ويكيبيديا وأخواتها

بحكم نظام الكتابة في ويكيبيديا وأخواتها المفتوح للجميع، وفي غياب نظام صارم للقراءة القبلية للمقالات المنشورة، يبدو طبيعيا أن يخلف الموقع وراءه فائضا من الأخطاء.
السبت 2018/10/13
ويكيبيديا تصير العشَّ المفضل لقراصنةُ الكتابة

بحلول هذا العام، تكون ويكيبيديا قد أقفلت السابعة عشرة من عمرها، بعد أن تم إطلاقها كبديل لموقع نوبيديا الأب، الذي كان يَعتمد على كتابات الخبراء. إنها أشبه بكائن يكبر بسرعة ليحجز مكانا فسيحا قد لا يترك هامشا لمصادر المعلومات الأخرى. ولعل الضحية الأولى لهذا الجموح هي الموسوعات الورقية التي لم يعد عدد منها يصلح، مع هذا الوضع الجديد، إلا لتزيين صالونات البيوتات. ويبدو ذلك طبيعيا. فنقرة سريعة، يسبقها كسلٌ معرفي والرغبةُ في الولوج السريع والمجاني إلى المعلومات، تكفي للحصول على فائض من الوثائق، بكل لغاتها.

وخلال ما يقرب من عقد، تضخمت ويكيبيديا، وتضخمت معها أرقامها، حيث وصلت مقالاتها، قبل سنة، إلى ثلاثين مليون مقال. بينما جاوز عدد الزوار الخمس مئة مليون زائر. ولذلك كان عاديا أن تفشل كل محاولات الذين يحنون إلى الورق في إطلاق نسخة ورقية من ويكيبيديا، موجهةٍ إلى الأشخاص الذين لا يتوفرون على إمكانيات الولوج إلى الإنترنت. إذ أن إغراء البحث السريع وحجم الموسوعة ينتصران في النهاية.

ولكي تُدعّم سلطتَها كمصدر أساس للمعلومات، خلقتْ ويكيبيديا أخواتها، محتفظة بنفس الشكل وبنفس الطريقة في الاشتغال، حيث تولت “ويكي كُتب” تداولَ المصادر البيداغوجية، بينما تشكل “ويكي مصدر” المكتبة الرقمية للموقع.

وكما هو الأمر بالنسبة لوسائل تكنولوجيا المعلومات ولشبكات التواصل الاجتماعي، لم يكن مرور ويكيبيديا آمنا دائما، حيث لم يستطع الموقع أن يجد موقع قدم له داخل بلد كالصين، بحكم الرقابة. وكما خلقتْ وسائلَ تواصلها الخاصة، ابتداء من الفيسبوك إلى الواتساب، أطلقت الصين مشروعَ ويكيبيديا على مقاس الجرعة التي تسمحُ بها الرقابة بالبلد، مجندةً آلاف الباحثين. وبشكل مفارق لذلك، ستتورط الحكومة الألمانية في توظيف باحثين لإغراق ويكيبيديا بمقالات تُعَرف بمجهوداتها على مستوى الطاقات المتجددة. وبالطبع، لم يكن الأمر ليمر بدون أن يثير نقاشا حادا داخل البلد بخصوص صرف أموال عمومية على موقع يقوم على التطوع في الكتابة.

من جهة أخرى، وبحكم نظام الكتابة في ويكيبيديا وأخواتها المفتوح للجميع، وفي غياب نظام صارم للقراءة القبلية للمقالات المنشورة، يبدو طبيعيا أن يخلف الموقع وراءه فائضا من الأخطاء. وإن كان من المفارق أن تنتصر مجلة علمية عريقة، وهي ناتور، لمصداقية ويكيبيديا. بل إنها ذهبت إلى حد تفضيلها على موسوعة البريتانيكا الشهيرة. أما ويكيبيديا، فيُحسب لها على الأقل أنها امتلكت جرأة نشر مقال طويل يستعرض النقد القاسي الذي يتعرض له الموقع.

مع التراكم الذي حققته، ستصير ويكيبيديا العشَّ المفضل الذي يلجأ إليه قراصنةُ الكتابة. أما المدهش فهو أن يتورط كاتب بحجم ميشيل هولبيك في اختلاس فقرات عديدة من الموقع وتوظيفها في روايته “الخارطة والأرض”، الحاصلة على جائزة الغونكور الشهيرة. هولبيك سيعترف بالأمر معتبرا ذلك جزءا من طرق الكتابة، بدون أن ينسى تخصيص ويكيبيديا بالشكر في طبعة الجيب من الرواية.

15