وعي القاصرات يجنبهن مخاطر الزواج المبكر

ساهمت المتغيّرات التي طرأت على الأجيال الجديدة في مصر في أن يكون للفتاة القاصر دور في منع زواجها في سن مبكرة. وصارت الفتيات يمتلكن قدرا من الشجاعة يمكنهن من الاحتجاج على الضغوط العائلية التي تجعلهن أسيرات أشخاص لم يخترنهم عندما تزوجن في سن صغيرة. ويرى الخبراء أن إشراك الفتيات في الحرب ضد ظاهرة الزواج المبكر، بات ضرورة حتمية أمام تمرّد الأسر على القوانين.
عكست واقعة بلاغ ست فتيات قاصرات في محافظة سوهاج بجنوب مصر عن آبائهن قبل تزويجهن عنوة في سن صغيرة وتدخل السلطات لوقف الزواج، أن عملية مواجهة تزويج القاصرات تبدأ من توعيتهن بالمخاطر وكيفية التصرف حال تعرضهن لضغوط أسرية لإجبارهن على الارتباط الرسمي مهما كانت دوافع العائلة.
لجأت الفتيات إلى إبلاغ مؤسسات اجتماعية يرتبط عملها بالمجلس القومي للطفولة والأمومة عن اقتراب موعد زواجهن وأنهن لم يستطعن إقناع آبائهن بالرفض، وطالبن بالتدخل لإنقاذهن واستكمال مراحل التعليم وتحقيق أحلامهن في الالتحاق بالجامعة، وبالفعل جرى وقف إتمام الزواج في اللحظات الأخيرة.
استدعت النيابة العامة آباء القاصرات الست وأجبرتهم التوقيع على تعهدات كتابية بعدم إتمام زواجهن قبل بلوغ السن القانونية، 18 عاما، وإلا تعرضوا للمساءلة القانونية التي تستوجب الحبس، مع إبلاغهم بمتابعة الحياة الأسرية والتعليمية للفتيات وضمان عدم تعرضهن لمضايقات أو ضغوط لتغيير مواقفهن.
يمكن البناء على هذه الواقعة بأنه مهما كانت هناك عقوبات قاسية على الأسر التي تزوج بناتها قبل بلوغهن السن القانونية بشكل ينتهك براءتهن دون مشاركة الصغيرات في مواجهة الظاهرة، ستواجه الحكومة صعوبات بالغة في الحد من الأمومة المبكرة، واتساع دائرة الأزمات الأسرية التي تنتج عن زواج القاصرات.
ما يلفت الانتباه أن القاصرات الست اللواتي أبلغن عن آباء يعيشون في مجتمع صعيدي (جنوب مصر) معروف عنه التزام أفراده بالعادات والتقاليد والأعراف، ويصعب كسرها أو تجاوزها والتمرد عليها، خاصة من جانب المرأة، ما يعني أن هناك متغيرات طرأت على الأجيال الجديدة تحتم على الحكومة استثمارها.
الفتاة التي كانت تعتقد أن تمردها على قرار زواجها وهي قاصر سيقودها إلى وصمها بالعار وتكمل باقي حياتها في جحيم عائلي، صارت تمتلك قدرا من الشجاعة والاحتجاج ضد الضغوط العائلية التي تدفعها لارتكاب فعل قد يؤذيها بدنيا ويقضي على مستقبلها، وربما يجعلها أسيرة لشخص لم تختره عندما تتزوج في سن صغيرة.
وأكد أحمد مصيلحي رئيس شبكة الدفاع عن أطفال مصر، أن نشر ثقافة الاستغاثة عند الفتيات ضد أي تصرف ينتهك البراءة أهم من القوانين التي تعاقب الجناة، ولا يمكن مواجهة أزمة مثل زواج القاصرات بتشريعات تحاسب على الفعل دون وجود غطاء توعوي يمنع وقوع الفعل نفسه ووضع حلول استباقية توقف حدوث الزواج.
وقال في تصريح لـ”العرب”، إن السفارة الإيطالية عندما قامت قبل خمس سنوات بتنظيم حملة مبكرة لتوعية الصغيرات بمخاطر الزواج المبكر بمحافظة الفيوم، في جنوب غرب القاهرة، وصلت نسبة البلاغات لأرقام فلكية من فتيات تستغيث من اقتراب زواجهن مبكرا وتدخلت الجهات المختصة في الوقت المناسب.
وأضاف “مطلوب تعريف كل طفلة بأن جسدها ملكها، وعليها مقاومة الجميع للحفاظ عليه وعدم المتاجرة به أو انتهاكه.. هذه الثقافة غير موجودة، وصار على الحكومة المصرية الاقتناع بأن الموروثات تقتل القوانين، والحل الأمثل أن تكتسب الفتيات الوعي بشأن الزواج بعيدا عن أسرهن من خلال تعامل المؤسسات مع النماء الطفولي كحق أصيل من حقوق الأطفال”.
معضلة استراتيجية الحكومة في مواجهة زواج القاصرات أنها أغفلت مخاطبة الضحية نفسها وتجاهلت توعيتها بطريقة تجعلها أكثر معرفة ووعيا في حال تعرضت لضغوط أسرية من أي نوع لإجبارها على الزواج قبل بلوغ السن القانونية واكتفت بتوجيه حديثها وعقوباتها لناحية الآباء أنفسهم على أمل ترغيبهم وترهيبهم.
يعزز هذا الطرح أن الأمومة المبكرة منتشرة على نطاق واسع في المناطق الريفية والشعبية، وأغلب أرباب الأسر بهذه الأماكن أميون، ولا يستطيعون استيعاب خطاب التوعية الموجه إليهم ولا يعيرونه الاهتمام الكافي، حتى أنهم لا يتأثرون ولا يرتدعون بمسألة وجود عقوبات بالحبس، وربما لا يعرفون شيئا عنها.
وإذا شملت العقوبات المأذونين الشرعيين الذين يقومون بتزوير أعمار الفتيات، فمحاسبتهم تظل مرهونة بإفشاء سرية الزيجة من جانب عائلتي الشاب والفتاة، وفي الغالب لا يحدث ذلك، وأي عقوبات مهما بلغت صرامتها لن تقود إلى نتائج إيجابية، طالما أن الحلول تجاهلت الاهتمام بالقاصرات أنفسهن.
أوضحت عبير سليمان الناشطة في قضايا المرأة، أن إشراك الفتيات في الحرب ضد ظاهرة الزواج المبكر، ضرورة حتمية أمام تمرد الأسر على القوانين، ومن المهم تثقيف الصغيرات بالتبعات السلبية لهذا القرار على الأصعدة الصحية والنفسية والاجتماعية، ليكنّ فاعلات وحائط صد ضد تكرار هذه التصرفات.

وأشارت لـ”العرب”، إلى أنه لم تعد هناك رفاهية الوقت لعدم إدراج مخاطر الأمومة المبكرة في المناهج الدراسية، بحيث تقوم المؤسسات التعليمية بالدور الأكبر في التوعية والتثقيف، وتصبح كل صغيرة مؤهلة للدفاع عن حقوقها وتعريفها بكيفية التصرف في مثل هذه الحالات، حتى تتحرك بناء على فهم وتعالج الأزمة بحكمة.
يضاف إلى ذلك زيادة إنتاج أعمال فنية، درامية وسينمائية، تناقش قضية زواج القاصرات بشكل متعمق، على أن تكون موجهة بشكل أكبر إلى الفتيات، ليكنّ أكثر إدراكا بكل أبعاد المشكلة مع منحهن الحلول الواقعية اللازمة والقابلة للتطبيق للهرب من قيود الأسرة دون تعريض حياتهن للخطر أو تهديد مستقبلهن.
لا يتطلب الأمر سوى تعريف الفتاة بطرق التواصل مع الجهات والمؤسسات التي يتيح لها القانون التدخل لإنقاذ ضحية الزواج المبكر، مثل إجراء مكالمة هاتفية أو إرسال استغاثة عبر رسالة نصية، أو من خلال صفحات التواصل الاجتماعي، لكن هذا التصرف يتطلب معرفة وشجاعة استثنائية من الفتاة نفسها.
ولفتت سليمان إلى أن أيّ صغيرة تتعرض لمشاكل بسبب الزواج المبكر لن تكون لديها شجاعة المواجهة إلا مع توافر قدر كبير من الإيمان للتصرف بشكل ذاتي وبناء على قناعة تامة بأنها تتحرك في الاتجاه الصحيح، ولا تشعر بخوف أو استسلام للأمر الواقع، طالما أنها مؤمنة بالقضية التي تدافع عنها.
وتعارض بعض الأصوات التركيز على الضحية نفسها بدعوى أن سنها ما يزال صغيرا ولن تستوعب الخطاب الموجه لها، وعلى الطرف الآخر يرى مؤيدون أن تمرد صغيرات بصعيد مصر، أعمارهن بين 13 و14 سنة، على أسرهن، يعني أن الأجيال الجديدة صارت متفتحة أكثر من أي وقت، بحكم التغيرات التي طرأت على المجتمع والتطورات التكنولوجية وارتفاع منسوب التمرد على التقاليد البالية.
لا يعني استهداف الصغيرات بالتوعية أن يتم تجاهل الأسرة، بل من الضروري السير في مسارين متوازيين، بأن يكون هناك خطاب للقاصرات وآخر للآباء والأمهات، بعيدا عن اختصار المواجهة بالفتاوى الدينية والعقوبات القانونية، لأن التحرك على الأرض من خلال التوعية الميدانية السبيل الأمثل لتحقيق نتائج إيجابية.
يظل التحدي الأكبر أن شريحة ليست بالقليلة من القاصرات ينبهرن بفستان الزفاف ولديهن شغف ببلوغ ليلة العرس، ولا ينظرن لتبعات الخطوة، وكل ما يشغلهن أن يتزوجن في سن صغيرة مع أن هناك فتيات متقدمات بالعمر لم ينجحن في الخطوة، وترتبط هذه المفاهيم المغلوطة بخواء أفكار المراهقات بطبيعة الزواج ومسؤولياته.