الجزائريون يحشدون لتحقيق "استقلال ثان" في ذكرى ثورة التحرير

يتزامن إحياء الذكرى الخامسة والستين لانطلاق ثورة التحرير في الجزائر مع مرور البلاد بحالة احتقان شعبي وحشد معارض لخيارات السلطة السياسية والاقتصادية ويطالب بتنحيتها من الحكم وطي صفحة نظام الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة بالكامل.
الجزائر - تحيي الجزائر الذكرى الخامسة والستين لذكرى انطلاق ثورة التحرير، في أجواء استثنائية بسبب تنامي المخاوف من التفريط في ثروات البلاد وفي ظل تصاعد وتيرة الاحتقان الداخلي، حيث يعول المعارضون للسلطة على رمزية التاريخ لإجبار النظام على التنازل عن مواقعه وتحقيق ما أسموه بـ”استقلال ثان” من خلال الاستجابة للمطالب السياسية المرفوعة منذ تسعة أشهر.
وتتوجه الأنظار إلى ما ستسفر عنه حملة التعبئة القوية في الشارع الجزائري، لتوظيف رمزية ذكرى اندلاع ثورة التحرير المصادف للفاتح من نوفمبر، من أجل حمل السلطة على تسليم مقاليد الدولة للشعب، والاستجابة للمطالب السياسية المرفوعة منذ قرابة العام، لاسيما ما بات يعرف بتحقيق الاستقلال الثاني.
وتعتبر المكاسب الاقتصادية والاجتماعية من بين رموز السيادة التي صارت مصدر قلق حقيقي للجزائريين، في ظل بروز مؤشرات على استعداد السلطة للتنازل عما حققه الاستقلال الوطني العام 1962، وفي مقدمة ذلك استرجاع السيادة على كبريات الممتلكات كالنفط والغاز والثروات الباطنية. وشكل قانون المحروقات الذي أطلقته الحكومة مؤخرا، القطرة التي أفاضت الكأس، وعمقت المخاوف في الشارع الجزائري، خاصة لدى قوى المعارضة السياسية والحراك الشعبي، من خطورة الوضع القائم، في ضوء استعداد السلطة الحالية للتنازل عما كان يندرج ضمن الخطوط الحمراء، وهي الثروات النفطية التي تمثل أبرز رموز السيادة والاستقلال الوطني.
توجّس شعبي من تفريط السلطة الجزائرية في الثروات النفطية للبلاد عبر قانون المحروقات الجديد المثير للجدل
ورغم المبررات التي قدمتها الحكومة من أجل تبرير خلفيات القانون الجديد، على اعتبار أن البلاد في حاجة ماسة إلى تطوير شراكتها مع الشركات الأجنبية، للنهوض بقطاع المحروقات والثروات الباطنية، وضمان مداخيل إضافية للدولة تكفل الحاجات الداخلية المتزايدة، إلا أن القانون شكل صدمة وقلقا قويين لدى المناوئين للمشروع، قياسا بالتنازلات التي تفقد الدولة السيادة على ثرواتها الاستراتجية.
ودخل الحراك الشعبي وقوى المعارضة السياسية في البلاد، في حملة تعبئة قوية على شبكات التواصل الاجتماعي، من أجل تنظيم مسيرات شعبية حاشدة في العاصمة وفي مختلف مدن ومحافظات البلاد، بغية ثني السلطة المتشبثة بخياراتها عن الاستجابة للمطالب السياسية المرفوعة. ووصف ناشطون في الحراك الشعبي، الجمعة السابعة والثلاثين (اليوم الجمعة)، بأنها ستكون بداية النهاية للنظام القائم، وأن الجزائريين سيحققون استقلالهم الثاني، ويستعيدون سيادتهم على جميع مقدراتهم.
ولم يستبعد الخبير الاقتصادي إسماعيل لالماس، أن يكون قانون المحروقات من بين الأوراق التي تلعبها السلطة، من أجل ضمان الدعم الخارجي لبقائها واستمرارها، وأن الشركات النفطية العالمية المستفيد الأكبر من المزايا والمحفزات الجديدة، ستضغط على حكومات بلدانها لدعم بقاء السلطة الجزائرية.
وبات من الصعب العزل بين المطالب الاقتصادية والسياسية في المشهد الجزائري، وكل حركة احتجاجية فئوية تربطها الدوائر المقربة من السلطة بالتحرك لصالح أجندة سياسية.
وتعتبر الجبهتان الاقتصادية والاجتماعية، الفتيلين اللذين غذيا الحراك الجزائري قبل انطلاقه أو بعده، لما لهما من صلة وثيقة بالسلم الاجتماعي في البلاد، فمع بداية العجز التدريجي للسلطة عن تلبية المطالب الفئوية توسعت عدوى الاحتجاجات وأخذت طابعا سياسيا منذ شهر فبراير الماضي.
وأوجدت الذكرى الخامسة والستون لثورة التحرير، مناخا ملائما لتفاعل الجبهات الاقتصادية والاجتماعية مع المطالب السياسية، حيث مزج القضاة المضربون بين الاحتجاج على حركة التحويلات الداخلية وبين استقلالية القضاء والعلاقة بين السلطتين القضائية والتنفيذية، كما وظف المعارضون للسلطة قانون المحروقات في إذكاء جذوة الغضب لدى الشارع، قياسا بما اعتبروه تنازلا ورهنا لمصدر قوت الأجيال القادمة.
ويمثل النفط والغاز المصدر الأساسي لمداخيل البلاد، حيث يساهم بنحو 98 بالمئة من عائدات الخزينة العمومية، وهو ما يبرز أهمية قطاع المحروقات بالجزائر، الذي أممه نظام الرئيس الراحل هواري بومدين، من الاستحواذ الفرنسي العام 1971، قبل أن تراجع الحكومة قانون المحروقات بشكل عميق، رغم حفاظها على قاعدة 49/ 51 من أجل ضمان أغلبية الأسهم في مختلف المشروعات لصالح المستثمر الوطني.