قراء داخل السجون

لا ينحصر الأمر في السجون التي يتم تحويلها إلى مكتبات، بل الأهم هو أن يتم تحويل السجناء إلى قراء. وتلك حالة الكثير من أنظمة السجن التي تجعل الحق في القراءة جزءا من المواطنة.
السبت 2018/10/20
وحدها القراءة تستطيع أن تُطوّع السجان والسجين

 اختار منظمو المهرجان العالمي للشعر بمدينة تروا ريفيير الكندية الخروج بنا من الفضاءات التقليدية لنقرأ داخل باحة سجن قديم. أما المدهش فهو أن الأمسية بدأت بقراءة نصوص لمحمود درويش بأصوات شعراء كنديين. وكان الأمر يحمل أكثر من دلالة عن الارتباط العميق بين نصوص الشاعر والفضاء الذي تم اختياره.

أما السجن فقد كان يشبه أي سجن عربي رديء، حيث كانت ظروف السجناء قاسية جدا، خصوصا في فصل الشتاء. ولنا أن نتصور إقامة داخل زنزانة لا تتوفر على ظروف التهوية، مع برودة قد تصل إلى الأربعين تحت الصفر. ولذلك، كان طبيعيا أن تقدم الحكومة الكندية على إغلاق السجن، الذي يعود تدشينه إلى بدايات القرن التاسع عشر. وبدل هدمه، كما تفعل الكثير من الأنظمة، في إطار طي الصفحات أو محوها، اختار الكنديون تحويل المعتقل إلى مركز ثقافي، يضم مكتبة كبيرة.

ولا تبدو هذه الحالة معزولة. فمكتبة كبيرة  كمكتبة  فرانسواز  ساغان بباريس يحتضنها سجن عريق يعود إلى ما قبل الثورة الفرنسية. ولعلها أيضا حالة سجن لعلو بالرباط الذي كان يستضيف المئات من المقاومين المغاربة خلال الاستعمار، والذي من المُفترض أن يتم تحويله إلى مركز للتعريف بالرباط، مع مكتبة خاصة بالمصنفات التي تتناول المدينة.

لا ينحصر الأمر في السجون التي يتم تحويلها إلى مكتبات. بل الأهم هو أن يتم تحويل السجناء إلى قراء. وتلك حالة الكثير من أنظمة السجن التي تجعل الحق في القراءة جزءا من المواطنة، سواء كان المعني بها حرّا أو وراء المعتقل. وإن كانت جرعة تصريف هذا الحق تختلف من نظام إلى آخر.

ولذلك كان عاديا أن تطلق منظمة الإفلا، الممثِّلة لمكتبات العالم، لتوصياتها الشهيرة الخاصة بالحق في القراءة داخل السجون، مؤكدة ضرورة فتح مكتبات السجون أمام كل المعتقلين، بمعزل عن خطورتهم، تاركة لاحترام القانون الداخلي للمكتبة سلطة تدبير ولوجها.

ويبدو أن بلدا كالبرازيل، التي تعرفُ بنسبة عالية من الجرائم، ذهبت إلى أبعد من ذلك، حيث أطلقت منذ سنوات نظاما يضمن تخفيض عقوبة السجين بأربعة أيام مقابل كل كتاب يقرأه. ولعلها الطريقة الأفضل لخلق قراء نهمين وأيضا للتخلص من الاكتظاظ الذي يطبع سجون البلد.

بعد الأمسية التي أشرت إليها في البداية، تمت استضافتنا في مطعم السجن. وكانت الوجبة نفسها التي كانت تُمنح للسجناء. أما المائدة فقد جمعتنا مع موظفي مكتبة المركز الثقافي. وسأكتشف أثناء حديثي معهم أنه تم اختيارهم من بين موظفي السجن.  وكان أمرا مفاجئا لي أن ألتقي لأول مرة بمشرفين على مكتبات ببنيات قوية وبوشوم على أذرعهم. وهي المواصفات التي كانت تقتضيها طبيعة السجن الحافل بعتاة المجرمين. وحدها القراءة تستطيع أن تُطوّع السجان والسجين.

15