الموقف إيجابا، أو يفتح الطريق لدخول الطرف الرابع، وتظهر حلقة جديدة من مسلسل سد النهضة يصعب توقع نهايتها.

ويشير البعض من المراقبين، إلى أن حدة التصريحات الإثيوبية كانت متوقعة، لأن المسؤولين أرادوا تحقيق اتفاق ما يقطع الطريق على دخول الطرف الرابع، بينما جاء اطمئنان الوفد المصري من ثقته في أن اجتماع واشنطن لن يعطي مجالا لأحد للمماطلة.

وأكدت بسمة الزيني، أستاذة السياسة بالجامعة الأميركية في القاهرة، أن تصريحات إثيوبيا خطيرة، خاصة الجزء المتعلق بموعد ملء السد، ما يرخي بظلال سلبية على اجتماع واشنطن.

وأضافت في تصريح لـ”العرب” أن أديس أبابا كأنها تناقض نفسها، لأن إعلان المبادئ قضى بعدم البدء في عملية ملء خزان سد النهضة إلا بعد اتفاق الدول الثلاث، ووزير الري الإثيوبي تحدث من قبل عن أهمية الاتفاق قبل الشروع في الملء بحلول يوليو المقبل.

وشهد اجتماع واشنطن في 9 ديسمبر الماضي، اتفاقا على ربط عملية الملء بحجم الفيضان، وهو ما تدعو إليه مصر، بما يعني أن مرحلة الملء قد تكتمل في سنتين أو ثلاث وربما أكثر.

ومع اتجاه الأنظار إلى واشنطن، باتت المفاوضات على وشك الدخول في مرحلة أشد حسما، لأن فشل الدول الثلاث في تبديد الخلافات وضع جملة من العراقيل، ويفرض البحث عن صيغة توافقية، قبل الدخول في متاهات جديدة.

وسواء كانت الولايات المتحدة أو البنك الدولي أو أي جهة ثالثة هي الطرف الرابع، لم يعد هناك مفر لأي مراوغات، فالتقييم الفني يتولى حسم الأمر، فالحوار سوف يصبح فنيا، ويقيس حجم المكاسب والأضرار لكل طرف بلا عواطف، ما يجعل الفترة المقبلة مزعجة للدولة التي تخشى مواجهة الحقيقة بصورة علمية.

2