مصر تحصّن المدينات والأطفال بعقوبات بديلة عن السجن

مشروع قانون يقضي بإلغاء حبس المدينات على أن تكون هناك عقوبات بديلة للسجن، بحيث لا يكون للسيدة سجل جنائي، ولا تقضي فترة العقوبة وسط المتهمات بالإجرام.
الخميس 2018/06/07
مصر قريبا بلا سجينات مدينات

القاهرة – ثلاث سنوات كاملة، قضتها سماح إبراهيم، وهي سيدة أربعينية من محافظة البحيرة، شمال القاهرة، في الحبس بعدما عجزت عن دفع 10 آلاف جنيه (560 دولارا) باقي تكلفة الأجهزة الكهربائية التي اشترتها لابنتها قبل زواجها.

قضية سماح، واحدة من عشرات الآلاف من قصص المدينات القابعات في السجون المصرية، نتيجة مرورهن بضائقة مالية، وعدم قدرتهن على سداد الديون في الموعد المتفق عليه، لكن القانون يعاملهن كسجينات جانيات.

تنظر سماح، وفق حديثها لـ”العرب”، إلى أن مشروع القانون الخاص باستبدال عقوبة سجن المدينات، بعقوبات بديلة، مثل الوظيفة المدنية المؤقتة، يحمي الأم وأطفالها من الوصمة المجتمعية ويحافظ على سمعة الأسرة وتحصينها من التفكك والضياع.

ما يميز مشروع قانون تقدم به نحو 60 عضوا في مجلس النواب بمصر، يقضي بإلغاء سجن المدينات، أنه يحظى بدعم وتأييد برلماني وأزهري وكنسي وحقوقي وإعلامي، وهو يمثل بارقة أمل جديدة لهذه الفئة من السيدات اللاتي أصبحن منبوذات مجتمعيا وأسريا، ويعاني أبناؤهن من التشرد والإيذاء النفسي.

وأكد محـمد أبوحامد عضو ائتلاف “دعم مصر” صاحب الأغلبية في البرلمان لـ”العرب”، أن أكثر أعضاء مجلس النواب يدعمون استبدال عقوبة حبس المدينات بأخرى مدنية، لأن تجاهل وضع حل جذري للقضية، خطر داهم على الأسرة، وقد يصل الأمر إلى حدّ شيوع التطرف بين أفرادها، لافتا إلى أن “مصر قريبا بلا سجينات مدينات”.

وتتنوع العقوبات البديلة في التشريع الجديد، بين عاملات نظافة في المصالح الحكومية مثل المستشفيات والمدارس أو العمل في مصانع الغزل والنسيج، ويتم وضعهن تحت رقابة الأمن ويحصلن على راتب شهري، وينفقن على أسرهن ويسددن ديونهن.

ويهدف التشريع الجديد إلى الحفاظ على كيان الأسرة، وإبعاد الصغار عن تربيتهم داخل السجون خلال الأشهر الأولى من حياتهم، ووقف وصم المدينات بالمجرمات، ما يؤثر على سمعتهن ونظرة المجتمع لهن حتى بعد خروجهن من السجن.

نوال مصطفى: الاحتواء المجتمعي يبدأ بتغيير مسمى المدينة من سجينة إلى نزيلة
نوال مصطفى: الاحتواء المجتمعي يبدأ بتغيير مسمى المدينة من سجينة إلى نزيلة

ويسمح القانون المصري الحالي بأن تصطحب المدينة طفلها داخل السجن حتى بلوغه عامين، وبعد ذلك يتم تسليمه إلى أقاربها، وإذا رفضوا يودع بأحد دور الأيتام، ما يعني أن أطفال المدينات إما تتم تربيتهم عند العائلة بعيدا عن الأم، أو يكونون بلا أسرة في دور الرعاية.

وتنتشر فكرة التبرؤ العائلي من أبناء المدينات بشكل واسع، حيث ترفض عائلة الأم تربية ابنها بعد حبسها، ما دفع جمعيات أهلية إلى توفير أماكن سكنية بديلة لاحتواء الأطفال ورعايتهم وعلاجهم وتأهيلهم كي لا يكونوا في حالة حزن دائم، وتجنيبهم الإصابة بالاكتئاب.

وتعاني المدينات في مصر من قسوة القانون والمجتمع، فهن في نظر القاضي جانيات، مثل القاتل وتاجر المخدرات والسارق وقاطع الطريق، وتتم معاقبتهن بالحبس وفقا للمادة 341 من قانون العقوبات، دون حد أقصى لسنوات السجن.

والمدينات في نظر عائلاتهن مذنبات، ولسن ضحايا فقر، فإذا حُكم على إحداهن بالحبس لعدم قدرتها على سداد المبلغ الذي اقترضته، تكون أسرتها أول من تقسو عليها، وكثيرا ما تصل العلاقة معها إلى حد القطيعة.

قالت نوال مصطفى رئيس جمعية رعاية أطفال السجينات المدينات لـ”العرب”، إن وصم المدينات بالسجينات الجانيات يدمر استقرار الأسرة، وليس من الإنسانية أن الطفل الرضيع عندما يفتح عينيه يجد نفسه داخل سجن وتظل هذه الصورة عالقة في ذهنه طيلة حياته. وأضافت أن تشريع العقوبات المدنية، هو الحل الأمثل لحماية أسر المدينات من الدمار، وتحسين صورتها وأبنائها، كما أنه يحمي المجتمع من قنابل موقوتة.

وقد يحوّل غياب احتواء المدينة وأبنائها إلى خارجين على القانون بدافع الانتقام من المجتمع، لأن عدم حماية الفئة الموصومة وتجاهل إحساسها بالإنسانية بداية انزلاقها في طريق الإجرام، جرّاء ما تتعرض له من ذل وقهر من أكثر المحيطين بها.

ورأت نوال مصطفى، وتعمل على رعاية السجينات المدينات منذ نحو عشرين عاما، أن الاحتواء المجتمعي يبدأ بإزالة الوصمة وتغيير مسمى المدينة من سجينة إلى نزيلة، وإلغاء سجلها الجنائي، بعد أن تكون العقوبة مدنية، مع زيادة التكافل الاجتماعي للمدينات.

ويرتبط التكافل الاجتماعي تجاه المدينات بالعادات والتقاليد والموروثات، فمثلا هناك ندرة في عددهن بصعيد مصر، لأن بالنسبة إلى المرأة عند العائلة هناك خط أحمر، فلا تجوز إهانتها بالحبس أو تدخلها في الشؤون المالية واللجوء للاستدانة، لأن ذلك منوط بدور الرجل. وإذا لجأت امرأة للاقتراض ثم عجزت عن سداد المبلغ، فالعائلة تتكفل بالدفع قبل وصول الأمر إلى القضاء، لأن حبسها يؤثر على صورة الأسرة، بعكس أكثر المناطق الحضرية والعشوائية والريفية في دلتا وشمال مصر.

وقالت مصطفى “العقوبة البديلة تتيح للمرأة أن تعمل وتتعلم حرفة أو مهنة، مثل النسيج، ويتربى طفلها في بيئة بعيدة عن السجن، فهي تكون مثل من يؤدي خدمة وطنية لعامين أو ثلاثة، وعندما تنهي فترة العقوبة تستطيع أن تندمج في المجتمع بسهولة”. لكن المدينة السجينة عندما تنتهي عقوبتها تدخل سجن المجتمع، ومن الصعب إعادة اندماجها، وكثيرا ما تختار العزلة أو الهرب بأبنائها.

ويظل التضييق الحكومي على الجمعيات الأهلية، معضلة كبيرة أمام تحرير أكثر المدينات من السجون والعودة إلى أسرهم، حيث قيّدت عمل الجمعيات وقبولها التبرعات.

وقالت سهير لطفي، رئيس المركز القومي للبحوث الاجتماعية سابقا، لـ”العرب”، إن العقوبة البديلة وحدها لا تكفي لتكون مصر بلا سجينات مدينات، لأن الأمر بحاجة إلى وعي مجتمعي ليتوقف البسطاء عن توقيع إيصالات أمانة.

وأوضحت أن أزمة بعض السيدات أنهن يقمن بشراء مستلزمات تفوق القدرات المادية للأسرة، وأكثرهن يقترضن تحت ضغط العادات لشراء أجهزة عروس رغم عدم الحاجة إليها، لكن الأم تحاول ألا تكون ابنتها أقل من جيرانها وتتباهى بكثرة ما قامت بشرائه.

مشكلة الحكومة في مصر، أنها تتعامل منذ سنوات مع قضايا المدينات من منظور قانوني بحت، ولا تفكر في حلول أخرى، برغم أن حبسهن يكلف خزانة الدولة مبالغ مالية طائلة، نظير الإنفاق على توفير الطعام والشراب والأدوية والملابس لهن ولأطفالهن.

21