الكاتب أسيرا

لا تبدو إحصائيات التقرير الأخير الخاص بوضعية النشر والكتاب، الصادر عن مؤسسة الملك عبدالعزيز آل سعود بالدار البيضاء صادمة.
ففي مقابل التطور الذي يعرفه قطاع النشر بالمغرب، تكرس الإصدارات من حيث مجالاتها المعرفية بنية تبدو منغلقة على نفسها. إذ ما زال الأدب يشغل أكثر من ثلث ما يصدر بالبلد، بينما تنحصر نسبة مجال هام كالفلسفة في الثلاثة بالمئة فقط، في الوقت الذي لا تتجاوز نسبة مجالات أخرى، كالاقتصاد والجغرافيا وعلم النفس وعلوم الإدارة الواحد في المئة لكل منها.
ولعل هذا الأمر يبدو مفارقا، من جهة لوجود قراء مفترضين وفعليين في المجالات التي تعرف ضآلة على مستوى الإنتاج، ومن جهة أخرى لتطور بنيات التدريس والبحث الأكاديمي والعلمي في المجالات المعنية بالانحسار.
والحقيقة أن بنية الإنتاج الثقافي والفكري المغربي كانت دائما سجينة مجال معرفي ما، بشكل تصير معه بقية المجالات حلقات ضعيفة أو منسية. فخلال قرون، ظل الإنتاج الديني يمثل الحلقة الأساس، سواء على مستوى التأليف في الفقه وأصوله وعلوم الحديث وعلوم القرآن والسيرة النبوية والتصوف والتوحيد. مع العلم أن ثقل الجانب الديني يبدو أكبر من ذلك، إذا استحضرنا حضوره كطريقة للتفكير وكرؤيا على مستوى عدد من المصنفات المندرجة في إطار حقول معرفية أخرى، كما هو الأمر بالنسبة لعلم الحساب والهندسة والفلك. وهي الأعمال التي كانت في خدمة كثير من العبادات، حيث اعتُبر، على سبيل المثال، علمُ التوقيت “في خدمة معرفة أوقات الصلاة والصيام وجهة القبلة”، بينما اعتُبر الحساب علما مساعدا في مجال الإرث.
ولعل المرسوم الشهير الذي أصدره محمد بن عبدالله في نهاية القرن الثامن عشر، والموجه إلى المدرسين بجامعة القرويين، يعكس دلالات هذا الوضع المفارق.
ففي الوقت الذي ينصّ المرسوم على تخصيص جزء من مداخيل الأحباس لصالح الفقهاء الذين يقرؤون الاسطرلاب وعلم الحساب، يحذر بحزم الذين يخوضون في علم الكلام والمنطق والفلسفة، متهما إياهم بتضليل أهل البادية.
ويبدو أن استمرار تباينات توزع الإنتاج الثقافي والفكري في المغرب، يفتح الباب أمام تزايد واردات البلد على مستوى الكتب، حيث تكشف إحصائيات مكتب الصرف المغربي عن كون واردات المغرب تضاعفت بعشرين مرة قيمة صادراته. وهي نسبة ترتفع بشكل مذهل في حالة بلد صغير كلبنان، حيث تصل إلى حوالي أربعين مرة.
ويعني ذلك، أن كُتاب البلد يظلون أسرى صوت وحيد، على مستوى توزع الإنتاج، رغم ما يحمله المغرب من تنوع على مستوى اللغات والأفكار. إنهم، وهذا هو الأخطر، يستمرون في الكتابة لقراء غير موجودين، بينما يحجمون عن الكتابة لقراء لهم انتظارات أخرى، لا ترتبط بالضرورة بالأدب أو بنقده أو بتفكيكه!