طوارئ وعزلة تحيطان بأسر الممتحنين في رمضان

العائلة المصرية لا تجتمع إلا لبضع دقائق، أثناء تناول الإفطار بسبب الامتحانات.
الخميس 2019/05/30
لا ترفيه مع الامتحانات

يعيش نحو نصف مليون أسرة مصرية ظروفا استثنائية وأجواء رمضانية يشوبها التوتر، جراء حالة الطوارئ المفروضة داخل المنزل، حيث تزامن الصيام مع موسم امتحانات نهاية العام الدراسي في مرحلتي التعليم الثانوي والجامعي.

القاهرة – يصعب على الأسر التي لديها طالب أو اثنان في المرحلتين الثانوية والجامعية أن تحتفي بأجواء شهر رمضان، من حيث اللمّة وجلسات السمر وتبادل الزيارات العائلية ومشاهدة الأعمال الدرامية والخروج للتنزه، بل إن التركيز على الاستعداد للامتحانات وحسن سيرها كوّن شبه اتفاق ضمني وشبه جماعي بين الكثير من الأسر على عدم شراء ملابس العيد كأحد إجراءات فرض التركيز على الأبناء.

ويسري قرار تأجيل اقتناء ملابس العيد على جل أفراد الأسرة، وليس من يؤدي الامتحان فقط، ويتفق الأب والأم على أن خروج الابن أو البنت لأحد المراكز التجارية لاختيار ملابس العيد، سوف يستغرق ساعات طويلة بعيدا عن المذاكرة ويخرجه عن التركيز المستمر والعيش في أجواء الامتحانات.

وتقول نادية رزق، وهي أم لفتاتين في المرحلة الثانوية “قرار الحرمان من شراء ملابس العيد أغضب أبنائي لكنني مضطرة، ولا أستطيع التفرقة بينهم أو شراء ملابس دون وجودهم لاختيار المقاس المناسب وإبداء الرأي”.

ولأول مرة لا تجتمع نادية مع بناتها الست المتزوجات في رمضان، حيث كانت تدعوهن لقضاء بضعة أيام في بيت العائلة لتناول إفطار المغرب معا، وذلك لأنها تريد فرض الهدوء في البيت حفاظا على راحة ابنتيها الممتحنتين، وتحلم بأن تراهما طبيبتين في تخصصات نادرة.

يصعب في هذا المنزل أن تتجمع الأسرة إلا لبضع دقائق أثناء تناول الإفطار، لأن الأم طوال اليوم منهكة في شؤون البيت وإعداد الطعام والعصائر ومتابعة أمور بقية أفراد الأسرة، وكل ابنة من الاثنتين تجلس في غرفتها وتغلق الباب على نفسها، وتنام وتستيقظ وتراجع وتعيش يومها بين أربعة جدران، والأب يأتي قبيل أذان المغرب بقليل بسبب ظروف عمله.

لا حل إلا النجاح وإسعاد العائلة
لا حل إلا النجاح وإسعاد العائلة

ورفضت الأم دعوات الإفطار التي وصلتها من أقاربها، وزوجها فعل نفس الشيء مع عائلته، أملا في توفير قدر كبير من التركيز والهدوء وعدم التشتيت لبناتهما، وتشير نادية لـ”العرب” “كنا كل عام نخرج بأريحية إلى المطاعم لتناول الإفطار والسحور ونذهب لشراء ملابس العيد ونتجول في شوارع القاهرة”.

تؤدي البنت الصغرى الامتحانات منذ منتصف رمضان بشكل إلكتروني ضمن 600 ألف طالب وطالبة يطبق عليهم نظام التعليم الجديد، وهؤلاء يعيش أكثرهم حالة توتر وضيق وضغط جراء تطبيق التجربة لأول مرة وإخفاق الحكومة المتكرر في التنفيذ، ومن الطبيعي أن تنعكس الحالة المزاجية المتقلبة للطلاب على بقية أفراد الأسرة.

وتعيش حوالي أربعمئة ألف أسرة مصرية حالة قلق وتوتر وتعب لقرب امتحانات أبنائها بالثانوية العامة (البكالوريا)، التي تلقب بالبعبع لخوف الطلاب والأسر منها، باعتبارها تحدد المستقبل الجامعي للطالب، وسوف تنطلق الامتحانات في اليوم الرابع بعد انتهاء رمضان، إلى جانب عشرات الآلاف من الأسر التي يمتحن أبناؤها في الكليات والمعاهد.

وتؤكد عزة سيد أحمد، وهي أم لطالبة في المرحلة الثانوية “إن كل أسرة تعزل نفسها عن المجتمع المحيط بها، من أقارب وجيران وأصدقاء. نحاول إبعاد أبنائنا عن المؤثرات الخارجية لعبور أصعب مرحلة في مسارهم التعليمي، حتى لا يضيع جهدنا وأموالنا ومستقبل أولادنا مع إغراءات شهر رمضان”.

وينظر الآباء والأمهات إلى فترة الامتحانات باعتبارها موسم جني ثمار التعب والمشقة والجهد وإنفاق الآلاف من الجنيهات طوال العام على الدروس الخصوصية، لذلك يرى رب الأسرة ضرورة فرض إجراءات خاصة على جميع أعضاء المنزل، مثل الهدوء الإجباري وحظر الشغب وتقليل وربما منع استخدام التلفزيون.

ولا يتوقف انعكاس حالة الطوارئ الأسرية على تجاهل ونسيان أجواء رمضان، بل يشعر كل فرد في العائلة بأنه يعيش فترة أشبه بالعقاب. فالآباء يعانون ضغطا نفسيا وعصبيا لأنهم مطالبون بتوفير أموال بشكل يومي للإنفاق على المراجعات النهائية للمدرسين الخصوصيين، وهذا موسم استثنائي بالنسبة للمعلمين، فضلا عن مخصصات الطعام والشراب والاستعداد لشراء مستلزمات عيد الفطر.

ويطلب معلمو الدروس الخصوصية مقابل المحاضرة يوميا، وهذا يحدث طوال شهر رمضان، في ما يسمى بالمراجعات النهائية قبل الامتحانات، ويختلف السعر في كل منطقة حسب تصنيفها شعبية أو حضرية. ويجلس محروس رزق كل ليلة في المقهى المجاور للمنزل رفقة أصدقائه للترويح عن نفسه والتفكير في كيفية تغطية جبل المصروفات الذي تحتاجه أسرته، وفي أحيان كثيرة يضطر للتداين، فهو موظف حكومي وليس صاحب حرفة تدر عليه دخلا يوميا، وأصبح مدانا لكثيرين من أجل تعليم بناته الثلاث اللاتي يؤدين الامتحانات في الثانوية العامة وكلية الطب.

ويواجه أرباب الأسر حالة مزاجية سيئة جراء الغلاء وعدم القدرة على إيفاء الالتزامات الأسرية، وعند الذهاب إلى المنزل يجدون أجواء كئيبة، حيث الصمت والهدوء ومنع استقبال الأهل والأصدقاء ومشاهدة التلفاز، ويقول رزق لـ”العرب” “الأسرة التي لديها أبناء يؤدون الامتحانات في مرحلة تعليمية مهمة يعيش أفرادها حالة من الفرقة”.

ويشير محروس إلى أن زوجته مسؤولة عن فرض الهدوء والاستقرار لغيابه المتكرر لظروف العمل، مع متابعة الابن أو الابنة في المذاكرة والتأكد من عملهما الجدي ومتابعة مواعيد الدروس الخصوصية وإعداد الطعام والشراب وترتيب المنزل.

وتتمثل مشكلة الكثير من الأسر في مصر في أنها تعتبر فرض حالة طوارئ داخل المنزل خلال فترة الامتحانات، السبيل الأمثل لحصول الابن على درجات مرتفعة نتيجة التركيز المتواصل والابتعاد عن المؤثرات المحيطة، ولا تدرك أن الطموح الزائد للأسرة وتضييق الخناق على الأبناء قد يعرضهم لانتكاسة بسبب الضغط النفسي والعزلة المفروضة عليهم.

مشكلة الأسرة أنها تعتبر فرض حالة طوارئ داخل المنزل أثناء الامتحانات السبيل الأمثل لحصول الابن على درجات مرتفعة

وترى دعاء توفيق، باحثة في علم النفس التربوي، أن العادات تفرض نفسها على الآباء والأمهات عند رقابة أبنائهم أثناء الامتحانات، والمشكلة أنهم يطبقون ما كان يحدث معهم في الصغر. فالأب الذي كانت تغلق عليه أبواب الغرفة ويُمنع من الدخول والخروج والتنزه والترفيه عن نفسه يكرر نفس الأمر مع ابنه وابنته، وهذا خطأ تربوي فادح.

وتضيف توفيق لـ”العرب” أن تحميل الأبناء فوق طاقاتهم أثناء الامتحانات، بالعزلة عن العائلة والمجتمع بذريعة التركيز والإلحاح الدائم على المذاكرة والحرمان من مظاهر الحياة الطبيعية، يأتي بنتائج عكسية، فأغلب المتفوقين يعيشون مثل باقي البشر؛ يشاهدون التلفاز ويتصفحون مواقع التواصل الاجتماعي وأحيانا يخرجون للتنزه، والمطلوب ثورة فكرية على عادات وتقاليد الأسر في فترة الامتحانات.

وتؤكد المختصة أن المشكلة الأبدية لبعض الآباء والأمهات، أنهم يتعاملون مع أبنائهم كمشروع استثماري يجب أن يُخرج الأسرة من المستوى الاجتماعي الذي تعيش فيه بالتفوق الدراسي، ويدفعهم هذا التفكير إلى الضغط لنجاح المشروع (الابن أو الابنة) مهما كانت التكلفة، ونادرا ما تتحقق رغبات الأسرة، لأن الطفل يعيش ضغطا نفسيا وعصبيا لا يؤهله لتحقيق الحد الأدنى من النجاح.

21