فرنسا تعدّل موقفها من أزمة الجزائر مع اقتراب الانتخابات الرئاسية

تصريح وزير الخارجية الفرنسي يوحي إلى أن باريس تريد التزام موقف محايد بين السلطة والحراك المعارض.
الأربعاء 2019/11/27
الجزائر ترفض تدويل أزمتها الداخلية

الجزائر - عدّلت الديبلوماسية الفرنسية من موقفها تجاه الأوضاع السياسية السائدة في الجزائر منذ عشرة أشهر، بشكل يزيد من الغموض حول مصير الاستحقاق الرئاسي المقرر بعد نحو أسبوعين، حيث أدرج وزير خارجيتها جون إيف لودريان مفردات جديدة في تصريحه الأخير، توحي إلى أن باريس تريد التزام موقف محايد بين السلطة والحراك المعارض.

وشدد وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان، في تصريح أدلى به لصحيفة “بروفانس” المحلية، الثلاثاء، على أن الحل في الجزائر يكمن في “حوار حقيقي واحترام الحريات “، وهي المقاربة التي تتبناها العديد من الأطراف السياسية في الجزائر للخروج من الأزمة، وقدمت في شكل مبادرات سياسية حتى عشية الإقرار بموعد تنظيم الانتخابات الرئاسية.

وشكّل الحوار المفتوح والتمكين للحريات صلب المطالب التي رفعتها قوى سياسية وشخصيات مستقلة، وحتى لجنة الحوار، وأبدى حينها رئيس الدولة المؤقت عبدالقادر بن صالح، التفاعل معها، قبل أن يقطع الرجل القوي في السلطة والمؤسسة العسكرية الجنرال أحمد قايد صالح، الطريق على المبادرة ويفرض أجندة السلطة الفعلية.

وقال لودريان، إن “الحل يكمن في حوار ديمقراطي يتيح للجميع التعبير عن آرائهم بلا خوف، وأن تحترم حريات التعبير والديانة والصحافة والتظاهر بشكل تام”.

وتوحي تصريحات لودريان، إلى أن باريس بصدد بلورة موقف سياسي تجاه الأزمة السياسية في الجزائر، بشكل ينهي حالة التواطؤ مع السلطة طيلة الأشهر الماضية، حيث كانت سلطات الإليزيه تؤيد المخارج التي تضعها السلطة الجزائرية، حتى قبل تنحّي الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، مطلع أبريل الماضي.

الديبلوماسية الجزائرية جنّدت جميع دوائرها للحيلولة دون عرض البرلمان الأوروبي للملف الجزائري

ويبدو أن باريس التي تحوز على حصرية النفوذ السياسي والاقتصادي في الجزائر لعوامل تاريخية، قد وقعت تحت ضغط غير معلن من طرف المجموعة الأوروبية، التي لا تريد تجاوز نفوذ باريس، لكنها منزعجة من استمرار الأزمة السياسية في الجزائر.

ويتجه الإليزيه إلى بلورة موقف محايد بين طرفي النزاع، وهو يدفع إلى انتظار تغيرات في موازين القوة داخل البلاد، باعتبار أمنيات فرنسا هي بمثابة أوامر لمستعمراتها القديمة.

وعبّر لودريان، عن أمنية بلاده في “تمكن الجزائريين الذين أثبتوا نضجا مثاليا، أمر تحديدها، وأن الأمر الوحيد الذي ترغب فيه فرنسا، هو أن يجد الجزائريون معا درب الانتقال الديمقراطي”، في إشارة إلى ضرورة اشتراك جميع الأطراف في بلورة حل نهائي لتحقيق الانتقال الديمقراطي في البلاد.

وجاء تصريح لودريان، بشأن الوضع الجزائري، في خضم لغط كبير أثارته دعوة البرلماني الفرنسي رفائيل غلوكسمان، البرلمان الأوروبي إلى تخصيص جلسة علنية لمناقشة الوضع السياسي في الجزائر، وتمت دعوة النقابي والناشط السياسي المعارض رشيد معلاوي، لتقديم عرض عن الوضع السائد في بلاده.

وهو ما روجت له السلطة الجزائرية والدوائر السياسية الموالية لها، في سياق “المؤامرة الخارجية والتدخل الأجنبي”، حيث عبّر عدد من المرشحين للانتخابات الرئاسية على غرار عبدالقادر بن قرينة وعلي بنفليس، عن رفضهما لأي “تدخل في الشأن الداخلي”، وشددا على أن المقاربة الانتخابية باتت مصدر إزعاج لأطراف خارجية.

وذكر مصدر مطلع لـ”العرب”، أن الدبلوماسية الجزائرية جنّدت جميع دوائرها للحيلولة دون عرض البرلمان الأوروبي للملف الجزائري، أو إصدار أي لائحة أو بيان يدين السلطات الجزائرية، حول ممارسات التضييق وقمع المعارضين والمحتجين، وفرض انتخابات رفضها الشارع منذ الإعلان عن موعدها.

Thumbnail

ولفت إلى أن الخارجية الجزائرية استدعت سفير الاتحاد الأوروبي إلى مصالحها في العاصمة مؤخرا، لنقل احتجاجها على تحركات سياسية ودبلوماسية في أوروبا بغرض طرح الملف الجزائري، كما أوعزت إلى السفراء والقناصلة في العواصم الأوربية مباشرة اتصالات مع الحكومات المحلية للحيلولة دون تناول الوضع الداخلي في البرلمان الأوروبي.

وأمام تصاعد وتيرة الاحتجاجات السياسية في البلاد، على تنظيم الانتخابات الرئاسية في الظروف والأوضاع السائدة، وبداية انفلات الوضع الداخلي إلى التدويل، والتصريحات الجديدة لوزير الخارجية الفرنسي، يزداد مصير الاستحقاق غموضا، لاسيما في ظل الدعوات لإضرابات شاملة وعصيان مدني خلال الأيام القادمة.

 وتحاول بعض الأطراف البحث عن مخارج لإنقاذ الاستحقاق الرئاسي، حيث صرّح رئيس جبهة العدالة والبناء عبدالله جاب الله، بأن “الانتخابات الرئاسية مآلها الفشل، ومهما كانت النتائج فإن الرئيس القادم سيرث تركة ثقيلة يصعب عليه التعاطي معها داخليا وخارجيا”.

ورجحت بعض الأطراف إمكانية الذهاب إلى الانتخابات، مع إلغاء السلطة المستقلة للانتخابات والمجلس الدستوري للنتائج التي تفرزها، تحت مبررات معينة، وهو ما سيفضي إلى إلغاء غير مباشر للاستحقاق والعودة إلى البحث عن حلول جادة للأزمة السياسية التي دخلت شهرها العاشر.

4