تشديد عقوبة مزوري الكتب.. هل ينقذ صناعة النشر العربية

اتحاد الناشرين العرب يكشف عن تضخم حجم سوق الكتب المزورة في الدول العربية مع خسائر تصل لـ"350 مليون دولار" سنويا.
الثلاثاء 2019/10/29
مزورو الكتب خطر يهدد الكتب (لوحة للفنان علي رضا درويش)

لا اختلاف على أن تزوير الكتب يضر بشكل فادح بصناعة النشر، حيث يهدد هذه الصناعة بشكل خطير، لكن مواجهة التزوير في ظل غياب الوعي لدى القراء العرب يبدو أمرا صعبا. حيث حتى القوانين المقترحة قد تتحول غاياتها إلى التضييق على الحريات. ومن ناحية أخرى فإن تدهور القدرة الشرائية لدى القارئ العربي يعطل أيضا مواجهة الظاهرة.

القاهرة - أصبحت قضية تزوير الكتب تتربع مؤخرا على عرش الموضوعات الأكثر تداولا في وسائل الإعلام، والأشد إثارة على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن أطلق كتاب ونقاد حملة لتوعية القراء بمكافحة قرصنة الطباعة وذلك بعدم شراء الكتب المزورة.

وبدأ الكاتب المصري عمر طاهر الحملة بإطلاق عدة مقالات وتغريدات حول أزمة الطباعة في مصر، ثم انضم إليه وتفاعل معه كتاب عرب منهم، الأديب السوداني حمور زيادة، والمصري أشرف العشماوي، والمغربي يوسف الربيعي.

وتحولت المسألة إلى جدل حول الأسباب التي أدت إلى الظاهرة، وحاول البعض الدفاع عن سوق الكتب المزورة على كونها البديل المنطقي للارتفاع غير المبرر للأسعار خلال الأعوام الأخيرة بشكل أضعف فرص القراء في شراء العديد من الكتب الجيدة.

تزوير فاضح

كشفت إحصاءات اتحاد الناشرين العرب حول الأرقام الرسمية المسجلة في المجلس التصديري للكتاب بالقاهرة، عن تضخم حجم سوق الكتب المزورة في الدول العربية، وتبلغ الخسائر 350 مليون دولار سنويا، مقابل حجم سوق الكتب الرسمي الذي لم يزد عن 15 مليون دولار.

قال محمد رشاد، رئيس اتحاد الناشرين العرب، إن الفجوة الكبيرة بين سوق الكتب المزورة والصادرة عن دور النشر العربية، أفضت إلى كارثة تهدد سوق النشر العربي.

وأضاف لـ“العرب”، أن صناعة النشر في الدول العربية تواجه تحديات غير مسبوقة، وقد تنعكس بقوة على سوق النشر التي تراجعت بنسبة تصل إلى 20 بالمئة، وتسبب التزوير أو إنتاج كتب من خلال مؤسسات غير رسمية في خسائر ضخمة وصلت إلى حد إغلاق العشرات من دور النشر، وعزوف الكُتاب عن الكتابة بسبب ضعف المبيعات.

ولا تعد قضية تزوير الكتب جديدة، حيث تنتج دور النشر العشرات من الكتب سنويا ويتم تزويرها من خلال هيئات تعمل في الخفاء وتقوم بإصدار نسخ أقل في الجودة وأقل في السعر بنسبة كبيرة، تجعل القارئ العربي يقبل عليها ظنا منه أن دور النشر الأصلية تقوم بسرقته.

صناعة النشر في الدول العربية تواجه تحديات غير مسبوقة وقد تنعكس سلبيا وبقوة على سوق النشر

وأوضح رشاد أن الصورة الذهنية السلبية تعود إلى غياب وعي الكثيرين، لافتا إلى أن “دور النشر لا تغالي في أسعار الكتب، لكن من الطبيعي أن تكون الكتب المزورة أرخص لأن الناشر المزور لا يدفع الضرائب ولا حقوق النشر أو المصاريف الإدارية، ويقدم نسخا رديئة تقلل من تكلفة الطباعة، وبالتالي من الطبيعي أن تكون الكتب المزورة أقل سعرا”.

تتباين الدول العربية في درجة ونوعية عملية التزوير، فتأتي بعض الدول في مقدمة إنتاج الكتب المزورة، مثل مصر والسودان والمغرب، وهي دول تنتشر فيها “مافيا الكتب” ولا تكتفي بنشرها في السوق المحلية، لكن تعمل على تصديرها إلى دول أخرى.

وتلعب بعض الدول دورا رئيسيا في عملية توزيع ونشر الكتب المزورة في الخارج، وهناك مراكز ومكاتب متخصصة تعمل على استقبال الكتب غير الرسمية، ثم تقوم بإعادة توزيعها على نطاق أوسع في دول أخرى تهتم ببيع الكتب العربية، وخاصة الروايات.

طرحت حالة الغضب لدى الناشرين العرب طلبات واسعة بتفعيل قانون حماية الملكية الفكرية ومنظومة النشر بشكل أكثر قوة في مصر، والتي تعد السوق الأكبر والأكثر استحواذا على طباعة الكتب في العالم العربي، وتؤكد رؤى الناشرين وجود رغبة حقيقية في تغليظ القانون وتفعيله بصورة رادعة للمزورين.

وأكد رشاد لـ“العرب” أن القانون الحالي في مصر، حال تطبيقه فعليا، فهو يجرم عملية التزوير ويغرم المزور بما يتراوح بين 300 دولار و600 دولار، وبمدة حبس لا تزيد عن ثلاثة أشهر، ولذلك كيف يمكن لغرامة زهيدة مثل تلك أن تخيف المزور من اقتحام عالم النشر الذي تصل نسبة الأرباح فيه إلى ملايين الجنيهات؟

قانون قابل للتطبيق

لا تتوقف المسألة عند القانون الرادع وحده، حيث يرى ناشرون أن مواجهة أزمة تزوير الكتب قضية لا تحتاج فقط إلى القانون الحاكم، بل أيضا إلى وعي من الجمهور.

وقد يعتقد القارئ أن عملية شراء الكتب رخيصة الثمن تتيح له شراء عدد أكبر من الكتب، إلا أنها في الحقيقة تنعكس بالسلب بشكل غير مباشر على عالم الكتب، فالسوق المزورة تضعف مبيعات الكتب، وتنعكس على أرباح دور النشر والكاتب، والنتيجة النهائية تكون بانخفاض عدد الكتب واختفاء دور النشر.

تتجاوز عملية تزوير الكتب الدول العربية، فهي موجودة في بلدان غربية عدة، وتظل سوقا صغيرة وغير مؤثرة بسبب وعي القارئ الغربي بأهمية دعم صناعة النشر والمبدعين. الأمر الذي يفرض ضرورة رفع الوعي بأهمية احترام حقوق الملكية الفكرية لدى النشء عبر المدارس والجامعات، وتعليم الناس أن تزوير الكتب سرقة وكذب وخداع.

الفجوة الكبيرة بين سوق الكتب المزورة والسوق الرسمية أفضت إلى كارثة
الفجوة الكبيرة بين سوق الكتب المزورة والسوق الرسمية أفضت إلى كارثة

وشدد سعيد عبده رئيس اتحاد الناشرين المصريين على دور قوانين حماية الملكية الفكرية في مصر والتي لم تتغير منذ نشأتها قبل 50 عاما، كما أنه غير رادع على الإطلاق، وربما يشجع على تزوير الكتب.

وقدم اتحاد الناشرين المصريين قانونا لحماية الملكية الفكرية إلى مجلس النواب المصري مؤخرا، يهدف إلى تغليظ العقوبة على المزورين، وألا تقتصر على الغرامة فحسب، بل يجب تشديد عقوبة الحبس لكل من تثبت عليه تهمة التزوير.

ويقترح القانون الجديد رفع العقوبة لتصل إلى مدة حبس من 6 أشهر إلى سنة، وغرامة لا تقل عن 250 ألف جنيه (15 ألف دولار). ويواجه مثقفون دعوات تفعيل القانون بحذر، ويخشى البعض من تداخل دور القانون مع حرية الإبداع والنشر والتأثير بصورة سلبية على عالم النشر. فإذا كان القانون أفضل الوسائل لتنظيم وتقنين وترويج المنتج الثقافي، فقد يتحول إلى أداة قمع وتقويض للعمل الأدبي.

تقدم قوانين حماية الحرية الفكرية في صورة ضبابية بين حماية حق الناشر وحق المؤلف اللذين يصطدمان دائما مع صاحب الأحقية في العمل الأدبي أو الثقافي، وربما تنزع تلك الأحقية لصالح الناشر صاحب اليد العليا في ترويج وإدارة الكتاب.

وهنا يحتاج القانون المصري المقترح إلى تدقيق عند التعديل والتفعيل، كي يصبح منصفا ليس فقط بين الناشر المتضرر والمزور، لكن أيضا لحماية حق الكاتب والناشر في الإبداع.

14