أدب الأقليات

يعيدني موضوع الجدل المرتبط بتغيير اسم مقدونيا، خارج الجانب السياسي للأزمة، إلى الحوار الذي كنت قد أجريته مع الروائي المقدوني لوان ستاروافا والذي كان قد نشر بمجلة الكرمل الفلسطينية. إذ يبدو مسار الرجل حاملا للكثير من المفارقات المرتبطة بالسفر المستمر للأقليات وبحثها عن هوية مفتقدة وعن مكان داخل وطن متنازع عليه.
ينتمي لوان ستاروفا، الذي سبق له أن كان سفيرا ليوغوسلافيا السابقة لدى منظمة التحرير الفلسطينية بتونس، إلى عائلة ألبانية مسلمة هاجرت إلى مقدونيا. وبذلك كانت العائلة بالنسبة له وطنا دائما، يبحث عن جذورها باستمرار. إنها، كما يشببها لوان ستاروفا، أشبه بقرطاج التي استطاعت أن تقاوم خطر المحو.
ولعل هذه الحالة ليست معزولة، فالأدب يشكل صوت كل الأقليات، مع اختلاف مستوى وقوة حضوره وتوزعه على الشفهي والمكتوب. لأنه الوسيلة الأفضل لمقاومة المحو. وإذا كانت أصوات أدب الأقليات داخل الكثير من الدول العربية تظل خافتة، فالوضع يبدو مختلفا في الكثير من الجغرافيات الأخرى. ولعل النموذج الأفضل في هذا الإطار هو البلدان المستعمِرة سابقا، وعلى رأسها فرنسا، حيث يتقاسم أدبَ الأقليات من جهة إنتاجُ الأدباء المغاربيين المنحدرين من الجيل الثاني من المهاجرين إلى البلد، وهو الإنتاج المعروف باسم البور والذي تطبعه تيمة البحث عن الهوية المتقدة، ومن جهة أخرى إنتاجُ “أدب الضواحي” المنبثق من المناطق المنسية والبعيدة عن المجالات الحضرية.
وبذلك، تجد الكثير من الأقليات مكانا لها داخل التاريخ بفضل كتابها. من كان يستطيع أن يذكر الكتابة الزنوجية بالولايات المتحدة الأميركية لو لم يكن هناك فريدريك دوغلاس، الذي يُعتبر مؤسسا لهذه الكتابة بفضل سيرته الشهيرة “فريدريك دوغلاس، الأميركي العبد”. من كان سيستحضر شعب الطوارق الذي تكاد تغمره صحراء النسيان لو لم يكن هناك شاعر بحجم محمدين خواد، الذي يواصل تجربته المذهلة مانحا كل الضوء لشعبه. وقبلهما، ألم يستطع بيت واحد للشاعر الحطيئة إدخال قبيلة أنف الناقة التي كانت تُعير باسمها، إلى ذاكرة التاريخ والمجد.
وبذلك، يمكن لأمم ولأقليات ألا تستطيع تشييد أهرامات فتظل مغمورة إلى أن يأتي كاتب منها ليجعلها حديث الناس ويصنع لها مكانة بين الشعوب الكبرى. وإن كان هناك سؤال ما زال مطروحا عن جدوى الأدب، فهذه على الأقل واحدة من ملامح جدواه.
خلال مشاركة المغرب كضيف شرف الدورة الأخيرة لمعرض الكيبك للكتاب، راقني وجود دار نشر تشْغل جناحا صغيرا جنب رواق البلد، وهي مختصة في نشر أدب السكان الأصليين. كما أدهشني أن يكون المشرف على الرواق شاعرا كنديا شابا وهو لويس-كارل بيكارد. غير أن المفاجئ هو أن مدير المعرض سينبهني، بغير قليل من الزهو، إلى أن الدار تشارك لأول مرة في المعرض. فضلتُ، تجنبا للإحراج، ألا أُذكّره بأنهم تأخروا كثيرا في ذلك، خصوصا أن المعرض يقفل هذه السنة ربع قرن من عمره.