"ولاد تسعة"رؤية فنية تنقل الواقع العربي الصعب بلا خجل

المسلسل المصري "ولاد تسعة" دراما متينة تعكس واقعا معقدا ومحزنا دون أن تطالب المشاهدين بسكب الدموع.
الجمعة 2019/01/25
بانوراما من العلاقات المشوهة

قد يكون من أدوار الدراما التأكيد على الجدية الأخلاقية للحياة، وتشجيع التفكير في قواعد وأعراف المجتمع الذي ينتمي إليه صناعها، فالأعمال الدرامية تحتاج أن تكون أكثر واقعية، إذا أرادت أن تلهب مشاعر المشاهدين وتثير فضولهم لمتابعة العمل.

القاهرة – في المسلسل المصري “ولاد تسعة” بجزأيه الأول والثاني، يبدو المشاهد أمام دراما مقنعة عاطفيا وخطيرة أخلاقيا، إذ اعتبر صناعها أنهم جزء من المجتمع، ولا ينفصلون عن أحداثه، ويقدمون بانوراما للعلاقات المشوهة التي تصيب الجميع بدرجات متفاوتة من الشجن.

ويحسب للمخرج أحمد شفيق قدرته على الدمج الطبيعي بين الفنانين المصريين واللبنانيين في العمل، فظهروا وكأنهم نسيج واحد، مع استخدام لغة بسيطة من الجانبين.

ويعد المسلسل الذي عرضته أخيرا بعض القنوات المصرية دراما متينة تعكس واقعا معقدا ومحزنا دون أن تطالب المشاهدين بسكب الدموع، ويظل التفكير في هذا الواقع وإمكانية تغييره، إن أمكن، الهدف الدرامي.

ويشكل الكل جانبا من منظومة قيمية تنذر بكوارث اجتماعية دون تهويل، لأن القسوة التي ظهرت في المسلسل أقل بكثير مما يمكن متابعته على صفحات الحوادث في مصر.

وجاء العمل كنص متكامل، وحلقاته الطويلة عرضت في سبعين حلقة، إلاّ أن صناعه أكدوا أن الجمهور أمام ورق مكتوب من البداية لنص درامي ممتد الأحداث، ورقموا حلقات الجزء الثاني بالرقم التالي لآخر حلقة في الجزء الأول، ما يؤكد الوحدة الفنية.

تمضي الأحداث في العمل بصورة متدفقة في موجات درامية منطقية، وجميعها ترسخ للفكرة الرئيسية في النص، وهي أنه “في عالم الفقراء كل شيء متاح للبيع بلا خجل أو محاذير، وفي عالم الأثرياء لا شيء عصي على الشراء وبلا ضمير”.

إنسانية وإثارة

جمع المسلسل بين اللمحات الإنسانية والإثارة، وأكد المؤلف فداء الشندويلي أنه ليس واعظا، بل هو كاتب يستطيع التعبير عن نفسه بشكل أفضل كجزء من الواقع المجتمعي الذي مزج بين مختلف فئاته بضفائر محكمة.

والقصة الأساسية بطلتها نهى، أو الفنانة اللبنانية نيكول سابا، السكرتيرة التي نسجت علاقة مع صاحب الشركة حسين، الذي قام بدوره الفنان المصري خالد زكي، وفي الوقت ذاته تقرر الزواج من ابن شقيقته عمرو، أو الفنان المصري خالد سليم.

بدأ الجزء الثاني والمُشاهد أمام جريمة قتل نهى في اليوم المقرر لخطبتها، وتبدأ شقيقتها يارا (نيكول سابا أيضا) القادمة من لبنان رحلة البحث عن قاتل نهى، وخلال هذه الرحلة تتكشف الكثير من الشخصيات، أولها نهى التي يعرف الجمهور أنها لم تمت، ومن ماتت هي شقيقتها على يد خطيبها اللبناني (الفنان ميشيل حوراني)، وتتبين تفاصيل حياتها كفتاة لعوب تبيع نفسها لمن يملك المال.

النجمة اللبنانية نيكول سابا قدمت في المسلسل دورين مختلفين بإتقان ودون تكلف، الأمر الذي جعلها من جماليات العمل
النجمة اللبنانية نيكول سابا قدمت في المسلسل دورين مختلفين بإتقان ودون تكلف، الأمر الذي جعلها من جماليات العمل

وتظهر حقيقة سلوكيات صاحب الشركة المشينة، ويوجه له اتهام رسمي بقتل نهى، ثم تطلب زوجته (الفنانة لقاء سويدان) الطلاق، وتتضح ملامح طمع زوج ابنته كريم، أو الفنان المصري عمرو عابد، وتزوج مريم (الفنانة رحمة) طمعا في ثروتها، في الوقت الذي كان يطارد نهى السكرتيرة، كذلك عمرو ابن شقيقة حسين (صاحب الشركة) الذي وقع في شرك نهى اعتبرها وسيلة للانتقام من خاله الذي اغتصب جزءا من حق أسرته في الميراث.

هذا هو عالم الطبقة المخملية في العمل، لكن هناك عالم الطبقة المهمشة الذي تجسده أربع خادمات، هن إحسان وقامت بدورها الفنانة هبة مجدي، وتعمل في منزل نهى وترتكب كل الموبقات من سرقة وتجسس وابتزاز تحت مبرر علاج ابنتها والإنفاق على زوج عاطل ومدمن، وتتهم بقتل نهى، لكنها تُدان بجريمة سرقة.

أما أمل، وقامت بدورها ميار الغيطي، فهي فتاة تعمل في منزل جدة شاب تحبه، لكن أسرته ترفض العلاقة مع الفتاة، ويتم طردها من المنزل عقب وفاة الجدة، وقامت بدورها الفنانة تهاني راشد.

وبسمة، وقامت بدورها الفنانة إلهام عبدالبديع، وهي فتاة طموحة ترغب في إنهاء دراستها وتهرب من والدها، الذي قام بدوره الفنان محمد التاجي، وكان يريد بيع جسدها لعجوز ثري، وهي تعمل لدى عامر المحامي (الفنان فؤاد بيومي)، وتمثل الطبقة الوسطى في العمل، التي ترفض الاندماج مع طبقة المهمشين، وتطردها الزوجة بعد اكتشاف ارتباطها بابنها أشرف، وقام بدوره الفنان حسن عبدالله، ومع تلاحق الأحداث يتمكن الشاب والفتاة من إجبار الجميع على احترام مشاعرهما والقبول بالزواج.

الخادمة المقهورة

تبقى قصة الخادمة كريمة والتي مثلت دورها الفنانة سهر الصايغ، والتي توافق وزوجها على تأجير رحمها للطبيب حاتم، وقام بدوره الفنان حسام فارس، وزوجته مقابل المال، لكن النتيجة أن الطبيب تزوج من أخرى أنجب منها، وتطلب كريمة الطلاق من زوجها بعد أن تأكدت أنه خدعها واستولى على أموالها، لتعيش مربية للابن الذي حملته في بطنها لأخرى. وجسدت كريمة حالة القهر التي يعيشها الكثير من أبناء الطبقات المهمشة، تلك الحالة التي لم يستسلم لجاذبيتها الدرامية الكثير من المشاهدين، وأظهر العمل جانبا موحشا للمهمشين، وهو الطمع وعدم الرضا بالواقع، وبدت هذه سمة اشتركوا فيها مع أبناء الطبقة المخملية الذين لا يقتنعون بما في أيديهم.

وبقي انحياز المؤلف واضحا للطبقة المتوسطة، متمثلة في عائلة المحامي باعتبارها تراجع نفسها، وتقدر العلم والطموح المشروع للمهمشين، ونجح المؤلف في الهروب من فخ مهاجمة رجال الأعمال وإظهارهم كمجموعة من المنحرفين أخلاقيا في عملهم.

وامتلك المخرج أحمد شفيق شجاعة تقديم الكثير من القبح الأخلاقي داخل صورة جميلة، تؤكد أن الفن لا يجب أن يكون قبيحا عندما ينقل القبح، لأنه استخفاف بالمشاهد أن يتم وضعه بين أكوام من القذارة بحجة محاكاة الواقع، وهو فخ لم يقع فيه شفيق الذي قدم لوحات جميلة.

وقدم المخرج العمل بتمكن، ونجح في توظيف أدواته لصالح النص، خاصة الممثلين الذين قدموا أداء متناغما دون شطط أو حدة في ذروة الانفعالات الدرامية، وكان الهدوء وسيلة شفيق لتوصيل رسالة النص كي يستوعبها الجميع بعقلانية. وظهرت نيكول سابا في حالة نضج في التعامل مع شخصية الفتاة اللعوب دون ابتذال في الأداء، وحافظت على هذه الشعرة ببراعة في الشكل والمضمون، ومثلت جزءا من جماليات المسلسل، كما بدت سلاسة الفنان خالد زكي بعيدة عن التمثيل وكأنه يتصرف بصورة طبيعية، وهي سمة تميزه في جميع أدواره والتي تشعر الجمهور كأنه يعيش حياته العادية، وهي صفة تلازم أيضا أداء الممثلة الشابة سهر الصايغ، خاصة أنها كانت كثيرة التنقل بين المشاعر المتناقضة.

لكن النص تعامل بسطحية مع شخصية زوجة الطبيب (الفنانة منى المصري)، التي اختارت وضع طفلها في رحم امرأة أخرى، وهو من سلبيات المؤلف، الذي يؤخذ عليه تعاطفه مع الخادمة التي قدمتها الممثلة هبة مجدي، رغم كل الخطايا التي ارتكبتها.

وامتد هذا التعاطف للمخرج، وكأن مجدي تؤدي دورها من دون توجيه أو سيطرة ملموسة منه عليها، وكانت الأضعف بين ميار الغيطي وإلهام عبدالبديع وسهر الصايغ.

هذا، وكان أداء خالد سليم وعمرو عابد باهتا، إذا قورن بأداء حسام فارس وميشيل حوراني، وكان الثقل الفني في الأداء بيد مجموعة النجوم المخضرمين الذين أثروا العمل كضيوف شرف، على رأسهم تهاني راشد وإنعام سالوسة وحنان سليمان ومحمد التاجي واللبنانية نهلة داود.

16