"أبواب الشك" طبقة مخملية يفقدها المال بعض إنسانيتها

تبدو الدراما آمنة ولطيفة، طالما أن جزءا من دورها إظهار الأشياء العميقة التي يقوم بها الناس في المواقف الكبرى، ودراما الطبقات المخملية ومالها الحرام، كما يحلو لمعظم كتاب الدراما تصويرها، تملك عناصر جذب جماهيري كبيرة، لأنها تثير فضولهم لمعرفة عالم يسمعون عنه ولا يعرفون غالبية تفاصيله، ما يمنح كتاب هذه النوعية إطلاق العنان لخيالهم في سرد القصص والحكايات من خلال الابتكار ونسج الأفكار.
القاهرة – من المهم أن يشبع الخيال الدرامي رغبة المشاهدين في تجريد بعض ممارسات الطبقة المخملية، وهو دور يطرح علامات استفهام، في ظل تفاوت طبقي ملموس في مصر، وإن كان صناع مسلسل “أبواب الشك” نجوا بأنفسهم من الانحدار إلى هذا المستوى الدرامي، واكتفوا بمنح قصتهم بعدا أعمق، يتعلق بجدوى المال، وهل هو أهم من الروابط الأسرية وروابط الصداقة؟
أضفى البعد الأخلاقي على العمل قيمة مضافة لقيمته كقصة محكمة ومحبوكة تجمع بين الإثارة والتشويق والغموض، الذي لا يصيب متابعيه بالتوتر والقلق، بل يؤدي بهم إلى الاندماج مع شخصياته، حيث تتكشف حقائق جديدة عنها في كل حلقة، باستثناء الشخصيتين المحوريتين في العمل وهما شادية (الفنانة لقاء الخميسي) وحسن (الفنانة خالد سليم) الذي أمضى عشر سنوات في السجن بعد اتهامه بقتل زوجته سارة (الفنانة المغربية جيهان خليل).
وعقب خروجه يقع بالصدفة في يد شادية (صحافية حوادث وجريمة) تقرير عن الجريمة التي ارتكبها حسن ضمن تقارير كثيرة كتبها طبيب شرعي، قيل إنه قتل أبناءه ثم انتحر، وكانت تتابع قضيته التي يتضح أنها جريمة قتل مدبرة على يد رجل الأعمال عز بك (الفنان عبدالرحمن أبوزهرة) لطمس جميع أدلة جريمة مقتل ابنته سارة.
يبدأ التقرير في إثارة شكوك شادية وتشجع حسن والضابط حسام (الفنان طارق صبري) على مساعدتها ليصلا إلى الحقيقة، ويأخذ أصدقاء شادية وحسن في الظهور بعد خروجه من السجن، ومع ظهورهم نكتشف أنهم كانوا أعداء أكثر منهم أصدقاء، ولم يتورع واحد منهم عن إيذاء الآخرين، لاسيما حسن، الذي نجد صديقه المقرب أحمد (الفنان تامر شلتوت) شارك في خداع الجميع في قضية مقتل سارة الوهمية.
تلك الجريمة التي دبرها والدها، مستغلا غضب وشك ابنته في خيانة زوجها، وكتب لها وثيقة تأمين بعشرة ملايين دولار تصرف بعد وفاتها، وقام بمساعدتها ومعهما أحمد في تضليل العدالة ووضع جثة مشوهة على أنها سارة وإلصاق التهمة بزوجها.
وهي تهمة لم يشهد معه فيها صديقه نبيل (الفنان نبيل عيسى)، رغم وجوده في مكان الحادث، وقبض ثمن إدانة صديقه من عز بك، وتحوّل إلى تاجر مخدرات كبير، في حين تزوج أحمد من سارة بعد أن قامت بتغيير هويتها الشخصية وأصبح اسمها ليلى سليم.
أما صلاح (الفنان أحمد صلاح حسني) فهو لم يشارك في الجريمة، لكنه بعد أن عانى من خذلان بعض الأصدقاء قرر العمل لحسابه الخاص، وقدم تقريرا طبيا يفيد بإصابته بالشلل بعد تعرضه لحادث سيارة، ليحصل على تعويض كبير من شركة التأمين ويفتتح مطعما.
كان صلاح يعيش قصة حب من طرف واحد مع شادية الغارقة في حب حسن، لكن سرعان ما ينسى الأمر ويقرر الاهتمام بدينا (الفنانة التونسية عائشة بن أحمد) ابنة رجل الأعمال عبدالسلام (الفنان نبيل نورالدين) شريك عز بك في مشروعاته، ويعمل في نفس مجال نشاط خالد (الفنان جلال الزكي) خطيب شادية الذي يتضح أنه مدفوع من سارة للتجسس على الجميع عبر شبكات الإنترنت.
نكتشف أن سارة هي من كانت تساعد حسن للوصول إليها لحبها له وتأكدها أنه لم يخنها مع نيرمين، زوجة الضابط حسام، وهي الشكوك التي كانت وراء موافقتها على خطة والدها، وحرمان حسن من ابنته سلمى التي يعرف كل شيء عنها ويساعده نبيل الذي يعترف أن الحياة في السجن أفضل من الحياة تحت رحمة سارة ووالدها.
في النهاية يتم القبض علي عز بك وسارة ونبيل وعمر صديق شهيرة (الفنانة ميار الغيطي) أخت حسن والذي عمل مع نبيل في تجارة المخدرات، ويشهد حسن مع صلاح لتعاطفه معه، بالرغم من أنه عاود خداعه بادعاء إصابته كذبا بالشلل للمرة الثانية.
يجتمع شمل أسرة حسن وابنته وتحل معضلة شادية التي دفعها إحساسها بالذنب إلى محاولة إثبات براءة حسن بشتى الطرق.
قصة مرسومة بدقة وبناء شخصياتها محكم وواقعي وتمكن المؤلف محمد ناير من إيجاد عقدة صعبة تتمحور حولها الأحداث، فمقتل سيدة وإدانة زوجها بقتلها ثم ظهورها صعب التصديق، إلاّ أن الطريقة التي رسم بها ناير الأحداث جعلت الأمر مقبولا، فالمال القذر في أي مكان يمكن أن يدفع عشاقه إلى تصرفات سيئة، حتى وإن اقتضى الأمر أن يكون ذلك خارج العقل والمنطق والأخلاق.
لم يبتعد المؤلف في قصته عن الواقع، ورصد الكثير من التطورات بمهارة، ففكرة الطبيب الذي يتهم بقتل أبنائه ثم ينتحر، يكتشف أنها جريمة تلمح إلى حوادث مشابهة وقعت في مصر، وفساد الشرطة من خلال تقديم نموذج الضابط الذي يعمل لحساب رجال الأعمال واقع لا يمكن التغافل عنه، كما لم يتغافل المؤلف عن وجود ضباط شرفاء.
وجاء التداخل بين الأحداث الحالية وذكريات البطل (خالد سليم) سلسا وغير مشتت لأذهان المشاهدين، وهذه حرفية عالية من المؤلف والمخرج أحمد سمير فرج، وإن كان يحسب عليهما المط والتطويل في الأحداث، فالمسلسل لا يمكن أن يتحمل أكثر من ثلاثين حلقة، لكن خروجه في ستين حلقة أتاح الفرصة للإسهاب غير المستساغ.
كان الحوار لكل الشخصيات متسقا مع الطبقة المخملية التي تدور أحداث المسلسل حولها، وجاء وقورا وبسيطا في مجمله، لكن حركة الأبطال كانت بطيئة والأداء خافتا بلا سرعة أو حياة حقيقية فيه، كأنهم يتحركون بالتصوير البطيء، وهو خطأ اشترك فيه المؤلف والمخرج معا.
قدم المسلسل صفا ثالثا من النجوم، يمكنهم أن يتصدروا أو بعضهم المشهد، بعد جيل الكبار الذي يمثله عادل إمام وحسين فهمي ويحيى الفخراني، وجيل الوسط ويمثله أمير كرارة وأحمد السقا ومحمد رمضان وياسر جلال وطارق لطفي وغيرهم.
ويحسب للجيل الثالث انصهاره في الشخصيات التي يتقمصها إلى درجة تنسي المشاهد تماما أنه أمام دراما، حيث يتحول الأمر إلى عالم أقرب للواقع، ويحسب له وللجيل السابق عليه، ليس كممثلين فقط بل كصناع دراما عموما، القدرة على المزج بين عناصر العمل المصرية والعربية في ضفائر درامية مصففة بعناية كجزء من العمل وليسوا ضيوفا عليه، وكان دوري المغربية جيهان خليل والتونسية عائشة بن أحمد في المسلسل نموذجين لذلك، ومن مهام الدراما المصرية أن تكون جزءا من العالم العربي.
ثمة أدوات كثيرة نجح المخرج في استغلالها والاستفادة منها، مثل الموسيقى التصويرية لمصطفى الحلواني، وبرع في تقديم موسيقى “تتر” وأحداث راقية ومعبرة، وجاءت اللقطات عاكسة لسخاء إنتاجي واضح، كان يمكن استثماره بشكل أفضل لو تم تقليص عدد الحلقات.