فيلم مصري ينجح في تحويل نص مشاغب إلى حكاية مُبهجة

"نادي الرجال السري" ابتكار ذكوري لكسر الملل الزوجي، وبطولة جماعية تنتصر لكوميديا الموقف.
الأربعاء 2019/02/13
كريم عبدالعزيز يقدم كوميديا بعيدة عن الابتذال

يعدّ الفيلم المصري “نادي الرجال السري” نموذجا للتعامل مع الأفلام السينمائية كجزء من صناعة كبرى لا بد من الحفاظ عليها، لتتجاوز كبوتها المتمثلة في قلة الأفلام المنتجة، وتراجع المشاهدات الجماهيرية لتلك الأفلام، وتكاتفت كل عناصره لضمان النجاح التجاري دون إخلال بثقل مضمونه الفني الذي جاء رشيقا دون سطحية أو خفة في التناول.

القاهرة  – كي ينجح الفيلم المصري الجديد “نادي الرجال السري” كان من الضروري أن تكون فكرة الاندماج والتفاهم راسخة بين جميع عناصره، وبالخصوص الممثلين الذين لم ينشغلوا بترتيب الأسماء على إعلانات الفيلم، أو الاهتمام بالمسميات التي تطلق على أدوارهم، وهو عمل كل عنصر فيه بطل في دوره.

وقدّم كريم عبدالعزيز وماجد الكدواني النموذج الأهم داخل الفيلم السينمائي الكوميدي لمعنى صناعة السينما التي لا تعتمد عل أحادية الطلة على الشاشة للبطل، فكريم “جان” أو النجم الوسيم في السينما المصرية لسنوات، وما زال يملك بريقا جماهيريا، رغم امتداد فترات غيابه عن الشاشة، والكدواني من أهم الممثلين في مصر حاليا، وقدّما معا من قبل فيلما “حرامية في تايلاند” و”حرامية كي جي تو”.

وعادا بنفس الحضور الذي لم يكن نابعا من وجهيهما أو من صغر سنهما فقط في السابق، بل من حضورهما وقوة أدائهما الكوميدي، الأمر الذي لم يتغيّر مع مرور السنين، التي أكسبت كلاهما خبرة وحكمة فنية جعلتهما يتباريان في الأداء كهواة وليسا كمحترفين، وتباريا أيضا في إضفاء النجومية المستحقة على أداء الفنان بيومي فؤاد، أحد محاور الفيلم الهامة لدرجة أنهما منحاه وحده لقطة نهاية الفيلم، وهو في الأعراف السينمائية يطلق عليه انحياز.

منح الانحياز لضيوف الشرف حضورا فنيا يفوق فكرة الظهور كمجاملة أو مساندة لفريق العمل، منهم الفنان هشام ماجد الذي قدّم دور الرجل الذي يخون زوجته مع الشغالة وينتهي به الأمر في المستشفى، والفنان أحمد أمين، الطبيب البيطري الذي استعانوا به لنزع رصاصة من ظهر الكدواني، والفنان أكرم حسني، صديقهم في النادي الذي تم اللجوء له بعد اتهام كريم والكدواني في جريمة قتل.

الفيلم قدم وجبة كوميدية طازجة، لها مفردات جديدة دون الخروج عن اللياقة والآداب

وجاء الانحياز للسينما عبر منح المؤلف الشاب أيمن وتار فرصة لإثبات ذاته كأحد متصدري المشهد في الكتابة الكوميديا في مصر، وفي صناعة السينما دائما ملكة الشريط السينمائي هي الإجادة، ومن يجيد هو سيد العمل وأيمن وتار من أكثر المجيدين في الفيلم، وقدّم وجبة كوميدية طازجة، لها مفردات جديدة دون الخروج عن اللياقة والآداب.

رسم المؤلف القصة بحرفية من يريد توصيل رسائل في غاية القوة، وهو وأبطاله والجمهور يبتسمون لأن الرقابة اللصيقة لا تضمن الأمان الزوجي، والرتابة والملل وتحول الزوجة لرقيب هو الموت الحقيقي للحب.

وأجاد الفيلم الطرح السلس للأحداث والتي تتلاحق بسرعة ملفتة، وأجاد صناعه بناء كل شخصية بتميّز ولها نسق درامي يتحرك بمنطقية، لا تجعل المشاهد ينشغل بشيء سوى المتابعة.

تبدأ أحداث الفيلم بأسرة الدكتور أدهم (كريم عبدالعزيز)، المكوّنة منه ومن طفليه وزوجته هاجر (الفنانة غادة عادل) المتسلطة التي تراقبه عبر الهاتف وتجبره على ارتداء ملابس مضحكة ووضع رائحة كريهة حتى لا تقترب منه السيدات.

قد يندهش المشاهد من قدرة أدهم على طاعة زوجته، لكنه يظهر على حقيقته كصاحب فكرة إنشاء ناد للرجال السري، يسهل لهم تأمين أنفسهم من زوجاتهم في أثناء العبث خارج المنزل، وهو الدور الذي يتولاه حيرم (الفنان بيومي فؤاد) مدير النادي الذي يحذّر أدهم من علاقته الممتدة بفريدة (النجمة السورية نسرين طافش) منسقة الأفراح والتي يتعرّف عليها وتنشأ بينهما علاقة حب.

كيمياء خاصة بين كريم عبدالعزيز وماجد الكدواني
كيمياء خاصة بين كريم عبدالعزيز وماجد الكدواني

مع جولات أدهم النسائية يرصده فؤاد (ماجد الكدواني) مدير سلسلة مطاعم وفنادق ويريد أن ينحرف بعيدا عن زوجته ويتعامل مع أدهم كقدوة له، ويحدث بينهما اتفاق أن تكون المطاعم والفنادق التي يشرف عليها تحت تصرّف النادي وأعضائه مقابل أن يحوّلوه إلى شخص منفلت أخلاقيّا.

منذ اللقطة الأولى للفيلم وحتى نهايته يجد المشاهد نفسه أمام كوميديا موقف وضحكات مستمرة، خاصة بعد أن ينهار النادي عقب شك هاجر في أدهم، وتنشر صورته على جروب “هل تعرفوه” وتتعرف الكثيرات على أدهم الذي قدّم لهن نفسه بأسماء مختلفة.

يبدأ انتقام الزوجة عبر مساعدة فريدة التي لم تخبرها بحقيقة علاقتها بأدهم، وأوهمتها أن خطيبها كان مثل أدهم لذا تساندها، وينجحان في ابتزاز الدكتور شريف (الفنان معتز التوني) عضو النادي، وتهديده بكشف علاقاته لزوجته فيخبرهما بكل شيء، ويتآمر معهما في اتهام أدهم وفؤاد بأنهما ارتكبا جريمة قتله.

تتفاقم رحلة هروبهما، خشية القبض عليهما، وهي رحلة لم تكن طويلة، حيث يكتشفان الخديعة التي وقعا ضحيتها بعد معرفتهما أن صديقهما شريف لم يمت، وهنا تصبح المواجهة حتمية بين أدهم وهاجر، بعد أن قررت فريدة تركه لإدراكها أن موقفها معه أفضل من الموقف السيء لزوجته الحقيقية.

ينفصل الزوجان لمدة عامين، نعرف بعدهما أن فريدة تزوجت وهاجر تقبل بالعودة لأدهم لتيقنها من توبته، ونتعرّف على الزوجة شديدة الجمال لفؤاد، لكن بما أن الكوميديا دراما بلا قيود، فلم تكن تلك النهاية، إذ يكتشف المشاهد أن أدهم افتتح مع حيرم فرعا جديدا للنادي، وفؤاد يصر على الانضمام إليه.

انصبّ جزء من اهتمام الجمهور في الفيلم على الفنانة غادة عادل، بعد 15 عاما من آخر تعاون فني بينها وكريم عبدالعزيز في فيلم “الباشا تلميذ”، وكان الأداء بسيطا بلا ادعاء، وهذه طبيعتها في معظم أدوارها، ويحسب لها عدم اللجوء إلى لمسات بلاستيكية واحتفاظها بطلتها المميّزة في الملابس والإكسسوارات.

ويعدّ “نادي الرجال السري” نقلة فنية كبيرة في مسيرة مخرجه خالد الحلفواوي، حيث نجح في تحويل النص المشاغب حول علاقة زوجية تشبه علاقة القط والفأر لحياة حقيقية مبهجة على الشاشة، بكل تفاصيلها من ديكورات وإضاءة ومكياج وإكسسوارات وملابس ومشاهد خارجية وتنقّل هادئ بين الأماكن المتنوعة، ما حول كل عناصر الفيلم الصامتة لمرح.

16