الثقافة والعنف

يبدو من المفارق أن يتصادف تخصيص المجلة الفرنسية العريقة “المغازين ليترير” ملف عددها للشهر الجاري للرسول العربي، تحت عنوان مثير: “محمد الحقيقي”، مع الحادثة الإرهابية التي مست المغرب، وذهب ضحيتها شابتان، الأولى دانماركية والثانية نرويجية. المجلة الفرنسية استعرضت في ملفها السمات المشرقة للشخصية المحمدية وأيضا آثار ودلالات حضوره في النصوص الأدبية الكبرى، ومنها أعمال فولتير وهيغو ولامارتين وغوته.
ولا يبدو هذا العمل الأول من نوعه. فأمثلة الأعمال الموقعة من طرف كتاب ومفكرين أجانب والتي قاربت سواء حياة الرسول أو الإسلام بشكل عام من زاوية عاشقة عديدةٌ. ولعل من آخرها دراسة الباحثة الأميركية جوهن طولان “محمد الأوروبي”، والتي تقف عند قدرة الرسول المذهلة على تغيير الناس والعالم. وذلك دون الحديث عن آلاف النصوص الموقعة من طرف المستشرقين المهتمين بالثقافة الإسلامية.
وبذلك، في اللحظة التي يهتم الآخر بالاقتراب منا، وإن كان لا يقاسمنا الدين ولا اللغة ولا الثقافة ولا الجغرافيا ولا التاريخ، يختار البعض منا أن يهديه في أكثر من مناسبة لحظات مفجعة، تعود بالعلاقة بالآخر إلى ما قبل الصفر.
وبمعزل عن الإرهاب المباشر، يبدو أن العنف يقطن بيننا. نرعاه كل ساعة عبر تصرفاتنا الصغيرة والروتينية. بل إنه صار جزءا من برنامج حيواتنا اليومية. نستيقظ عليه كل صباح، حينما ننسى أن نرسم على شفاهنا ابتسامة صغيرة، وحينما نتصارع اليوم كله من أجل لا شيء، كما لو أننا في حرب أهلية.
إنه نفس العنف الذي ترعاه صحفنا حينما تجعل من نبأ حادثة صغيرة، حتى لو تعلق الأمر بكسر يد مواطن، خبرا أساسيا على مانشيت صفحاتها الأولى، في اللحظة التي تخبئ أخبار الثقافة والإبداع والجمال في ثنايا بقية الصفحات الداخلية أو الأخيرة. إنه العنف نفسه الذي تكرسه صفحات الشبكات الاجتماعية، حيث يبدو الكثيرون مستعدين للرقن على اللايك، خصوصا حينما يتعلق الأمر بالمس بأعراض الناس. إنه أيضا نفس العنف الذي يطعمه المثقفون والكتاب بصراعاتهم الصغيرة على أمجاد وهمية بدل الصراع من أجل الأفكار.
إنها بعض مظاهر العنف التي تضع علم النفس وتطوراته في مأزق. ولعلنا نحتاج آليات علم نفس جديد خاصة بالشخصية العربية وبتشابكاتها وبتعقيداتها. هل يجب التذكير هنا بالأرقام المرعبة لتقرير منظمة الصحة العالمية الأخير والذي يؤكد أن واحدا من أصل خمسة أشخاص، من منطقة شرق المتوسط، يجتاحه الاكتئاب.
إنها بعض ملامح الشخصية العربية المقهورة، التي توفق الباحث مصطفى حجازي، قبل سنوات، في ضبط تجلياتها، من خلال عمله الشهير “سيكولوجيا الإنسان المقهور”. وإن كان حجازي مدعوا لتحيين كتابه، إذ أن الغالب أن الأمراض الثلاث مئة التي كان قد حصرها، قد تضاعفت وتولدت عنها رزمة أمراض هجينة أخرى. والغالب أن على رأسها العنف الذي صار كائنا أليفا.