وجوه شابة على الفضائيات المصرية لكسر الفكر النمطي المسيطر على الإعلام

القاهرة - بدأت الفضائيات المصرية الاستعانة ببعض الوجوه الشبابية في تقديم برامج حوارية رئيسية على الشاشات الفضائية، ما أربك مذيعي الصفوف الأولى الذين أصبحوا مهددين بالاستغناء عنهم.
وكشفت مصادر إعلامية لـ”العرب” أن الاعتماد المتصاعد على الشباب يرتبط بحاجة الحكومة إلى ضخ دماء جديدة وصناعة جيل من الإعلاميين ليكونوا في صدارة المشهد مستقبلا، بعدما فشلت سياسة تدوير الوجوه القديمة في استقطاب الجمهور المحلي، كما أن وجود مذيعين شباب يرمي إلى التقارب مع أقرانهم ممن تتباعد المسافات بينهم وبين الحكومة.
ويبدو أن بعض الدوائر الرسمية التي تتحكم في إدارة المشهد الإعلامي أدركت أنه مهما ارتفع سقف الحرية مع استمرار الوجوه القديمة، فإن ذلك لن يقنع الشارع، وسوف تُفهم على أنها “حرية موجهة”، أما دخول مذيعين جدد لا يعرفهم الناس وليس لديهم تاريخ من الموالاة، فقد يعيد التوازن للشاشة ويقضي على احتكار بعض الوجوه للرسائل الموجهة للجمهور.
وأكد محمد شومان عميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية في القاهرة لـ”العرب”، أن التركيز على وجوه شبابية خطوة إيجابية ومطلوبة لتغيير الفكر النمطي والتقليدي المسيطر على الشاشات والقضاء على الملل الذي أصاب الجمهور من الوجوه القديمة، لكن لا يمكن الاعتماد على الشباب وحدهم في تحقيق التوازن بالإعلام المصري، دون أن يعقب ذلك رؤية أشمل وأوسع لتحسين صورة الرسالة الإعلامية ذاتها.
وتعتمد طريقة ظهور الشباب في المؤسسات الإعلامية على طريقتين؛ الأولى وجود مذيع شاب إلى جوار المذيع المشهور، أي أنهما يقدمان البرنامج معا، والثانية أن يتم الاعتماد على وجه جديد تماما في مخاطبة الجمهور وحده دون أن يكون معه مقدم برامج صاحب خبرة أو يعرفه الناس عن قُرب.
ويشارك الإعلامي الشاب حسام حداد المذيعة لبنى عسل في تقديم برنامج “الحياة اليوم” على شبكة تلفزيون الحياة، في تجربة مشابهة لوجود الإعلامية الشابة خلود زهران مع المذيع الشهير وائل الإبراشي في تقديم برنامج “كل يوم” على فضائية “أون”، وانضمام المذيعة الشابة لمى جبريل إلى برنامج “المواجهة” على قناة “إكسترا نيوز” لتشارك الإعلامية ريهام السهلي في التقديم.
التغيرات في الفضائيات ترتبط بما يجري من إبعاد لبعض الأجهزة الأمنية التي سيطرت على مفاتيح الإعلام المصري لفترة طويلة
وهناك وجوه شابة أصبحت لديها برامج مستقلة عن أصحاب الشهرة، بينها حسام حداد على “الحياة” وآية عبدالرحمن على “إكسترا نيوز” ودينا زهرة ودنيا سالم في “دي.إم.سي”. ويحظى هؤلاء بنسب مشاهدة معقولة بحكم تركيزهم على قضايا جماهيرية تمس حياة الناس ومطالبهم ومشكلاتهم، وهي السمات التي طالما افتقدها الشارع في البرامج التي يقدمها إعلاميون أصحاب شهرة.
وارتبطت التغيرات بما يجري من إبعاد لبعض الأجهزة الأمنية التي سيطرت على مفاتيح الإعلام المصري لفترة طويلة.
وثمة معضلة تحول دون تحقيق أهداف الاستعانة بوجوه شابة، وهي أن هذه الفئة تدربت في كنف مؤسسات حكومية لتنفيذ أجندتها، ما يجعل خطابها الإعلامي أسيرا للرؤية الرسمية في معالجة القضايا الجماهيرية. وحتى وإن تعمد بعضهم الحديث بلغة قريبة من نبض الشارع، فإنهم يضعون تلقائيا خطوطا حمراء للحفاظ على المكتسبات التي حققوها خشية الإطاحة بهم مبكرا.
ويرى متابعون أن أكبر التحديات أمام الحكومة في الاعتماد على الشباب الإعلاميين لإزاحة الوجوه المستهلكة، أنهم بلا جماهيرية، ما يجعل تأثيرهم في الشارع متوقفا على مناقشة قضايا مثيرة وشائكة يصعب أن يقترب منها أحد حتى الآن، وبالتالي فإن شعبية هؤلاء تظل رهينة فتح الحريات الإعلامية أمامهم لصناعة جماهيرية تؤهلهم للنجاح في مهمة توصيل الرسائل للجمهور.
وتظل هناك مشكلة أكثر تعقيدا، تتعلق بأن المذيع المشهور عندما يشاركه إعلامي شاب في برنامج واحد، لا يعطيه المساحة الكافية للتعبير عن نفسه، بل يحاول تغييبه وتهميشه، لأنه يدرك خطورة صعود نجمه على مستقبله كمذيع صاحب تاريخ، ولا يريد أن يظهر أمام الجمهور بصورة غير التي عُرفت عنه، وأن إعلاميا مغمورا يسيطر على البرنامج في وجوده.
صحيح أن وجود تنافس بين الكبار وحديثي العهد في مهنة المذيع، غالبا ما تكون له انعكاسات إيجابية على المشهد الإعلامي، لكن في الحالة المصرية يبدو المشهد مغايرا. فالواقع يوحي بأن الدوائر الحكومية التي تريد تحقيق التوازن والتنافس غاب عنها تحول الأمر إلى صراع شرس بين الحرس القديم والوجوه الجديدة، ما ينعكس سلبا على المهنة، ومحاولات إصلاحها واستقطاب فئات جماهيرية جديدة بعيدا عن متابعة الإعلام الخارجي.
وقال محمد شومان إن دمج مذيع شاب مع إعلامي مشهور لن يحقق الهدف، بل يجعل الأمر أقرب إلى ترميم صورة البرنامج في أذهان الناس، ولا بديل عن استقلال الوجوه الشابة في برامج خاصة بها ومنحها قدرا كافيا من الحرية، إذا أرادت الحكومة إبعاد الحرس القديم عن المشهد، وإقناع الناس بالعودة إلى متابعة الإعلام المحلي.
ويشير متابعون إلى أن “إقناع الناس برسائل الحكومة لن يتم فقط بتغييب الحرس القديم لصالح المذيعين الشباب، لأن المشكلة ليست في الوجوه وحدها، بل في مضامين الرسائل وسيطرة الصوت الواحد وابتعاد الإعلام عن وظيفته كمرآة لنبض الشارع، وبالتالي فإن اقتصار التطوير على تغيير الوجوه، جزء من الحل، وليس الكل”.